رؤية نقدية ـ "El Cmino"..عودة مُفلسة لدفاتر Breaking Bad القديمة!
حينما انتهى عرض المسلسل الأمريكى الشهير Breaking Bad، بعد خمسة مواسم ناجحة، اعتبرته بعض الأقلام النقدية أفضل مسلسل تليفزيونى على الإطلاق. حتى لو كنت ضد هذه المبالغة فى التقدير الفنى، فإن المسلسل يحتل مكاناً خاصاً واستثنائياً فى تاريخ الدراما التليفزيونية؛ فهو عمل فنى طموح، ودراما تتناول العلاقات الإنسانية المُعقدة، والتحولات النفسية الملتوية، وهو مسلسل الجريمة الدموى الذى يصور الجريمة من زاوية مُبتكرة وغريبة وقاتمة، ومن خلال حكاية مدرس الكيمياء الوقور "والتر وايت- بريان كرانستون"، الذى يدخل عالم صناعة المخدرات؛ لتوفير ضمانة مالية لزوجته وابنه بعد إصابته بالسرطان، نشاهد دراما تحول شخص دمث، يتمتع بالنزاهة والاستقامة، إلى مجرم شديد الخطورة، وخلال تلك الرحلة المُرعبة داخل عالم بلا أخلاق، نرى ذلك الصراع الأخلاقى بين "والتر وايت"، وزميله الشاب، "جيسى بينكمان"، الذى يساعده فى تصنيع المخدرات وترويجها.
عودة "جيسى بينكمان"
العلاقة بين شخصية "والتر وايت"، وتلميذه الفاشل "جيسى بينكمان – أرون بول" كانت محور أحداث المسلسل، بجوار محاور أخرى تتعلق بالعائلة، وعالم الجريمة المنظمة، والهوس بالنفوذ والانتقام والقتل، وكل التفاصيل التى كانت جزء من حياة الشخصيات الرئيسية. بينما بدت شخصية "والتر وايت" الدمثة دخيلة على الجريمة، ومُرشحة للفشل، أو الندم والتراجع، فإن شخصية الشاب الفاشل المستهتر "جيسى" أقرب إلى عالم الجريمة، ولكن التحولات الدرامية للأحداث تثبت عكس هذه النظرية، فبينما يهرول "والتر وايت" بجنون نحو عالم الجريمة؛ لتحقيق شىء ما يفتقده فى حياته الروتينية التقليدية، يتراجع "جيسى" فى لحظة يكون التراجع صعباً، إن لم يكن مُستحيلاً.
بعد ست سنوات من نهاية مسلسل Breaking Bad، تعود شخصية "جيسى بينكمان" لإستكمال الأحداث، من خلال فيلم El Camino: A Breaking Bad Movie الذي تنتجه نتفليكس، ويبدأ الفيلم من حيث انتهت أحداث المسلسل، وهى لحظة هروب "جيسى" من الشرطة، وطوال رحلة الهروب الصعبة، نرى فلاشات تلقى الضوء على أحداث من الماضى، وبشكل خاص الأحداث التى تُصور الأيام التى كان "جيسى" سجيناً لدى عصابة تُجبره على صناعة مخدر الميث لحسابها.
"أرون بول" فى مواجهة "بريان كرانستون"
الطريف أن شخصية "جيسى بينكمان" كان من المفترض أن تموت فى الحلقات الأولى من المسلسل، أثناء إجراء صفقة مخدرات فاشلة، وأن يتسبب هذا الموت فى أزمة نفسية تضغط على أعصاب "والتر وايت"، الذى يشعر بالذنب الشديد، ولكن فريق العمل، بقيادة كاتب العمل "فينس جليجان" رأوا أن قتل شخصية "جيسى" حماقة درامية متكاملة الأركان؛ بسبب تميز أداء "أرون بول" للشخصية؛ وأيضاً لم يكن ممكناً إهدار الكيمياء بين شخصيتى "جيسى" و"والتر وايت"، والذى تُعد ركيزة دراما المسلسل الرئيسية؛ فقد كانت حواراتهما معاً من أكثر عناصر ثراء المسلسل وجاذبيته.
الأمر الأكثر طرافة أن شخصية "جيسى" لم تمت فى نهاية المسلسل، بعكس شخصية "والتر وايت"، وهروب "جيسى" فى نهاية الأحداث مهد لإنتاج فيلم El Cmino، ويعتمد على رحلة الهروب التى بدأها "جيسى"، فى ظل حالة استنفار أمنى كبير، وبحث دؤوب عنه، ويحمل الفيلم اسم السيارة التى بدأ بها رحلة الهروب، ويمكن القول أنه رغم غياب الشخصيات الرئيسية، فقد نجح "أرون بول" فى إعادة تجسيد الشخصية التى تعرضت لكثير من الأهوال والتحولات، وأصبحت على شفا الجنون.
من أفسد الخاتمة؟
لا يحمل الفيلم الكثير من ألق وأصالة ومثالية حلقات المسلسل، هو عمل جيد وليس عظيماً، وقد يكون مفاجأة جميلة لعُشاق المسلسل؛ فهو فصل إضافى من الحكاية لمن أحب العمل، وتعلق بشخصياته. كان غموض مصير "جيسى" فى نهاية المسلسل أحد عناصر البلاغة الدرامية التى تليق بنهاية الموسم الخامس والأخير، وقد بلغت الدراما فى هذا الموسم إلى ذروتها التعبيرية، وكانت أية إضافة أو إسترسال هى عملية إفساد مبتذلة لتلك الحالة الجمالية البديعة، ولكن تمر السنوات ويقرر صُناع العمل تحت ضغط وحماس الرغبة فى العودة لدفاتر الدراما القديمة إنتاج فيلم El Cmino ، وهو نموذج للإسترسال غير المفيد.
يبدو الفيلم كحلقة طويلة متوسطة المستوى من حلقات المسلسل، ورحلة الهروب لا تبدو جذابة بما يكفى، ولهذا يُكثف السيناريو مشاهد الفلاش باك، التى تتناول حكاية بعض تفاصيل الماضى، وهى حجة ملائمة لظهور بعض شخصيات المسلسل، ومنها شخصية "والتر وايت"، فى مشهد طويل، فى مرحلة ما قبل بداية قرار الشخصيتين الغوص فى عالم تجارة المخدرات، غير أن تلك العيوب لا تعنى أن العمل سىء، ولكنه لم يضف شيئاً لتراث حكاية "والتر وايت" و"جيسى بينكمان".