رؤية نقدية ـ Judy..حكاية "جودي جارلاند" أيقونة هوليوود التي خذلها ساحر أوز!
"جودي جارلاند" هى المراهقة "دوروثي"، بطلة فيلم الفانتازيا الاستعراضي الشهير The Wizard of Oz "ساحر أوز"، الذي تحول إلى مسلسل تليفزيوني معروف في الأربعينيات والخمسينيات، وهى المغنية والنجمة الاستعراضية، صاحبة الصوت الاستثنائى، التي أصبحت أيقونة عالمية في دنيا الفن، ولكن فيلم Judy "جودي" يصور سيرتها الذاتية في الشهور الأخيرة من خريف نجوميتها، بعد سنوات من الفشل وإدمان الكحول والعقاقير المهدئة، وفي تلك المرحلة القاتمة حاولت "جودي" التشبث ببهجة الحياة، وأمسكت بيدين واهنتين لمنع ستائر المسرح من الانغلاق في وجهها. تعود الممثلة "رينيه زيلويجر" بأداء استثنائى ومُخلص تماماً لشخصية صعبة الأداء، وذابت تماما في شخصية "جودي جارلاند"، في مرحلة انهيار وتهاوي أسطورتها الفنية.
"دوروثي".. النسخة المزيفة من "جودي"
تغني "جودي" للحب ولا تمتلكه، ولو امتلكته لا تستطيع الحفاظ عليه طويلاً، وتغني للقيم العائلية، لكنها لا تستطيع الحفاظ على حضانة ابنها وابنتها؛ فهى مُفلسة معظم الوقت، والفنادق ترفض تأجير الغرف لها، ويعرف كل شخص أن "دوروثي"، شخصيتها الشهيرة، تحب أكل البيتزا، ولكنها في الواقع محرومة من الطعام، بأوامر المنتجين، حتى تحافظ على رشاقتها وصورتها على الشاشة، وبسبب الرقابة القاسية عليها، أصبحت تخشى الأكل والترفيه عن نفسها، وكان عليها أن تكون في حياتها العادية نفس النسخة المزيفة التى تُقدمها على الشاشة.
هى "جودي جارلاند" خلال الساعة التى تقضيها على المسرح، لأداء أغنياتها، والحصول على مال لتعويض ديونها، أما باقى الوقت فهى أم بائسة، تتجول في تاكسي بصحبة طفليها، بحثاً عن فندق يرضى باستقبالهم؛ فهى لم تعد قادرة على إعالتهما، ولهذا تقبل بجولة فنية في لندن، لتجني مالاً، ولكن صحتها المعتلة، وإدمانها الشرب، وسباب الجمهور المستاء من تأخرها المتكرر، كلها عوامل عجلت بنهاية مسيرتها الفنية، وحياتها القصيرة.
من الذي لا يحب جودي جارلاند؟
رغم أن "جودي" لا زالت تشع فناً، لكن تشوهات شخصيتها ونفسيتها جعلتها بغيضة في عيون من حولها، وعلى وجهها الحزين وجسدها الهزيل أثار سياط قسوة صناعة النجم في هوليوود، وتُحاول أصباغ ماكياجها، وملابس الستينيات المبهرجة إخفاء تجاعيد الزمن على وجهها، لكن هل يُخفي الماكياج تجاعيد الروح؟
في تلك السيرة الدرامية الحزينة، نشاهد الجميع يحب "جودي"، ولكنها لم تحب نفسها أبداً، لم تحب صورتها المصطنعة، ولم تحب شخصيتها المزيفة على الشاشة، هى في الواقع ليست تلك الفتاة المرحة المُبهجة، ولم تتحمل أن تكون كذبة خيالية تسير على قدمين.
الناس تحب "جودي"، ولكن لا أحد يشعر بجودي الحقيقية، هكذا تشعر وتصرخ في وجه من حولها. تتشبث "جودي" بالحياة بكل قواها، كأنها تخشى السقوط، وانهيار كل شىء حولها، وتسنح لها فرصة نادرة للعودة للغناء، لكنها تعبت تماماً، وأصبحت تترنح على خشبة المسرح، وعلى أرض الواقع.
نهاية قوس قزح
الفيلم إخراج "روبرت جولد"، وهو مقتبس عن مسرحية برودواي الغنائية "نهاية قوس قزح" End of the Rainbow، التى تناولت حياة "جودي جارلاند" في عامها الأخير، ويستدعي الفيلم مشاهد من ماضي "جودي"، وحياتها الصعبة في ستديوهات هوليوود، والعمل الشاق المضني الذي كانت تقوم به، ومعاناتها من قلة الأكل والنوم، والإرهاب النفسي التى تعرضت له، وأثر على إتزانها النفسي والعقلي. أداء "رينيه زيلوجر" للشخصية يضعها في مقدمة الصفوف الأولى لأفضل أداء تمثيلي لهذا العام، وقد جسدت على الشاشة تفاصيل شخصية نجمة تخفي خلف جمالها وموهبتها روحاً منكسرة، وإنسانة هشة فقدت شغفها بالحياة والفن الذي أفنت عمرها من أجله.
حينما غاب ساحر أوز
في فيلم "ساحر أوز"، إنتاج 1939، جسدت "جودي جارلاند" شخصية المراهقة الصغيرة "دوروثي"، التي تتمنى العيش بعيداً عن مزرعة عمها في تكساس، وينقلها إعصار هائل إلى عالم مدينة "أوز" الخيالية، الملونة الجميلة، وبعد وقت تحن "دوروثي" إلى مزرعة عمها، وتبحث عن ساحر "أوز"، الشخص الوحيد الذى يُمكنه إعادتها إلى وطنها.
جعل هذا الدور "جودي جارلاند" أسطورة، وكان مثل إعصار هائل في حياتها، نقلها من عالم الواقع الرتيب، إلى عالم النجومية الساحر، كان عمرها وقتئذ سبعة عشر عاماً، وتمتلك صوتاً خلاباً، وموهبة متقدة، وقدمت العديد الأعمال الفنية، في السينما والتليفزيون والمسرح، وفازت بالعديد من الجوائز، ولكنها كانت تحن دائماً للعودة إلى حياتها العادية، وضغط عليها المنتجون لتظهر بملامح شكلية وشخصية تخالف طبيعتها، بعد أن أقنعوها أنها ليست جميلة، وسببت لها الضغوط آلاماً نفسية وعصبية هائلة؛ حتى أنها بدأت تلقي جلسات نفسي، وهى في الثامنة عشرة، وبدأت في تعاطي المهدئات ومضادات القلق، وهي الأدوية التي قضت عليها وهى في سن السابعة والأربعين؛ بعد تناولها جرعة زائدة من دواء مضاد للقلق.
لم تجد "جودي جارلاند" ساحر "أوز" يعيدها لحياتها العادية، وعلى أية حال، كان ساحر أوز شخصاً مخادعاً، لا يملك أى قوى سحرية، ولم يُنقذها أحد من المحيطين بها من مصيرها المؤلم، وعلى عكس الفيلم لم يصحبها في رحلتها أسد شجاع، وخيال مآتة ذكي، قادر على حل المشكلات، ورجل صفيح يتمتع بالطيبة والحنان، لم تجد حولها سوى حفنة جشعة من المنتجين، ومتعهدي الحفلات، الذين لا يهمهم سوى وقوفها على المسرح، حتى لو كانت قواها تنهار، وروحها تحترق، وإنسانيتها تعاني ألاماً لا تُطاق.