أنجلينا جولي

أنجلينا جولي والقاتل المأجور وكيف تكتب السوشيال ميديا تاريخاً مزيفاً عن الفن والثقافة!

إيهاب التركي
19 مارس 2023

قد تُصادفك على السوشيال ميديا مقولة عميقة منسوبة لكاتب شهير، أو حكاية مُلهمة وطريفة بطلها فنان عالمي، فتُسارع بإعادة نشرها إعجاباً، ثم تكتشف بعد وقت أن المقولة غير صحيحة، والحكاية كاذبة، وقد تقوم بتصحيح الأمر على صفحتك الخاصة، ولكن يصعب عليك تنبيه الألاف ممن نقلها عنك وروجها لغيره؛ فالكذبة تكبر وتتضخم على السوشيال ميديا بعشوائية يصعب معها نفيها، وقد يعلم القليل الحقيقة بعد حين، ولكن الغالبية لا تصلهم الحقيقة، ويستمرون في نشر نفس الأكاذيب مراراً وتكراراً.

قصيدة درويش التي لم يكتبها!

حينما يكون مضمون المكتوب قيما ومؤثرا فلا أحد يُدقق في صحته، وبعض الأخبار والمعلومات المُضللة والكاذبة المُنتشرة تربعت على عرش الحقيقة المؤكدة، وبعض أكاذيب مواقع التواصل الإجتماعي مسلية وطريفة، ومكتوبة بشكل مُنمق، ومليئة بتفاصيل وزخارف جذابة؛ ولهذا هى خادعة وسهل تصديقها، ويومياً يتم ترويج مقولات لم يكتبها "نجيب محفوظ"، وأبيات شعر لم يؤلفها الشاعر "محمود درويش"، ولأن قارىء البوست أو التويتة لا يحفظ كل جملة كتبها محفوظ أو درويش فإن الأمر يمر دون أن ينتبه أحد، فقط القارىء المُتعمق قد يلحظ إختلاف الأسلوب وضعفه.

قبل أسابيع قليلة أطلقت المطربة اللبنانية "كارول سماحة" أغنيتها الجديدة "ستنتهي الحرب" على اليوتيوب ومواقع موسيقية أخرى، والأغنية دعاية لألبومها الغنائي الجديد وعنوانه "الألبوم الذهبي"، ويضم 12 أغنية وطنية، كلها من قصائد الشاعر الراحل "محمود درويش"، وكان الأمر مفاجأة فنية لطيفة لمحبي صوت "كارول سماحة" وأشعار "محمود درويش"، ولكن مؤسسة "محمود درويش" أصدرت بياناً إستنكرت فيه نسب كلمات أغنية "ستنتهي الحرب" لدرويش، وذكر البيان أن الكلمات دون المستوى، ومحاكاة رديئة لأشعار الشاعر الكبير، وهى من إنتاج السوشيال ميديا.

وصول كلمات مُزيفة منسوبة لشاعر كبير إلى ألبوم غنائي لفنانة مرموقة ومعروفة بجديتها في إنتقاء كلمات أغنياتها خطأ فادح، ومؤكد هناك مُلابسات أدت لحدوث هذا الخطأ، والدرس المستفاد هنا هو: لا تُصدق كل منشور على السوشيال ميديا يضم إقتباسات أدبية منسوبة لكبار الكتاب، فمن الوارد أنها مُلفقة أو مُحرفة.

كارول سماحة
كارول سماحة

خيال التواصل الإجتماعي!

إنتشرت تصريحات منسوبة إلى "أنجلينا جولي" حول محاولتها الإنتحار في عمر 19 عاما، وإتصالها بقاتل مُحترف ليقوم بقتلها، وكانت تهدف إلى تخفيف ألم عائلتها، ليبدو الأمر حادثاً وليس إختيارها الشخصي، وطلب القاتل منها بلطف أن تؤجل قرارها شهر، وخلال هذه الفترة تغيرت حياة أنجلينا وتراجعت عن فكرتها.

 وقد لاحظت إنتشار القصة على السوشيال ميديا وحلقات يوتيوبر عرب وأجانب، وأذكر أنني قرأت نفس هذه التصريحات عام 2001 في موقع heraldscotland ونُسبت التصريحات للقاء أجرته "أنجلينا جولي" مع موقع IMDB، ومن الصعب العثور على هذا اللقاء مكتوباً أو بالصوت والصورة، ولم تنقله صحيفة أو جريدة مشهورة وقتها أو الآن، ولكنه هناك عشرات الروابط لمواقع إخبارية تهتم بالأخبار المثيرة نقلت الخبر دون مصدر موثوق.

هناك عشرات الإحتمالات حول حقيقة الخبر، منها أن تكون "أنجلينا جولي" تحدثت عن تفكيرها في الإنتحار في مرحلة مضربة من حياتها، وأن الحديث كان ضمن دائرتها الصغيرة، وتسرب الحديث ووصل إلى الإنترنت وقتها، وأراد كاتب الخبر إضافة تفاصيل جذابة، وكتب ما كتب حول تواصل النجمة الشابة بقاتل مُحترف.

أنجلينا جولي
أنجلينا جولي

أنجلينا جولي وبطيخة!

