محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور مارينا خليل صاحبة شركة MK Design ومديرتها الإبداعية
حوار: عدنان الكاتب Adnan Alkateb
ضيفتنا في صفحات الديكور لهذا العدد شخصية تعكس الإيجابية من خلال الإصرار على النجاح كيفما جرت الرياح، ومهما اصطدمت السفن بالأمواج العاتية.. كل ما من حولها تحضنه في قلبها كمصدر إلهام، لتحوّل ديكور أي غرفة أو مكتب أو صالة أو منزل أو فندق أو قصر أو حديقة أو أي مساحة إلى جمال أخّاذ لا تنقصه الناحية العمليّة.. إنها الشابة المميّزة مارينا خليل صاحبة شركة "إم كاي ديزاين" MK Design ، ومديرتها الإبداعية، التي تحوّل بعصاها السحرية أي شيء إلى مذهل، والتي تشاركنا تجربتها ومسيرتها، وتشدد على أهمية إتقان فن إدارة الأعمال لنجاح أي مشروع في الهندسة الداخلية.
كيف تحبين تقديم نفسك للقارئات؟
أنا إنسانة بسيطة تسحرني الطبيعة بجمالها الخلاب الذي يبقى العنصر الأساسي في أي تصميم ناجح. أنا من أصل لبناني - أرجنتيني، وهو ما يعني أنني أنتمي في الوقت نفسه إلى حضارتين مختلفتين. منذ نعومة أظفاري جذبني عالم الفن والتصميم والألوان؛ ونشأتي في مناطق مختلفة من العالم دفعتني إلى احتضان مختلف الثقافات والتصاميم، من دبي وإيطاليا مرورا بلبنان إلى باريس ولندن. أستلهم تصاميمي من الفن، والناس والعمارة، وأي شكل يثير فضولي. أحببت الرسم منذ طفولتي، وفي سن العاشرة من عمري فزت بجائزة "فابريانو" للرسم، وهو ما شجّعني على أن أطوّر موهبتي أكثر فأكثر. لا شك في أن والدي المصمّم وفنان الرسوم المتحرّكة قد لعب دورا مهما في صقل مستقبلي. ترعرعت في بيت يقدّر الفن والجمال، وكنت مذهولة بعمل والدي. وأذكر أن أبي كان يصحبني لزيارة المتاحف واختيار الإكسسوارات الجميلة والقطع الزخرفية. حين نكبر في بيت فني، نتأثر مباشرة. أما الشعار الذي أتمسّك به، فهو أنه ما من أسلوب جامد، وما من ذوق ثابت، وهذا يعني أن كل شيء قابل للتغيير والتعديل. وعلى مرّ 13 عاما من التجارب المذهلة التي عشتها، والتصاميم التي ابتكرتها، اختبرت أن البساطة أفضل وأن الجمال هو في عين الرائي. نظرا إلى أن الأذواق تختلف باختلاف الزبائن، سواء أكانوا من الأفراد أو من الشركات أو المؤسسات، إلا أنني فخورة بقدرات فريق عمل "إم كاي ديزاين" MK Design وقدراتي، من حيث تحديد حاجات كل زبون وتحقيق أحلامه.
