الدكتورة جورفين رينجر، أخصائية في علم النفس السريري وعلاج البالغين لدى "عيادات سيج"

رحلة النساء لتحطيم شبح الرُّهاب.. نصائح وتوصيات من أخصائية نفسية لتخطي الخوف

بقلم الدكتورة جورفين رينجر، أخصائية في علم النفس السريري وعلاج البالغين لدى "عيادات سيج"

نعيش اليوم في عصرٍ متغيّرٍ بوتيرة متسارعة، تناضل فيه النساء بكل جرأة لأخذ مساحة أكبر للتعبير عن رأيهن ولكسر القيود التي رُسمت حول معصمهن، ولتتمكن في النهاية من كتابة قصص نجاحهن. وفي ظل العقبات القائمة في طريق آمالهن وأحلامهن، يسيطر شبح الخوف على حياتهن ويظهر الرُهاب بمختلف أشكاله وصوره كعقبة رئيسية متجذرة في النفس. نأخذكن في هذا المقال في رحلة  لنمكنكن من المضي قدماً بكل شجاعة وإصرار على مواجهة مخاوفهن وإطلاق العنان لإمكانياتهن.

ما المقصود بالرُهاب؟

الرُهاب هو عبارة عن مشاعر عارمة تسيطر على كامل حواسنا وتعطل تفكيرنا وتُشعل بداخلنا مخاوف شديدة عند رؤية أشياء معينة أو عيش مواقف أو تجارب محددة. وتتنوع ردود الفعل التي نبديها تجاه هذه المخاوف ما بين الشعور بالانزعاج الخفيف وحتى العجز الكامل عن أداء المهام أو الإصابة بنوبات الهلع. وهذا ما يجعل الرُهاب مختلفاً كل الاختلاف عن القلق أو الخوف العابر. أما أنواع الرُهاب فهي متنوعة بشكل كبير، فقد تكون متعلقة بمكانٍ محدد مثل الرُهاب من المرتفعات أو الأماكن المغلقة أو حتى ركوب الطائرات؛ وقد تكون مرتبطة بالحيوانات مثل العناكب أو الكلاب أو القطط؛ كما يمكن أن تتعلق بالخوف الشديد من التعرض لإصابة جسدية مثل الرُهاب من الدم أو الوخز بالإبر. وما هذه سوى بعض أنواع الرُهاب الكثيرة!

وشبح الرُهاب يكبر بداخلنا نتيجة أسباب عديدة متنوعة، تتمثل أكثرها شيوعاً في التجارب الصادمة والمروّعة التي مررنا بها تجاه مواقف أو أشياء مخيفة عززت لدينا هذه المشاعر السلبية. وقد ينشأ الرُهاب لدينا في بعض الأحيان بشكل غير مباشر عن طريق السلوكيات التي نتعلمها ونتأثر بها، إذ يمكن لردود أفعال الآخرين أن تترك أثراً عميقاً بداخلنا وتتحول إلى نمط سلوكي نتبعه، فعندما نلاحظ على سبيل المثال الخوف الذي يُظهره الآخرون عند مواجهة أي موقف، فقد نقلّد بدورنا ردود أفعالهم هذه ونطبقها على أنفسنا لتصبح بمثابة رُهاب نعاني منه نحن أيضاً.

ولسوء الحظ، نعاني نحن النساء من حالات الرُهاب أكثر بمرتين من الرجال، ويدل ذلك على أن النساء يواجهن تحديات إضافية قد تلقي بظلال الخوف والاضطراب على حياتهن. وهذا ما ستكتشفونه بوضوح في السطور القليلة القادمة التي أروي لكم فيها قصة إحدى السيدات التي عانت سابقاً من رُهاب شائع وهو الرهاب الاجتماعي (أو المعروف حالياً باسم اضطراب القلق الاجتماعي) وكيف نجحت في التغلب عليه وهزيمته. إنها ليلى، شابة مجتهدة وطموحة تعمل مستشارة لدى إحدى الشركات الكبرى، وكثيراً ما كانت ليلى تتلقى الثناء والمدح من زميلاتها ومديرتها، وكانت تحب وظيفتها وتتطلع بشغف لتحقيق ما وضعته من خططٍ وأهداف لتطوير مسارها المهني في المستقبل. لكن ليلى كانت تواجه عقبة كبيرة في حياتها تتمثل في خوفها الشديد من التحدث علناً أمام الجمهور. وكانت فكرة حضور الفعاليات الاجتماعية أو الترويج لخدمات ومنتجات الشركة للعملاء تغمرها بمشاعر الخوف وتوقظ في مخيلتها أفكاراً سلبية حول ما ستتعرض له من انتقاد وسخرية، فتتخيل نفسها واقفة أمام الجماهير بوجهٍ أحمر يتصبب عرقاً، وتتعثر في كلماتها وجميع العيون تحدق بها بدهشة واستغراب، الأمر الذي جعلها تتجنب خوض هذه التجربة وتفويض أعضاء آخرين من فريق عملها لِتَوَلّي هذه الأدوار بدلاً منها.

