شكراً على الثقة!
هي: جمانة الصباغ
بعض الأمور إن انكسرت أول مرة، لا يمكن إصلاحها مهما حصل... كالكلمات النابية، لا يمكن استرجاعها أبداً، كأناء الزجاج إن حاولنا إصلاحه سيبدو بشعاً ومشوهاً. وكذلك الثقة... ولو أن بعض الناس يخالفون هذا الرأي ويؤمنون بإعطاء فرصة ثانية وثالثة.
فهل فعلاً يستحق من خان الثقة أن يحظى بفرصة أخرى؟ أم يجب أن نتوقف عن الثقة به بمجرد أن يخونها في المرة الأولى؟
إن الحياة بأبهى صورها وأجملها لا بد أن تخبئ لنا من الحين للآخر مفاجآت غير سارة، ليس لسبب إلا لأنها بوجهين دوماً وبتضاد تام. فاليوم الذي نستشعر فيه بالراحة والأمان، يطالعنا فجأةٌ حظٌ سيء أو تجربةٌ مريرة تنتزع منا الفرح. وكذلك موضوع الثقة، نحن على الدوام في صراع معه يومياً، بين انعدام ثقتنا بأنفسنا إلى انعدام الثقة بالغير.
نحتاج للثقة ونخاف منها، لأنها أكبر الصدمات التي نتلقاها من الغير، ومن أصعب المواقف التي نواجهها مع أنفسنا في حال فقدناها.
خيانة الثقة هي أكبر المحظورات التي لا تؤلم المرء منا فقط، بل تزعزع كيانه ووجدانه بالكامل. فلا أصعب من ثقة عمياء نضعها في متناول البعض ليشهرها سيفاً في وجوهنا ويدمي بها قلوبنا بخيانته لهذه الثقة. هي الدرس الأصعب الذي لا بد أن نواجهه يوماً ما، لا لأننا نفرط في الثقة وحسب، بل لأن بعض الناس لا يستطيع إلا أن يخون ويخدع مهما كان نوع الثقة وحجمها.
بلا شك أن انعدام الثقة بالآخرين هو شيء صعبٌ ولا يُحتمل، لكن لا يعني ذلك فقدان الثقة بالكامل. فكما أن هناك أشخاصاً خائنين للثقة، ثمة آخرون أهلٌ لها وجديرون بها. كل ما علينا فعله هو إعطاء الثقة لمن يستحقها، مع مراعاة ألا تكون ثقةً مطلقة لأن الإنسان تحكمه الظروف والتغيرت النفسية والحياتية الدائمة وبالتالي لن يكون غداً كما هو اليوم. الثقة المطلقة هي فقط برب العباد وخالق الرحمة في كل حين.
أما انعدام الثقة بالنفس، فهو أيضاً مؤلمٌ وشاق على النفس، لكن لا نلوم فيه إلا أنفسنا. ويأتي انعدام الثقة إما من عدم القدرة على تحقيق أمورٌ معينة في الحياة نبتغيها بشكل كبير وعندما لا تتحقق نلقي باللائمة على أنفسنا. أو بسبب الظروف القاهرة التي نمر بها خلال رحلة تحقيق الذات، فتنعدم ثقتنا بمن حولنا وبحياتنا ويتضاءل الأمل لدينا من إمكانية إنجاز أي شيء بسبب الحظ السيء والظروف غير المناسبة وغيرها.
وهنا لا بد أن نسأل أنفسنا قبل اتخاذ القرار بالإستسلام: هل الظروف فقط هي التي تعاكسنا، أم أن اختياراتنا قد تكون غير ملائمة لنا؟ ولماذا نلقي باللوم على الحياة إن عاكستنا، في حين نحبها إن أعطتنا ما نريد؟ يجب على المرء دوماً أن يفكر أن لا شيء نهائي في الحياة، وأن التجارب السيئة والمريرة والفاشلة هي دروسٌ نتعلم منها كيفية النهوض من جديد واتقان الأمور في المرة الثانية.
لن تتوقف الحياة عن منحنا الفرص، وفي كل مرة نتعثر لا بد أن نقف من جديد ونتابع المسير. لا بد أن نمنح ثقتنا لمن يستحق لأن العيش بمفرنا والشك بالآخرين لن يعطينا أي منفعة. وكذلك لا بد أن نشكر الله والحياة على الثقة التي يمنحاننا كل يوم، بشرط أن نوظَف قدراتنا لا أمنياتنا في تجسيد هذه الثقة بالشكل المناسب.