المنزل حيث يسكن القلب

في رحلة العمر الطويلة، ننتقل من حال إلى حال ومن بلد إلى آخر، وقد يكون الإنتقال كذلك في العمل أو المنزل. حالياً وأنا أقوم بالإنتقال إلى منزل جديد، خطر في بالي السؤال التالي: ما هو المنزل؟ ولماذا يغمرنا الحنين لبيوت ومنازل قديمة عشنا فيها لسنوات أو مراحل معينة؟
 
من المؤكد أن المنزل الأول هو الأهم بالنسبة لنا، منزل العائلة حيث كبرنا ونحن ننظر إلى أهلنا وأخوتنا يشاركوننا البيت، يعلموننا الخطوات الأولى في الحياة ويختبرون معنا حلوها ومرها. هناك تعلقٌ غير مفهوم بهذا المنزل الأول، ربما لأن كل ما نختبره منذ الصغر وتختزنه عقولنا جرى ويجري في هذه البيوت. 
 
وعند الحاجة للإنتقال إلى بيت جديد، يعتصرنا الألم ونخاف الإنتقال، كأن أحدهم ينزعنا من الحبل السري الذي ارتبطنا به لسنوات كبيرة. هو نفس الحزن عندما يبتعد الطفل عن أمه التي تعلق قلبه وعقله بها.
 
إذن، فالحزن ناجمٌ عن عاطفتنا تجاه بيوتنا الأولى وحبنا لذكرياتنا فيها، وهو خوفٌ كذلك من مجهول لا نعرفه خلف هذا البيت. فهل هناك أمانٌ وسلامٌ في البيت الجديد؟ وهل سيغمرنا بحبه وعطفه كما فعل بيت العائلة؟
 
المنزل حيث يسكن القلب، هكذا أدركتُ على مدى السنوات الإنثي عشر التي أمضيتها في دولة الإمارات، ليس فقط بعيداً من منزل العائلة بل بعيداً عنهم أيضاً. فأنا حملتُ معي حب الأهل وعاطفة الأخوة الكبار وشقاوة الصغار وذكريات المدرسة والطفولة والأصدقاء إلى المنزل الجديد هنا، أسكنتهم معي في نفس المنزل وعلى نفس السرير والمخدة.
 
المنزل حيث يسكن القلب، لا خوف إذن من الغربة التي تعصف بنا بين الحين والآخر، ننبش ذكرياتنا وصورنا ولحظاتنا الجميلة لتواسينا وتمنع عنا أذى الغربة. نصنع في البيوت الجديدة كل يوم ذكريات جديدة، تأخذنا إلى مراحل وأبعاد لم ندركها مسبقاً. ويبقى حب الأهل والعائلة صوناً لنا وعزماً لإكمال السير.
 
فلا تخافوا من الإنتقال إن اضطررتم لذلك، وضبوا ذكرياتكم في الحقائب مع الثياب وارتحلوا حيث يحملكم القلب. هناك في المنزل الجديد، تُصاغ علاقة حب جديدة وحياة جديدة وتجربة جديدة، فلا تخافوا من البيوت الجديدة بل ادخلوها بكل الحب.