كيف كانت تجربتك في التعليم؟ وكيف اكتشفت حبّك للتصميم والفن؟
التعليم في "جامعة سيدة اللويزة" اللبنانية كان تجربة هائلة ومسؤولية كبيرة في الوقت نفسه. فقد أتاح لي التواصل مع طاقات شابة عطشى إلى المعرفة، وإلى تعزيز قدراتها الإبداعية. وحرصت على أن أدفع بطلابي إلى تجاوز الحدود والقيود في إبداعاتهم. وكنت أول أستاذ جامعي في الشرق الأوسط يعلّم منهج إدارة الأعمال في التصميم، الذي يخوّل مصممي ومعماريي المستقبل خوض حقل العمل بنجاح وإنتاجية، عبر إعدادهم أكاديميا وواقعيا في مواقع البناء. نظرا إلى صغر سني باعتباري أستاذة جامعية، فإن طلابي كانوا يعاملونني مثل صديقة ومرشدة، وأنا بدوري كنت أرى فيهم مصمّمي المستقبل، وهو ما بنى علاقات وطيدة في صفوفي التي نادرا ما غاب عنها أحد الطلاب. الاندفاع والإبداع اللذان رأيتهما من خلال عيون طلابي رائعان؛ وهم تعلموا مني وأنا بلا شك تعلمت من كل تلميذ من تلاميذي ومن مواهبهم الفردية. هدفي في الحياة ألا أتوقف يوما عن التعلم. حين نتسلّح بالثقة في قدراتنا الإبداعية وفي تصاميمنا، لا بدّ من تعزيزها بالعزيمة الصلبة، للذهاب بعيدا في تحقيق النجاحات. المهمّ ألا نخاف، بل أن نحافظ على شغفنا من جهة، وأن نثابر على التدرّب من جهة أخرى.
كيف تربطين بين عالم التجارة وعالم التصميم؟
اختصاصي يسمّى تجارة التصميم، لأن هذين العنصرين مرتبطان، بل لا يمكن النجاح إذا لم يكن لديك عقل تجاري. وقد ساعدتني إجازتي الجامعية في إدارة المشاريع، وإلمامي بالتصميم في تجاوز كوني مصمّمة لأنخرط في عالم الأعمال. إذا لم يستطع المرء النجاح في عالم الأعمال فلن يتمكن من التطوّر. والمشكلة في الماضي بالنسبة إلى فنانين كثر كانت في بقائهم فقراء لافتقادهم العقل التجاري. وفي أيامنا، إذا لم نكن قادرين على تنفيذ مهمات عدّة في آن واحد، فإننا لن ننجح في عصر السرعة هذا.
لماذا قّررت تأسيس فرع لشركتك في دبي؟
دبي وطني الثاني، أتيت إليها وأنا في سن التاسعة من العمر، برفقة عائلتي بسبب عمل والدي في دولة الإمارات، وأقمنا في منطقة جبل علي. منذ البداية شعرت بأن دبي وطني، أعشق أهلها وناسها الرائعين وكل شيء فيها. دبي هي المكان المثالي لكل من يريد أن يحلم ويرى أحلامه تتحقق. أحبّ هذه المدينة، وهي بالنسبة لي مدينة الفرص والإمكانات. حين بدأت العمل في دبي، كنت سعيدة جدا بالتعامل مع الزبائن المتعدّدي الجنسيات. فمدينة دبي هي بامتياز المركز أو المنصّة التي منها تنطلق الأحلام والإبداعات التي لا يضاهيها شيء. وقد عشت على مرّ السنين التطور الذي عرفته دبي وكل الإمارات، على الصعيدين المعماري والثقافي وغيرهما. أشعر بأنني في بيتي في الإمارات، وأنا سعيدة بالفرصة التي منحت لي لأكون في هذه البلاد الاستثنائية.
حدثينا عن تكريمك باعتبارك أصغر مصمّمة بإنجازات سبّاقة في لبنان.
