المرأة في مكة بين السطور والمـخطوطات

المرأة في مكة بين السطور والمـخطوطات

مجلة هي

بقلم سارة هاني العبدلي

بداياتي مع الرسم بدأت في صفوف المدرسة على الماصّات الخشبية والكراسات. لطالما وجدتُ يديّ ترسمان نساء، ولا تخلو تلك الرسومات من خطوط تشطب أعناق نسائي، فقد كان الاعتقاد السائد آنذاك بأن الرسم من التصوير المحرم شرعا. وما كانت النتيجة مع مرور الزمن وكبت التصوير والمساءلة المستمرة إلا امتناعي عن رسم الوجوه تماما.

أنظر اليوم إلى نفسي الماضية بعين الرأفة، أطبطب على خـــذلانـهـــا المـسـتـمـــر من تجـسـيــــد الأنـوثـــــــة مـــاديـــــــا. أود لـــو أذهب بنفسي إلى زمنها، لأخبرها بأني رجعت إلى التاريخ لكي أتصالح مع مفهوم الأنوثة المكبوت خلف الخطوط الحمراء التي عبّأت دفاتري بأن مثال المرأة المتمكنة في مجتمعها ومحيطها ليس مفهوما نستلهمه من الحضارة الغربية الحديثة.

رجعتُ بالزمن إلى مكة تاريخها ونسيجها المجتمعي العتيق، وتحديدا إلى أسرة الطبريات من القرن الهجري الثاني إلى القرن الثاني عشر. تلك الأسرة التي اشتهرت بعلمائها من نساء ورجال. سافرتُ عبر الزمن إلى قريش الطبرية (1107 هـ) كمثال، كيف للمرأة أن تمنح الإجازة بخط يدها في مجلسها لمريديها من العلماء من نساء ورجال قدموا إليها من مكة وسائرالعالم الإسلامي. بلغَت منزلا رفيعا في العلم حتى صُنفَت بأنــها أحــــد مســـانـيــــد الحــجـــــاز السبــعـــــة، حيث قال عنها الشيخ فــــــلاح بن مـــحمد الظاهري المــــــدني: "لو حضرَت قريش الطبرية أو عـــائـشــة المـقـدسـيــة أو كـريمــــــة الـمــروزية، لصليت وراءهن غير مرتاب أو متشكك".

لم يكن ذلك حال قريش فقط، بل لها الكثير من النظيرات في أسرة الطبري وغيرها من الأُسر المكية العريقة التي استوطنَت مكة أعواما مديدة، وشكّلت نسيجها الثقافي الثري. وقد حملتني قراءاتي تباعا إلى الكثير من الأمثلة انتهاء بصولت الرحمن بيجم؛ التي تبرعت بقسط وافر من مالها الخاص لتشييد بناء مدرسة الصولتية بمكة في حي الخندريسة بحارة الباب جوار المسجد الحرام في عام 1290 هـ / 1873م.

ذلك ما عُرف عن المرأة في مكة، وقد يطول الحديث في حــــصـــــر نــــســــــــاء مــــكـــــــة، وإســــهــــــامــــــــاتــــهــــــن الــــســــخــــيــــــــة في تطــــويـــــــر وخـــــدمـــــة المـــجـــتـــــمــــــع؛ إذ يصعب عليّ أن أحصرها في مقال قصير، إلا أنها تــــــــشــــهــــــد على أنـــــــــوثــــــة مــطــــمـــــورة بين الصفـــــحات والمخطــــــوطات. أعلم اليوم أن محـــــــــاولاتي الأولى لم تكن سوى استكمال خطوات الأجداد والجدات، بأن التمكين والســيــــــادة مـــــن شيَـــــــــــم المــــــرأة المســـلــمــــــة والعـــــربـــيـــــة الأصيــــلـــــــة عبر العـــــصور. وأنه قد حان الوقت لنعيد رسم صور النساء في التاريخ بلا خطوط حمراء تشطب الأعناق وتمسحهن عن السطور.

Credits

    سارة هاني العبدلي
    فنانة وباحثة مستقلة