الإرث الأشهر
على الرغم من كل التطوّر المتواصل والسريع في عالم التكنولوجيا، والذي أثّر في شرائح المجتمع كافة من حيث السلوكيات وأنماط العيش والاهتمامات، نتفاجأ بأنه حتى أبناء الأجيال الصاعدة يتوقفون لبرهة من أجل إلقاء نظرة على الماضي والتاريخ في سبيل صون تراثهم الثقافي والاعتزاز به والبناء عليه. يلفتنا مثلا اهتمام الشباب والشابات البريطانيين بالإرث الملكي المحلّي، حيث تحتلّ العائلة البريطانية المالكة حيّزا كبيرا من عناوين الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي.
غالبا ما يكون الماضي عبرة للحاضر ونهجا للمستقبل، وغني عن التعريف أن مفهوم الإرث يشمل مجموعة القيم المادّية وغير المادّية التي توارثتها الأجيال عن أسلافها وأجدادها، ومنها الآثار التاريخية والأعمال الفنّية والأدبية والتقاليد والأعراف الاجتماعية. ولعل أكثر شخصية تجسّد أهمية هذا المفهوم في عصرنا الحديث هي الملكة "إليزابيث" الثانية. فمنذ ولادتها في شهر أبريل من عام 1926 في لندن، كانت في المرتبة الثانية بعد والدها لوراثة عرش المملكة المتحدة وبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية وبلدان الكومنولث. وطوال سنوات الطفولة، كان عليها أن تلتزم بأصول البروتوكول الملكي وتقاليده، وخاصة أنها أصبحت في سن العاشرة الوريثة للتاج البريطاني بعد أن أصبح والدها الملك إثر تنازل أخيه عن العرش.
تجدر الإشارة هنا إلى بعض القواعد اللافتة في البروتوكول الملكي البريطاني، فلا يحق لأحد أن يدير ظهره مثلا للملكة، بل من واجبه أن يلقي عليها التحية، نظرا إلى أن الملكة لا تمد يدها لتلقي التحية على أي كان. ولا بد من ذكر أهمية طريقة حمل الملكة حقيبتها، والتي كان لها معانٍ مختلفة، وعليه نذكر مثال وضع الملكة حقيبة يدها على الطاولة، لتشير إلى انتهاء تناول وجبة الطعام، وهو ما يجبر الآخرين على التوقف عن الأكل.
وخلال سبعين عاما بعد تتويجها ملكة، لم تتخلَّ يوما عن أي بند من بنود البروتوكول الملكي، سوى مرة واحدة خلال مأتم الأميرة الراحلة "ديانا"، حيث أحنت الملكة رأسها لدى مرور النعش للمرة الأولى في التاريخ، فاضطر أفراد العائلة المالكة الآخرون إلى القيام بالمثل.