كان لي الشرف في أن تكرّمني وزارة الثقافة في وطني الأم لبنان، لكوني أصغر مصمّمة تملك رصيدا كبيرا من الإنجازات. أؤمن بأن عالم التصميم لا حدود ولا قيود له، وشعاري في الحياة هو أنه حيث تكون الإرادة توجد الطريقة. لغة الفن عالمية، وعندما نعقد العزم على أمر ما، يمكننا أن نحقّقه. وأنا من النوع الذي لا يستكين إلا بعد إنجاز المهمّة. وكان هذا التكريم بالنسبة لي تجربة رائعة واستثنائية، إذ جميل أن يكرّم الناس قبل رحيلهم عن الدنيا. كما كان لي دافعا كبيرا، وخاصة أنني ما زلت في منتصف حياتي المهنية، وكأن صوتا يقول لي: "أيتها الشابة لا بدّ من أنك تستحقّين هذه اللفتة المميّزة". إن لفتة التقدير هذه زوّدتني بالقوة والشجاعة لأمضي قدما، وللمثابرة في إلهام غيري من النساء لمتابعة العمل مهما كانت الظروف قاسية. يجب ألا يقف أي شيء في وجهك. حين تقاتلين من أجل ما تؤمنين به، وتفعلينه بشغف، فستكون المكافأة من نصيبك حتما. أصبح عملي نمط حياتي اليومية، بحيث صرت أعيش وأتنفّس وأعشق الفن. وثمرة النجاح تصير يانعة، حين نتشاركه مع الآخرين.
لقد أزهر أخيرا كل الدعم الذي نلته طوال هذه السنين. كما تلقّيت جائزة من وزارة الدفاع عربون شكر وتقدير على إبداعي أول منصّة لتعزيز السلام ونشر الإيجابية: "قاتل من أجل الحب لا الحرب". إنها رسالة من أجل إنهاء الحرب والخلافات، يوجّهها هذا التصميم التذكاري. ترك هذا المشروع بصمة كبيرة في نفسي، وجعلني أفكر في النواحي الإيجابية من الحياة، وفي كيفية إيصال رسالة قوية إلى العالم عبر التصميم.
ما أبرز إنجازاتك؟
إن آخر إنجازاتي إنشاء فرع لشركة "إم كاي ديزاين" في العاصمة الرومانية بوخارست، وخاصة أن فريق عمل فنادق "هيلتون" أدرج اسم شركتي في لائحة مصمميهم المعتمدين. ونحن نعمل اليوم في بوخارست على إعادة تجهيز أجمل الفنادق. لقد كانت خطوة ذكية لكون البلاد من الاقتصادات الناشئة، وكنت سعيدة بتوسيع "إم كاي ديزاين" إلى منصّة مختلفة، واستكشاف ثقافة جديدة. الحياة صعبة. إما أن نتبنّى هذا التحدّي، وننشئ شيئا إيجابيا منه، وإما ألا ننجح. التصميم هو رحلة وطوال هذه الرحلة لا نعرف أبدا كيف سيقودنا مسار الحياة، ولكن يجب أن نكون دائما في جهوزيّة تامّة، أي مستعدّين وأقوياء.
وما الصعوبات التي مررت بها؟
لم يكن مشواري سهلا. كنت أعمل كثيرا حتى ساعات متأخّرة من الليل. لا أعرف طعم النوم، وأتنقّل من مطار إلى آخر. تحديت ذاتي لأكون أفضل، ودفعت بنفسي إلى الأمام دائما حتى عندما كنت أشعر بأنني لا أستطيع، فكان هناك صوت بداخلي يقول لي دائما: اعملي الآن، ويمكنك الاسترخاء في وقت لاحق! وهذا الصوت هو ما جعلني أتحرّك وأستمرّ في العطاء. أثّر نمط الحياة هذا في صحّتي قليلا بسبب كثرة التنقّل وبذل الجهود، وكان التحدّي أن أغيب أحيانا عن تمضية عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة، وأكون بمفردي، وأسافر في رحلات طيران طويلة. كما تأثر نظامي الغذائي نظرا إلى المكوث طويلا في مواقع البناء، وعدم تناول بعض الوجبات. كانت كل هذه الأمور مصدر قلق بالنسبة لي. لكنني تعلّمت أن علينا الإصغاء إلى أجسادنا، وفعل ما هو صحيح: في بعض الأيام مثلا كنت أرغب في تناول قطعة من الشوكولا، ولم أكن أحرم نفسي منها.
