رؤية نقدية - اتهامات العنصرية تصل عتبات هوليوود..هل "ذهب مع الريح" بلا رجعة؟!
في 11 مارس عام 1989 بدأت قناة فوكس الأمريكية عرض مسلسل الواقع Cops ، وكان يعرض مُداهمات ومُطاردات حقيقية تقوم بها الشرطة الأمريكية، وحقق البرنامج شعبية هائلة ونسب مُشاهدة كبيرة، رشحته للاستمرار لمدة 31 عاماً، أُنتج منه 32 موسماً، حتى جاءت المظاهرات الإحتجاجية التي عصفت بالولايات المتحدة، على خلفية قتل شرطي للمواطن "جورج فلويد"، وتصاعدت الاتهامات للشرطة بالعنصرية، وطالت الاتهامات البرنامج، ووصفه البعض بأنه يهدف لتجميل صورة الشرطة، وتجنب عرض تجاوزات الشرطة أثناء عمليات القبض على المُشتبه بهم، ووصل الجدل الغرف المُغلقة داخل مكاتب إدارة المحتوى بشبكة باراماونت، التي بدأت عرض وإنتاج مواسمه الجديدة منذ عام 2018، وكان الحل السريع هو الإنحناء لعاصفة النقد والهجوم الحالية، وسحب حلقات البرنامج من على منصتها، وإعلان نيتها عدم إنتاج المزيد من الحلقات في المستقبل، وقد يبدو الأمر مجرد تنازل مؤقت بسبب حساسية موقف الشارع الأمريكي من الشرطة، ولكن التنازلات قد تزيد، وقد تصل بالمنصات الإلكترونية لمراجعة محتوي أعمالها، وبشكل خاص المحتوى الذي يتهمه البعض بالعنصرية وتجميل وجه رجال الشرطة.
"نتفليكس" تستحدث قائمة جديدة
شبكة "نتفليكس" قررت تأمين نفسها من أى هجوم مُحتمل على مُحتوى بعض أعمالها، وصنعت قائمة جديدة ضمتها لتصنيفاتها، وأسمت تلك القائمة “Black Lives Matter” "حياة السود مُهمة"، تماشيا مع شعار المظاهرات، وأضافت في تدوينة خاصة أن قصص السود مُهمة، ولهذا جمعوا أهم الأفلام والمسلسلات الدرامية والوثائقية التى تتناول حياة السود تحت قائمة واحدة، وربما تصنع القائمة حالة من الاهتمام بالقضايا العرقية لدى المتفرجين، وقد تكون مُلهمة وتطرح حكايات عن ظلم السود في قالب درامي، ولكنها في نفس الوقت قد تفتح المجال لقائمة مُضادة قد يراها بعض المتحمسين والحقوقيين لا تستحق العرض، وربما تشهد هوليوود خلال الفترة القادمة حملة ضد المزيد من الأفلام والمسلسلات التي تتناول الشرطة، أو تحتوي على صور عُنصرية نمطية، وهو أمر خطير ويفتح مجال المُزايدة ضد أعمال درامية تم إنتاجها سابقاً، وتحمل بعض الملامح الدرامية التى لا تأتي على مزاج الجمعيات الحقوقية، أو الجماهير الثائرة، وهناك الكثير من الأعمال الدرامية التى قدم فيها نجوم شخصيات ضباط شرطة يتجاوزون القانون، وكان هذا التجاوز مقبولاً في إطار الخيال الدرامي الذي يمكن أن نراه طريفاً ومُسلياً لو كان الشرطي في جاذبية ووسامة "كلينت إيستوود" في السبعينيات، كما في سلسلة أفلام "هاري القذر "Dirty Harry، وكانت الشخصية الرئيسية بالفيلم تستخدم العنف المُفرط في استجواب المشتبه بهم.
حذف رائعة هوليوود الكلاسيكية.. مؤقتاً!