فكرة قيام شخص ما بتأجير قاتل محترف تُذكرني بشخصية "فؤاد المهندس" في الفيلم الكوميدي "اقتلني من فضلك"، وقد ظن بالخطأ أنه مُصاب بمرض مميت، وطلب من قاتل محترف يُدعى بطيخة قتله بشكل مفاجىء لأنه جبان وفشل في قتل نفسه، ويحاول القاتل إقناعه بالتراجع ثم يوافق في النهاية، وباقي الفيلم يُحاول المهندس الهروب من هذا القاتل بعد اكتشافه أن حكاية مرضه كانت مزحة من صديقة الطبيب أبو بكر عزت.

الفكرة اقتبسها فيلم مصري أخر هو "إحترس من الخط" بطولة "عادل إمام"، وكلاهما اقتبسا الفكرة من الفيلم الفرنسي Up to His Ears بطولة "جان بول بلموندو"، وتعود حبكة الرجل اليائس الذي يلجأ إلى شخص أخر ليقتله إلى رواية كتبها "جول فيرن" وعنوانها Tribulations of a Chinaman in China " مِحن رجل صيني في الصين"، وتم اقتباسها في العديد من الأفلام الأخرى.

واحدة من القصص الطريفة على السوشيال ميديا منسوبة إلى الفنان "شارلي شابلن"، وفيها يحكي عن موقف حدث له وهو طفل، وكان بصحبة شقيقه ووالده أمام شباك تذاكر السيرك، وأمامه رجل يشتري تذاكر له ولأطفاله، ويكتشف أنه لا يملك المال الكافي ويرتبك وينظر لأطفاله بحرج، وهنا يُسارع والد "شارلي شابلن" بإخراج عملة ورقية فئة عشرون دولار ويدعي أنها سقطت من الرجل على الأرض، ويقبل الرجل المال وعيونه دامعة.

هذه القصة الجميلة عن التعاطف وجبر الخواطر لم تحدث، أو لم تحدث لشارلي شابلن؛ فقد عاش شابلن طفولة بائسة، وكان والده ممثل ومغني فقير سكير هجر زوجته وأولاده بسبب إدمانه للخمر، وبسبب الفقر المُدقع قضى شارلي أغلب سنوات طفولته في ملجأ بلندن، وبالطبع التعامل في إنجلترا بالجنيه الإسترليني وليس الدولار، ومبلغ 20 دولار في نهاية القرن التاسع عشر باهظ للغاية.

شارلي شبلن
شارلي شابلن

ملابس كليوباترا والكومبارس ميرنا لوي

من أسوأ المعلومات الخاطئة التي روجتها السوشيال ميديا ووصلت إلى أرشيف مواقع سينمائية هامة هي ترويج معلومة مشاركة النجمة الأمريكية الراحلة "ميرنا لوي" ككومبارس في بعض الأفلام المصرية، وحسب زعم هذه المعلومات ظهرت "ميرنا لوي" كومبارس في أفلام مثل "إحترس من الخط"، و"إعدام ميت"، و"قاع المدينة"، و"عنتر شايل سيفه"، وما يزيد عن 20 فيلماً مصرياً أخر، وهو أمر لا يُصدقه عاقل؛ فميرنا لوي" نجمة مشهورة وحاصلة على الأوسكار الشرفي عام 1991، ولا توجد معلومة عن زيارتها وإقامتها في مصر، ولم تكن في حاجة مادية للعمل كومبارس، وعاشت سنوات إعتزالها في هدوء في منزلها في نيويورك، والكومبارس المقصودة في تلك الأفلام المصرية سيدة أجنبية مجهولة الإسم، ولا توجد معلومة عن وجود إسم "ميرنا لوي" على تتر أى فيلم مصري.

ميرنا لوي
ميرنا لوي

تصل خطورة التلفيق والمعلومات المضللة على صفحات السوشيال ميديا حد تكريس معلومات غير صحيحة، والترويج لها على أنها حقائق تاريخية يتم التباهي بها، والخطورة أن هذه المعلومات قد تتسرب إلى مواقع يعدها البعض مصدراً للمعلومات، ومثال صارخ على ذلك إدعاء خبير أثار على صفحته على الفيسبوك أن المخرج ومصمم الملابس والديكور الراحل "شادي عبد السلام" هو من صمم مركب الشمس وملابس "إليزابيث تايلور" في الفيلم الشهير ""Cleopatra "كليوباترا"، وهى معلومة لا أساس لها من الصحة؛ فجميع أسماء من شاركوا في تصميم ديكور وأزياء الفيلم مكتوبة على التترات، وهناك إشارة خاصة لمصممة أزياء كليوباترا بشكل خاص، وهى المصممة المعروفة "ايرين شرف"، وقد حصلت على أوسكار الأزياء، وحصل فريق ديكور الفيلم على الأوسكار أيضاً، ولا يضم الفريق إسم "شادي عبد السلام" الذي نفذ العديد من أعمال أخرى هامة في أفلام مصرية وأوربية.

إليزابيث تايلور  في الفيلم الشهير Cleopatra
إليزابيث تايلور  في الفيلم الشهير Cleopatra