وقصة ليلى ما هي إلا واحدة من قصص كثيرة تعيشها النساء. فعندما تنمو مشاعر الرُهاب بداخلنا، فإنها تترك ندوباً عميقة وتزعزع ثقتنا بأنفسنا واحترامنا لذاتنا. ومن شأن مشاعر العجز والخوف أن تقوّض من كفاءتنا وتضع العقبات في طريقنا نحو التحرر والإبداع والتطور الشخصي.

لكن ما هو الحل؟

إن أردنا التحرر من قيود الرُهاب والخوف، فعلينا أولاً وقبل كل شيء أن نكن على أتم الاستعداد لخوض رحلة مليئة بالتحديات تتطلب منا التحلي بالصبر والعزيمة والإصرار. وأضع في متناولكن أدناه بعض النصائح والتوصيات التي تساعدكن في التحرر تدريجياً من سيطرة الرُهاب عليكن:

  1. الاعتراف بالمشكلة: إن المحطة الأولى من رحلتنا للتحرر من قيود الرُهاب تبدأ في الاعتراف بمشاعر الخوف التي تعترينا وتُعيقُنا وتمنعنا من التقدم نحو الأمام.
  2. فهم المشكلة: حين ندرك المشكلة التي نعاني منها، فهذا يساعدنا في معرفة المزيد عنها. فعندما نكتشف أسبابها وتفاصيل مكان وزمان حدوثها، سنكون أكثر قدرة على التحكم بمشاعر الرهاب والخوف، وبالتالي السيطرة عليها وهزيمتها.
  3.  مواجهة الرُهاب: يمكننا التغلب تدريجياً على مشاعر الرهاب التي تعترينا وتسيطر علينا من خلال تعريض أنفسنا لهذه المخاوف بشكل تدريجي ضمن بيئة نشعر فيها بالأمان. وسيكون بوسعنا ذلك من خلال معالجة الرُهاب عبر مراحل متعددة، تبدأ بالخطوة الأقل إثارة للقلق، فإن كان الرهاب مرتبطاً على سبيل المثال بالقطط، يمكننا البدء بالنظر إلى صور القطط، ثم مشاهدة مقاطع الفيديو عنها، ثم رؤيتها من مسافة بعيدة، قبل أن نقترب منها ونحاول إنشاء علاقة إيجابية معها في مكان نشعر به بالأمان كمنزل صديق مقرّب إلينا ونعلم أن قطته لطيفه. وقبل البدء بتنفيذ هذه الخطوات، احرصنَ على ممارسة تمارين الاسترخاء لتتمكن من الحفاظ على هدوئكن وضبط أعصابكن والتعامل مع المخاوف.
  4. طلب استشارة المختصين: هناك مجموعة متنوعة من العلاجات التي أثبتت فعاليتها وكفاءتها في التغلب على الرُهاب، ومن أشهرها العلاج السلوكي المعرفي. كما يمكنكن أيضاً الاستعانة بكتبٍ لمساعدة ذواتكن، وهي منتشرة بكثرة وتقدم إرشادات ومعلومات حول هذا الموضوع، ولكن في حال كان الرهاب يسيطر على حياتكن بشكل كبير ويسبب لكن الذعر أو القلق الشديد، فقد يكون من الأفضل طلب مساعدة واستشارة أخصائيي العلاج النفسي. ومع حالة ليلى التي ذكرتها سابقاً، فقد مارسنا بعض تمارين الاسترخاء وطبقنا تقنيات لتحدي الأفكار السلبية المرتبطة بخوفها، قبل أن نقف وجهاً لوجه أمام مشاعر الرُهاب. حيث بدأت ليلى رحلة العلاج عبر حضور الاجتماعات التي لا تحتاج إلى مشاركتها في الحديث، بحيث تكون كمتفرجة فقط. وفي مرحلة لاحقة بدأت بالتحدث أمام مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين تثق بهم وتشعر معهم بالراحة، قبل أن تخوض التجربة مع مجموعات أكبر ومع أشخاص لا تعرفهم. ونجحت ليلى في نهاية المطاف في تقديم عرض أمام أحد العملاء، وكانت فخورة بما حققته من نتائج.
  5. الاحتفال بالإنجازات: احرصنَ على الاحتفال بكل إنجاز تحرزنه في كل مرحلة من رحلة العلاج، مهما كان صغيراً. فعلاج الرُهاب يتطلب شجاعة وعزيمة وإصرار، وعليكن أن تفخرن بانتصاركن عليه!

وتذكرن دوماً أن التغلب على الرُهاب هو رحلة مليئة بالتحديات تتطلب منكن الاستعداد لخوضها وتخصيص الوقت الكافي لها وبذل قصارى الجهود والتحلي بأعلى مستويات الصبر. وقد تواجهنَ أثناء هذه الرحلة العديد من العقبات والانتكاسات، وهذا أمر طبيعي تماماً لا يستدعي القلق. فمن خلال اتباع الخطوات الأساسية، يمكنكن استعادة السيطرة وتمكين أنفسكن من تحقيق أهدافكن المنشودة، والتحرر من قبضة الرهاب التي تسيطر عليكن.