هل يمكن العيش بدون خوف؟

إعداد: جمانة الصباغ
 
وأنا بصدد البدء بكتابة هذا الموضوع، إنتابني خوفٌ غريبٌ لا أدري لماذا.
 
أهو الخوف من الموضوع نفسه، أم من كمية الخوف الموجودة داخلي والتي أخشى أن أظهرها أو أواجهها؟
 
الخوف مثل الموت، يفاجئنا دوماً فيقلب حياتنا رأساً على عقب. الخوف من فقدان العمل أو فقدان الأصدقاء، الخوف من المرض والخوف من الخسارة في جميع أمورنا. يسيطر الخوف علينا في بقظتنا وفي نومنا، فنجده يتسلل إلى أسرتنا وأحلامنا ليسرق حلاوة النوم من أعيننا. يسجننا في قمقمه الضيق ويضيَق الخناق علينا كلما ضعفنا أمامه.
 
لا يعرف الخوف كبيراً أم صغيراً، نخشى جميعنا منه، وهو لا يفرَق بين طفل وشيخ مسنَ. إنه الهاجس الذي يسيطر علينا كلما واجهتنا مشكلة أو اعترض طريقنا أمرٌ طارئٌ لم يكن في الحسبان.
 
على الرغم من قوة بأس الإنسان وقدراته الكبيرة التي لا يحدها شيء، يبقى حاجز الخوف هو العنصر الوحيد الذي لا يستطيع الإنسان تجاوزه أو التغلب عليه مهما حاول. وقلةٌ هم من استطاعوا كسر هذا الحاجز والعيش بدون خوف، لكن معظم الناس بقيت أسيرة له بل وتغلب على بعضهم في أكثر الأحيان.
 
وكم من شخص دمر الخوف حياته، وكم من شخص شلَ الخوف أوصاله فبقي عاجزاً عن تجاوز هذا العجز أومحاولة تجاوزه، فحتى المحاولة نفسها تعني مزيداً من الألم والخوف لهم.
 
لكن الله سبحانه وتعالى كان أرحم علينا من أنفسنا، عندما أعطانا من رحمته بالتوكل عليه، لدرء الخوف في داخلنا والسعي قدماً نحو تحقيق ما نصبو إليه من دون خشية الفشل أو الألم أو العذاب.
 
والخوف عاطفةٌ إنسانية مثلها كمثل كافة العواطف الأخرى التي تعتمل فينا، لا بد من أن نعيشها ونختبرها لنصقل ذواتنا ونحسَن من أدواتنا ونصبح أكثر قدرةً على مواجهة ما يمر بنا يومياً. هو واحدةٌ من التجارب العديدة التي نمر بها في حياتنا، نختبر معها قوتنا أو عجزنا، وعينا وفهمنا لما ألمَ بنا وكيف نستفيد منه بدون أن يترك ندوباً كبيرة في أرواحنا وأجسادنا. 
 
الخوف محنةٌ تصقل أرواحنا كما تغلفها، وتعلمنا كيف نختار السبل الأفضل لتجاوزها والتغلب عليها. هي كالدواء لا بد من أخذه عند اشتداد المرض ولو كان طعمه علقماً، لأن فيه ومنه يأتي الشفاء.
 
وقد يكون للخوف فوائده التي لا نعرفها، فهو يعمل كصمام الأمان أحياناً بحمايتنا من خطر كبير يحدق بنا، وعندما يتملكنا الخوف يكون بمثابة التحذير لنا لأخذ الحيطة من هذا الخطر والتنبه له. أما إن ازداد الخوف عن مقياسه الطبيعي وبات متحكماً بالمرء فإنه ينقلب داءاً وخطراً كبيراً لا صمام أمان.
 
وعليه لا بد من أن نكون دوماً واعين ومدركين أن للخوف حدوده، وأن الخوف من شيء في المرة الأولى لن يكون بنفس القوة والتأثير إن واجهناه في المرة الثانية، وأن مواجهة الخوف بصلابة وحكمة وصبر وقدرة على إدارته كفيلٌ بتجاوزنا له والخروج منه بأقل الخسائر.