حياةٌ محفوظة لبعد حين: إليكِ ما تحتاجين معرفته عن تجميد البويضات مع د. داليا خليفة
أن تنقذ حياة إنسان من الخطر أو الموت، فهو أمرٌ عظيم ومقدس؛ فماذا لو أنكَ تحفظ حياةً قُدرَ لها أن تكون، إنما بعد حين؟
هذا أفضل ما استطعتُ التفكير به، كبداية للحديث عن موضوع تجميد البويضات.. حياةٌ محفوظة، نختار لها أن تبقى في بويضة مُجمَدة لحين استخدامها بالشكل الصحيح والمناسب وقت نستطيع أو نحتاج إليها.
مسألة تجميد البويضات كانت لسنوات طويلة ماضية، من المُحرَمات الإجتماعية Taboos التي لا يمكن أن نقوم بها مهما كانت الأسباب. لكن المانع الديني غير موجود، وهو ما أثلج قلوب الكثير من النساء اللاتي وجدنَ في تجميد البويضات، فرصةً سانحة لإمكانية أن يصبحنَ أمهات في الوقت المناسب لهنَ.
كيف؟ العديد من النساء قد يواجهنَ بعض المشاكل الصحية التي تمنعهنَ من الحمل والولادة، أو التي قد تؤثر على نسبة الخصوبة لديهن؛ مثل حال مريضات السرطان مثلًا، اللاتي يؤثر السرطان على نسبة الخصوبة لديهنَ كون السرطان النشط يقوم بمهاجمة الأعضاء التناسلية، ما يجعل الحمل صعبًا أو مستحيلًا. كذلك الأمر بالنسبة لعلاجات السرطان المختلفة، والتي قد تؤثر على الخصوبة عند المرأة.
ناهيكِ عن مشاكل متلازمة المبايض متعددة الكيسات، أمراض المناعة الذاتية وأمراض الغدد الصماء وغيرها من المشاكل الصحية والأمراض التي تتسبب في انخفاض الخصوبة، إلى انعدامها في بعض الأحيان، عند النساء؛ ما يُقلَص من فرص إنجابهنَ للأطفال في المستقبل.
على المقلب الآخر، هناك الكثير من النساء اللاتي يرغبنَ في إنهاء دراستهنَ أو التقدم الوظيفي الذي يتطلب منهنَ الالتزام التام بمواعيد العمل ومتطلباته. ما يعني عدم وجود أطفال في الوقت الحالي، وإنما في مرحلة لاحقة.
بعض النساء ممن لا يجدنَ الرجل المناسب للإرتباط به في عمر مبكر، أو يُفضَلنَ الزواج والإنجاب في عمر متأخر بعض الشيء؛ يلجأنَ لخيار تجميد البويضات الذي تحدثنا حوله مع الدكتورة داليا خليفة، متخصصة في الطب التناسلي والعقم وتعمل في مركزFirst IVFلأطفال الأنابيب في مدينة دبي الطبية.
وقد أجابت الدكتورة خليفة على أسئلتنا، التي أجزمُ أنها بالتأكيد أسئلةٌ تراود عقول الكثير من النساء.. إليكِ فحوى المقابلة.
بدايةً، أخبرينا ما هو تجميد البويضات وكيف تتم العملية؟
تنخفض فرص المرأة في الحمل بشكل طبيعي مع تقدمها في السن، وذلك بسبب انخفاض جودة وعدد البويضات لديها. ويمكن أن يكون تجميد البويضات محاولةًمنها للحفاظ على مستويات عالية من الخصوبة، عن طريق تجميد البويضات.ومن الممكن القيام بهذه العملية عندما تكون المرأة أصغربالسن، والبويضات لديهاضمن أعلى مستويات الجودة؛ حتى تتمكن من تكوين أسرة في المستقبل.
أما العملية، فهي تستغرق حوالي أسبوعين حتى تكتمل. وتتضمن أخذ حقن هرمونية يومية لتعزيز إنتاج البويضات ومساعدة البويضات على النضج لمدة 10-12 يومًا. عندما تصبح البويضات جاهزة، يتم جمعها من خلال إجراء غير مؤلم يحصل تحت التخدير العميق. وفي هذه المرحلة، بدلاً من تلقيح البويضات مع الحيوانات المنوية (كما هو الحال في التلقيح الاصطناعي التقليدي)؛ سيتم تجميدها عن طريق التزجيج (التجميد السريع) وتخزينها في خزانات من النيتروجين السائل.
وعند الاستعداد لمحاولة الحمل، يتم إذابة البويضات ودمجها مع الحيوانات المنوية. ليتم بعد ذلك نقل الأجنة التي تتطور إلى الرحم، لزرعها.
لماذا قد تختار النساء تجميد البويضات؟
قد تلجأ المرأة لهذا الخيار في حال كانت:
- تعاني من حالة طبية أو تحتاج إلى علاج لحالة طبية تؤثر على خصوبتها، مثل السرطان.
- تشعر بالقلق من انخفاض خصوبتها، ولكنها غير مستعدةٌ لإنجاب طفل أو لم تجد الشريك المناسب. وهذا ما يُسمى "تجميد البويضات الاختياري أو الاجتماعي".
- لا ترغب في الاحتفاظ بأي أجنة متبقية لم يتم استخدامها بعد علاج أطفال الأنابيب لأسباب أخلاقية أو دينية.
