مودي

"مودي".. كيف قدم جوني ديب النحات الإيطالي "المجنون" 

محمد عبد الرحمن
17 ديسمبر 2024

عاش الرسام والنحات الإيطالي اميديو موديلياني حياة قصيرة وثرية في آن، حيث توفى متأثرا بمرض السل عام 1920 عن عمر ناهز 36 عاما، ولد في إيطاليا عام 1884، وانتقل للاقامة في باريس قبلة الفنانين التشكيليين في مطلع القرن العشرين عام 1909 ليشهد عام 1916 تحول كبير في شخصيته لكن النجم جوني ديب اكتفى من سنوات "موديلياني" في باريس بثلاثة أيام فقط لتكون موضوع تجربته الإخراجية الثانية في مشواره الفني الطويل، حيث اختتم مهرجان البحر الأحمر السينمائي دورته الرابعة بفيلم "مودي ..ثلاثة أيام على جناح الجنون"  بحضور ديب والممثل الإيطالي ريكاردو سكامارشيو على السجادة الحمراء أولا وفي قاعة العروض الرئيسية بجدة التاريخية ثانيا. 

الفيلم ليس الأول عن "موديلياني" حيث شغلت حياته الكثير من المهتمين بتاريخ الفن عموما، والفن التشكيلي خصوصا، قدمت عنه العديد من الأعمال الوثائقية والروائية بالإضافة لنص مسرحي منه تم استلهام سيناريو الفيلم، ولعل ما يميز تجربة جوني ديب أنه قرر التركيز على لحظة تحول في رؤية "مودي" الفنية، قاصرا سرده السينمائي على ثلاثة أيام فقط لكن دون أن يخل ذلك بأن يلم المتفرج بالخلفيات النفسية والإجتماعية والبيئة السياسية والاقتصادية للشخصيات الرئيسية، كل هذا وسط إيقاع سينمائي لاهث يجعل الفيلم جذابا حتى لمن لا يعرفون القصة الحقيقية، أو غير المهتمين بالفن التشكيلي، لأننا باختصار نتابع حيوات بشر عاشوا في باريس في ظل الحرب العالمية الأولى ونرى كيف كان كل شئ منهارا في أوروبا المختلفة تماما عن ما هي عليه الآن، فيما يقاوم "مودي" كل البؤس حوله بمزيد من الجنون والجنوح للفوضى.

f
فيلم مودي

التجربة الثانية للمخرج جوني ديب 

تم انتاج الفيلم بدعم من مؤسسة البحر الأحمر ليحصل المهرجان على حق العرض الأول في الشرق الأوسط للفيلم، فيما كان العرض العالمي الأولى في سبتمبر الماضي عبر الدورة 72 من مهرجان سان سيباستيان السينمائي بأسبانيا، انتظارا لتحديد موعد إطلاق الشريط في الصالات قريبا .

ديب الذي جرب الإخراج قبل 27 عاما في فيلم the brave ، نجح في صياغة استهلال يكتم الأنفاس لجديده عن موديلياني حيث يبدأه من مطعم يرسم فيه "مودي" سيدة فيما يغازلها سرا رغم حضور زوجها، لتطلب سيدة أخرى أن يرسمها لكن زوجها الجنرال يعامله بعجرفة فيقوم الفنان الإيطالي بتلقينه درسا أمام الجميع لكنه ينتج عن ذلك تورطه في تحطيم نافذة المطعم لتبدأ مطاردة لاهثة بينه وبين الشرطة نعرف بعدها الكثير عن حياته، عن حبيبته الناقدة بياتريس هاسينغر، وصديقيه المبدعين الفقيرين حاييم سوتين، وموريس أوتريلو، وعبر شوارع باريس في تلك الفترة، حيث برع الفريق التقني في صناعتها، يستعرض جوني ديب حياة الفنانين تحت الحرب، البطل الرئيسي الذي يعاني من مرض السل، ويعاني من الفقر، ويعاني من عدم وجود تقدير حقيقي لفنه ويسعى جاهدا عبر وكيل فني لمقابلة جامع لوحات فنية لعله يجد الخلاص من الفقر والعوز.

f
مودي

مقابلة آل باتشينو.. نقطة تحول

ينفذ "مودي" نصائح أصدقائه، فيحبس وكيله في المنزل ويذهب بمفرده ليقابل الرجل الذي يتخيله وقد فتح أمامه أبواب الثراء، يجسده آل باتشينو الذي أطل عبر مشهد واحد مدته حوالي 10 دقائق وكان جالسا طوال الوقت، يلخص باتشينو فلسفة الفيلم من خلال حواره مع "مودي"، حيث يرفض لوحاته ويعرض عليه شراء تمثال اعتبره "مودي" غير مكتمل وليس للبيع، يقول "باتشينو" لمودي، أن الرسم على القماش لا يجعل صاحبه رساما ولا حتى فنانا، وإنما هناك إحساس آخر يجب أن يصل إليه المبدع ليحقق هذا اللقب، يشعر "مودي" بالإهانة بعد المقابلة، يمزق كل أعماله السابقة، ثم يعود ليبدأ من جديد ويتفرغ أكثر للنحت لا الرسم، ينتهي الفيلم عند هذا الحد، فيما تنتهي حياة الرسام نفسه عام 1920، وفي عام 2010 يصبح تمثاله "الرأس" ثالث أغلى تمثال في العالم.

f
صناع الفيلم

تميز الشريط كذلك بحسن اختيار جوني ديب لكل الممثلين، بالتأكيد آل باتشينو خارج إطار التقييم، لكن حسب تصريحات ديب نفسه فإن باتشينو بعدما قرأ النص هو من اقترح على جوني ديب الجلوس على مقعد المخرج لأن الروح التي تحتاجها التجربة يحملها الممثل الأمريكي بالفعل، فيما كان سكامارشيو مقنعا للغاية في شخصية الرسام المنفلت الفوضوي المبدع في آن، فيما أجادت أنطونيا ديسبلا في شخصية الناقدة "بياتريس" حيث كل مشاهدها مع "مودي" لدرجة قد توحي للبعض بأنه فقط من يراها، والحوار بينهما كان طوال الوقت أشبه بمناظرة حول مفهوم الفن وعلاقة الإنسان بمن حوله، خصوصا عندما تكلما عن الفرق بين الفنان والناقد، وبحانب آل باتشينو وانطونيا ديسبلا، كون سكامارشيو مثلثا متناغما للغاية مع الممثل الفرنسي  برونو غويري في شخصية "أوتريلو" و والأيرلندي ريان مكبارلاند في شخصية "سوتين".

f

"مودي ..ثلاثة أيام على حافة الجنون" وإن كان فيلما عن جزء من سيرة فنان إيطالي عرفه الناس بعد وفاته، لكن لا يمكن تغافل من أنه يحمل وجهة نظر جوني ديب في الفن وتعريفه للفنان الحقيقي الذي تبق أعماله بعد رحيله سواء كان هذا الرحيل مبكرا أو عكس ذلك. 

 

f
فيلم مودي