ما زلت رجلا بسيطا
يسعدني أن أطل مرة ثانية من خلال هذه المجلة الراقية التي أعتز أنني خصصتها سابقا بأول حوار لي مع مطبوعة عربية، كما يسعدني أن أتحدث اليوم وللمرة الأولى عن طفولتي ونشأتي، وبداياتي في عملي.
أنا آتٍ من عائلة بسيطة وخلفية بسيطة. والدي كان رائد أعمال ارتقى بمكانته في المجتمع بجهده وتعبه وذكائه، لكن عائلتي بقيت بسيطة، وما زلت رجلا بسيطا للغاية. وهنا أبرز محطات رحلة حياتي حتى اليوم.
أولا، إن جذوري مختلطة بين فرنسية وجزائرية. جدّي كان جزائريا. أتى إلى فرنسا في الحرب العالمية الثانية، والتقى في نهاية الحرب بجدّتي التي كانت قد خسرت زوجها نتيجة الحرب. كانت أما لأربعة صبيان، ومع جدّي أصبحت أما أيضا لأربع بنات. أتذكّر كيف كنّا في أيام الطفولة نزور جدّي حين كان لا يزال على قيد الحياة، ونمضي معه أوقاتا جميلة في عطلة نهاية الأسبوع، ونتناول طبق الكسكس التقليدي معا.
حين كنت مراهقا، انتقلت عائلتي إلى فنزويلا، حيث أمضيت مرحلة المراهقة كلّها. أحببت التجربة كثيرا، لأنها زرعت في داخلي توقا إلى اكتشاف العالم والتعرف إلى ثقافات جديدة. وحين بلغتُ سن الثامنة عشرة، عدت إلى فرنسا لأكمل دراستي، وبدأتُ بعدها العمل في شركة "لوريال" التي أرسلتني إلى الولايات المتحدة، حيث عشت لـ 6 سنوات، وتعرّفتُ إلى زوجتي التي كانت تعمل أيضا لدى "لوريال". كان كل منّا مديرا لعلامة معيّنة، وحين عُينت مسؤولا عن الشركة الفرعية، قالت لي زوجتي مازحة إنها لا تريد العمل تحت إدارتي.
بعد فترة وجيزة، اقترحت عليّ إدارة الشركة العالمية في عام 2002 الانتقال إلى آسيا، تحديدا إلى هونغ كونغ. رفضتُ في البداية وقلتُ إنني سعيد في ميامي، وقد صرت للتو أبا للمرة الأولى. لكن حين زرتُ باريس لتقديم ميزانيتي أمام رئيسي، قال لي إنها فرصة رائعة يجب أن أغتنمها. كنت مصرا على الرفض، فأجابني: "حسنا، تقديرا لأدائك الممتاز هذا العام، سندعوك لحضور المباراة النهائية من كأس العالم في طوكيو. سنطلب منك معروفا واحدا فقط، وهو أن تمر بهونغ كونغ وتلقي نظرة سريعة".
فذهبتُ إلى هونغ كونغ، وأتذكر أنني وصلت إليها في الليل، ونمت مباشرة دون أن أرى أي شيء. في اليوم التالي، فتحتُ نافذتي، ورأيتُ الميناء الشهير، ولمستُ طاقة المدينة وحداثتها المتجلية في كل مكان. فاتصلتُ بزوجتي، وقلت لها: وضّبي حقائبك! انتقلنا إلى هونغ كونغ وعشنا فيها ثلاث سنوات رائعة.