قرار قناة HBO Max وقف عرض الفيلم الملحمي "Gone with the Wind" - "ذهب مع الريح" على منصتها مُدهشاً وصادماً؛ فالعمل مر على إنتاجه 81 عاماً، وأصبح من الكلاسيكيات المرموقة، وهو ابن عصره وثقافة زمنه، ولا يمكن تقييمه بمقاييس الصوابية السياسية للزمن الحالي، ولكن اتهامات قديمة له بالعنصرية عادت على السطح من جديد، ووصفه البعض بالفيلم الذي جعل من العبودية أمراً لطيفاً ومقبولاً؛ وتلك إشارة إلى شخصية الخادمة السوداء مامي، التي جسدتها الممثلة "هاتي ماك دانيال"، ومن المفارقات أن "هاتي" حصلت على أوسكار أفضل ممثلة دور مُساعد، لتصبح أول أمريكية من أصول أفريقية تحصل على الأوسكار، ولكن هذا التكريم الهوليوودي غير المسبوق في حقبة الثلاثينيات -التي لم تخلو من عنصرية فجة ضد السود- لم يشفع للفيلم، وكون الأحداث تدور في زمن الحرب الأهلية لم يُقلل من كراهية كثير من السود للفيلم؛ فاتهمه البعض بالترويج للصورة النمطية للشخصيات السوداء؛ فالأسود يظهر مُغتصب وعنيف وبلا مبادىء، في مقابل صورة الأبيض الشريف الشُجاع، والعبيد السود يعيشون في سعادة مع أسيادهم البيض النُبلاء.
الصورة الرومانسية للعبودية
حينما نتحدث عن فيلم "ذهب مع الريح" فنحن نتحدث عن أيقونة سينمائية من الصعب المساس بها مهما اختلفنا مع بعض تفاصيلها الدرامية، والفيلم مأخوذ عن رواية "مارجريت ميتشل" التي حملت نفس العنوان، واتهمها البعض بتقديم صورة رومانسية للعبودية في الجنوب الأمريكي، وفي الحقيقة أن المبالغة في إبراز عُدوانية السود في الفيلم مسؤولية السيناريو الهوليوودي أكثر من الرواية التي كانت متوازنة في تصوير شخصيات السود، ولم تهتم هوليوود كثيراً بجملة مهمة قالتها "سكارليت" بطلة الرواية، وأشارت فيها إلى أن الحرب لم تكن بسبب السود، بل لأن الرجال يحبون الحروب، وقد تحولت الرواية الوحيدة للكاتبة "مارجريت ميتشل" إلى فيلم هوليوودي ضخم الإنتاج، أخرجه "فيكتور فلمنج"، وشارك في بطولته "كلارك جيبل"، و"فيفيان لي"، و"أوليفيا دي هافيلاند"، وفاز الفيلم بِـ 8 جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم وإخراج وسيناريو وممثلة "فيفيان لي" وممثلة مساعدة "هاتي ماك دانيال"، واختاره معهد الفيلم الأمريكي ليكون الرابع في قائمة أفضل الأفلام الأمريكية في القرن العشرين، وكان يوم عرضه الأول في ولاية جورجيا، في 15 ديسمبر 1939 بمثابة عيد، حتى أن حاكم الولاية أعلن يوم الإفتتاح إجازة للولاية، وقامت شركة "مترو جولدن ماير" بإنتاج جزء ثان للفيلم، مأخوذ عن رواية كتبتها مؤلفة أخرى، بإذن ورثة "مارجريت ميتشيل"، لكن الفيلم والروية لم يحققا شهرة وجدل العمل الأصلي.
قرار HBO Max بحذف الفيلم مؤقتاً من منصتها من أغرب القرارات التي اتخذتها المنصات الرقمية والقنوات التليفزيونية خلال السنوات الماضية، وتداعياته في المستقبل قد تكون كارثية، وقد يِنْصُب بعض المتعصبون محاكم تفتيش فنية لتصفية مكتبات الأفلام والمسلسلات الرقمية من الأعمال التي يختلفون فكرياً وثقافياً مع بعض حبكاتها ومشاهدها.