أخبرينا عن أعمال تفخرين بها؟
لقد عملت على التصميم في مكاتب "مجموعة جميرا" في حي دبي للتصميم، وكانت تجربة مدهشة، حيث تمكّنت من تصميم مكتب من أساسه، أي على الخريطة الهندسية، وهو في طور البناء، تلبية لاحتياجات الزبائن. واستطعت تسليمه في وقت قياسي، مع العلم أن تصميم المكاتب للشركات الكبيرة هو من أصعب المشاريع التي تحاول تلبية احتياجات كل قسم، مع الحفاظ في الوقت نفسه على هويّة التصميم، وخلق بيئة مريحة ومنتجة في آن معا. حاليا أعمل على مشروع كبير في وسط لندن. إنه لأمر مشوق، وما زلت أشعر بالطفلة الصغيرة في داخلي، بسبب الحماس الشديد الذي ينتابني حول المشاريع. ولا أشعر أبدا بأن عملي له أي علاقة بالروتين، فكل مشروع هو مغامرة جديدة مرتبطة بتحدٍّ جديد علينا التغلّب عليه.
كيف يمكنك الموازنة بين عملك وحياتك الاجتماعية؟
بصراحة الأمر صعب. أنا أستيقظ باكرا، وأولا وقبل كل شيء، لا أعمل قبل أن أرتشف فنجان قهوتي. بعدئذٍ أذهب إلى نادي الرياضة، لكنني الآن بسبب فيروس "كوفيد 19" أمارس الرياضة في المنزل، وهذا الأمر بدأ يروق لي. من ثم أذهب إلى مكتبي، وأبدأ
يومي. يصعب علي الاختلاط الاجتماعي خلال النهار مع زيارات المواقع والاجتماعات، لذلك تحدث معظم مناسباتي الاجتماعية خلال الأسبوع مساء. أما عطلات نهاية الأسبوع، فمع العائلة والأصدقاء. لكن هذا الجزء يُلغى أحيانا، بسبب مشاريع العمل في الخارج التي تجبرني على السفر. غير أن التنوّع في عملي وغياب الروتين يجعلانني متحمسّة. خلال فصل الصيف، غالبا ما أسافر في إجازة مع صديقاتي المقربات هروبا من ضغوط الحياة، وحفاظا على روابط الصداقة. في سنة سابقة، سافرت إلى اليونان أربع مرات، فسألني مدير الفندق: عما إذا لم يكن لدي مكان آخر أسافر إليه! لكني شعرت بأن دماغي بحاجة إلى السلام والهدوء والسكينة، ليستعيد نشاطه ودعمه بشحن إبداعي!
ما الحلم الذي تسعين خلفه؟
أجد التصميم سهلا للغاية. يمكنني ممارسته خلال نومي، ومن ثم رسم الأفكار عند الاستيقاظ في الصباح. لذلك أترك دائما بجوار سريري قلما وورقة بيضاء، فأستيقظ ليلا أحيانا، لأرسم وأدوّن بعض التفاصيل قبل أن أعود إلى النوم، وهذا ما قد يتسبّب لزوجي المسكين بأن يصاب بالجنون! لكن يمكنني القول: إنني "حلّالة مشاكل" في الليل. لا يأتي النجاح بين عشية وضحاها. لكن إذا كنت شغوفة بالتصميم، وسكبت كل شيء فيه، فستنجحين لا محال. حلمي أن أكون قادرة على إضافة الجمال إلى هذا العالم. التصميم في تطوّر مستمرّ، ويعلمنا دوما شيئا جديدا. آمل أن أتمكّن من التأثير في مصمّم أو مصمّمة أصغر مني سنا طوال مسيرتي المهنية، وتحفيزه أو تحفيزها على المثابرة، وعدم الاستسلام أبدا، بل التشبّث بالحلم. لا يتعلّق الأمر بقدر ما تملكينه أو تعرفينه، بل بمدى سعادتك وراحتك في كل ما تفعلينه.