هل هذه العملية مُكلفة أم محفوفة بالمخاطر، ولماذا؟
يبلغ متوسط تكلفة جمع البويضات وتجميدها حوالي 20.000 درهم، بما في ذلك الأدوية. أما تكاليف التخزين فهي إضافية، وتميل إلى أن تكون في حدود 1500-2000 درهم سنويًا.
هذا بالنسبة للأسعار؛ أما فيما يخص المخاطر أو العواقب، فإن تجميد البويضات يُعدَ آمنًا جدًا في الغالب، على الرغم من أن بعض النساء قد يعانينَ من الآثار الجانبية بشكل رئيسي بسبب أدوية الخصوبة. وغالبًا ما تكون هذه الأعراض خفيفةً، بما في ذلك الغثيان والصداع والتشنجات والانتفاخ وتقلب المزاج.
جئنا للسؤال الأهم: لكم من الوقت يمكن للمرأة تجميد بويضاتها؟
جاءت أطول عملية ذوبان ناجحة بعد 14 عامًا، وقد وُلد العديد من الأطفال الأصحاء من بويضات مُجمدة لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات. بمجرد تجميد البويضات، سيتم تخزينها بأمان في منشأة آمنة للغاية، حيثتُحفظ جيدًا حتى تصبح جاهزة لاستخدامها لاحقًا.
ما هو أفضل عمر لتجميد البويضات؟
من منظور عمري، كلما قمتِ بتجميد بويضاتكِ في وقت مبكر؛ كلما كانت فرصتكِ في الحمل من خلال هذه العملية أفضل. تشير الدراسات إلى أن النساء اللاتي يقمنَ بتجميد بويضاتهنَ قبل سن 35 عامًا، لديهنَ فرصةٌ أفضل لحمل ناجح؛ مقارنةً بأولئك اللاتي يقمن بتجميد بويضاتهنَ بعد سن 35 عامًا. لذا فإن أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر هو أفضل وقت للقيام بذلك.
ما هي محظورات تجميد البويضات؟ أو بتعبير أدق، متى يفوت الأوان للقيام بذلك؟
لا يوجد حد عمري فعلي أو حد أقصى لتجميد البويضات، على الرغم من أن احتمالية تحوَل هذه البويضات إلى ولادة حية، تقل بعد سن 42 عامًا. وفقًا للأبحاث، فإن النساء اللاتي يقل عمرهنَ عن 36 عامًا عند تجميد بويضاتهنَ، لديهنَ فرصة بقاء هذه البويضات بعد إذابتها على قيد الحياة بنسبة 95٪. لتبدأ هذه النسبة في الانخفاض إلى 85٪ بحلول سن 36 عامًا.
إذا كان عمركِ 40 أو أكثر ولم تقومي بتجميد بويضاتكِ، فمن المؤكد أن الوقت لم يفت بعد لتصبحي أمًا. كل امرأة فريدةٌ من نوعها، وكذلك خصوبتها. لكننا بالإجمال، لا نشجع النساء على تجميد بويضاتهنَ بعد سن 44 عامًا.
ماذا يحدث عندما ترغب المرأة في استخدام بويضاتها المُجمَدة؟
بمجرد أن تصبح المرأة جاهزًة، تكون العملية هي نفس ما تراه في دورة التخصيب في المختبر (IVF): أولاً، تتم إذابة البويضات، ثم يتم دمجها مع الحيوانات المنوية للشريك باستخدام علاج خصوبة يسمى حقن الحيوانات المنوية داخل السيتوبلازم (الحقن المجهري). سيتم تخصيب نسبةً من البويضات وتبدأ في الانقسام، مما يؤدي إلى تكوين الكيسة الأريمية (الأجنة) بعد 5 أيام في المزرعة، وتكون جاهزةً للنقل مرة أخرى إلى رحم المرأة.
ما هي فوائد وسلبيات تجميد البويضات؟
إحدى الفوائد الرئيسية لتجميد البويضات، هي أنه يُجمَد بويضات المرأة في الوقت المناسب حتى تتمكن من استخدامها للحمل لاحقًا. ويمكن أن تسمح لكِ هذه العملية بتأسيس علاقة آمنة وصحيحة، والتركيز على أهدافكِ المهنية؛ وفي النهاية السيطرة على حياتكِ من خلال إعطائكِ خيار الحمل عندما يحين الوقت المناسب لكِ.
ويختلف معدل النجاح الإجمالي لتجميد البويضات بناءً على عدد من العوامل: إذ يمكن أن يؤثر عمركِ على النجاح الشامل وجودة البويضات. تمامًا كما هو الحال مع البويضات التي تنتجها المرأة كل شهر، لن تصبح كل بويضة مُجمدة جنينًا؛ فمن الناحية الإحصائية، سيكون بعضها غير طبيعي وراثيًا وغير قادر على الإخصاب. وليس كل جنين تم إنشاؤه يتم زرعه بنجاح في رحم المرأة. بالإضافة إلى ذلك، لن تنجو كل البويضات من عملية الذوبان، وبالمثل، لن يتم تخصيب جميع البويضات بنجاح بواسطة الحيوانات المنوية.
لذلك، من المهم على جميع النساء أن يفهمنَ فوائد هذه العملية وقيودها بالكامل قبل الإقدام عليها؛ وبالتالي يُعدَ التحدث مع الطبيب المختص أمرًا في غاية الأهمية لتبيان كافة جوانب عملية تجميد البويضات من البداية.