من الشوك والثوم الى الورد ... هكذا تطوّرت باقة العروس عبر العصور
من عاصمة الحب والفن والرومانسية، روما، انطلقت أصول باقة الورود للزفاف، حيث كان ينسج العروسان المساحات الخضراء لزينة اليد التي تزهر في أكاليل وتيجان معطرّة بالورود أو أزهار البرتقال، كأعشاب رمزية لتكريم "الآلهة" آنذاك وتعزيز فرص الخصوبة والحظ السعيد.
الرومان ليسوا وحدهم من اعتمد هذه العادة، فقد تبعهم الإغريق والمصريون. قام هؤلاء أيضاً بإطلاق تقليد رمي العروس للباقة. نعم، هذه العادة موجودة أيضاً منذ مئات السنين وتطوّرت بمرور الوقت. طبقاً لهذا التقليد، كانت العروس ترمي باقة الأزهار على مجموعة من النساء العازبات، وكل من تتلقط بالباقة تُعتبر العروس المحتملة التالية.
بحسب تلك الحضارات (اليونانية والرومانية والمصرية)، بوكيه العروس لم تكن تُستخدم للزينة فقط، بل كانت رمزاً للحياة الميمونة والرزق، نعم؛ هكذا كانت في حقبات ىالزمن الجميل.
الكثير من الأسئلة قد تخطر على بالنا: ما الذي حملته العروس في الممر في الأيام الماضية؟ كيف تطوّرت باقاتنا الحديثة؟ إجابات تحتاج دراسة للتاريخ الثقافي أبرزه الطقوس والتقاليد.
وكما هو الحال مع معظم التقاليد، بدأت أصول باقة الزفاف والغرض منها بشكل مختلف تمامًا عما هي عليه اليوم؛ فبعد أن كانت تقليداً شعبياً يعود إلى مئات السنين، أصبحت باقة الزفاف عنصراً أساسياً في حفل الزفاف.
في السطور التالية، سنلقي الضوء على تطوّر باقة زهور العروس عبر العصور.
تقاليد عروس قديمة لاعتماد باقات الزفاف
أصبحت العروس في زمننا الحالي تخصّص وقتاً خاصاً مع منظمي حفلات الزفاف لاختيار باقة الزهور، فتقوم بكثير من الأبحاث لتنسيق باقة الورود مع فستانها وأكسسواراتها وزينة العرس والديكور، كي تحظى بحفل زفاف متناسق.
وهكذا، أصبحت باقات الزهور عنصراً من عناصر زينة العرس الأساسية، بعد أن كانت وسيلة لتعطير العروس بروائح ذكية في العصور القديمة؛ حيث كانت العروس تعتمدها بشكل دائم كي تخفي روائح كريهة ناجمة عن الطبخ أو بسبب عملها في الحراثة والزراعة. يُذكر أنّ هذا التقليد قد تم اتباعه خلال فترة القرون الوسطى والفترة الإليزابيثية بشكل خاص، وكان ذا قيمة معنوية مثوارثة عبر الأجيال.
على سبيل المثال، خلال هذه العصور، كانت عادة الاستحمام وغسيل الملابس بشكل منتظم حكراً على الطبقة المخملية فقط، بحيث كان صعباً على عامة الشعب تطبيق ذلك، بل كان يُعتبر من شبه المستحيل والنادر تطبيق هذا التقليد بين طبقة الفلاحين والمزراعين واليد العاملة، الذين كانوا يمتلكون مجموعة واحدة من الملابس يرتدونها بشكل مستمر. من هنا، تم اعتماد الزهور والأعشاب المعطّرة حينها لتطييب رائحة العروس التي كانت تستخدم الثوم أو الورود وإكليل الجبل الطازج، لتغطية رائحة المطبح والحديقة التي كانت تعمل في زراعتها وحراثتها.
كما كانت العروس تترك شعرها مفروداً وتزيّنه بأزهار متناثرة أو ملفوفة بإكليل معطّر، وتعلّق كيسًا من الأعشاب عليه وعلى ثوب الزفاف؛ كما كانت تقدم لضيوفها باقات زهور صغيرة معطّرة كهدايا يصطحبونها معهن عند مغادرة حفل الزفاف.
باقات الزفاف في العصور القديمة
في العصور القديمة، كان الإنجاب هو الهدف والجوهر للزواج. يومها، كانت الحياة أصعب بكثير من اليوم، فكانت إحدى النقاط المضيئة القليلة هي الاحتفال بزوجين يتعهدان برابط أبدي ويستعدان لتربية أسرة.
بالمقابل، كان الإيمان بالعديد من "الآلهة" والإعتقاد بالخرافات قوياً وعظيم الأثر. حينها كان الناس يؤمنون بآلهة متعددة، كآلهة الشمس والحب والمطر وغيرها. وكان عليهم إرضاء تلك "الآلهة" بالهدايا حتى تمنحهم الأمنيات وتحقق لهم الأحلام. كانت تلك الهدايا عبارة عن حفنة من القمح أو أكاليل مصنوعة من الأعشاب العطرية.
في الأزمنة القديمة، كان يُنظر إلى الإخلاص والخصوبة كأهم الفضائل في الزيجات، وكان يتم ترميز تلك الفضائل خلال الإحتفال بالزفاف، وكانت باقة العروس أو إكليل الشعر، إحدى تلك الرموز. حزم القمح، على سبيل المثال، كانت ترمز إلى الوفرة والمحاصيل الجيدة، أي الخصوبة. وشملت الأنواع الأخرى من النباتات التي حملتها العرائس خلال العصور الوسطى أعشابًا مثل الشبت (يُعتبر مثيرًا للشهوة الجنسية)، والشوك وإكليل الجبل (للحماية)، واللبلاب (يرمز إلى رابطة قوية)، وحتى الثوم.
باقة الورود في العصور الوسطى
نعتقد من الآن فصاعداً ستتجنبين رمي باقة الورد، حفاظاً على مشاعر الضيوف. لماذا؟
بعد العصور القديمة، انطلق في العصور الوسطى تقليد جديد، هو رمي الباقة بهدف القضاء على العيون الحاسدة. حينها، وحيث كان نزع جزء من فستان العروس يجلب الحظ السعيد، بدأت العرائس في إلقاء باقاتهن على الأرض كوسيلة للقضاء على الضرر الناجم من الضيوف الحاضرين.
خلال العهد الفكتوري
اكتسبت باقة الزهور زخمًا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. أصبحت المعاني القديمة، وكذلك المعاني الجديدة المنسوبة إلى أنواع الأزهار وألوانها، وسيلة شائعة لنقل المشاعر إلى شخص آخر دون التحدث إليه. بالنسبة للعروس، كان مزيج من الورد الأبيض يعني "أنا أستحقك"، والفاوانيا ترمز إلى "الحياة السعيدة"، والزنبق الأحمر يعني "إعلان الحب".
بعد القرن السابع عشر، بدأت الأزهار تحلّ محل النباتات الصالحة للطعام في باقة الزفاف، حيث بدأت كإبداعات صغيرة مربوطة يدويًا ثم أصبحت أكبر وأكثر تفصيلاً في نهاية القرن التاسع عشر.
باقة الورد من الملكة فكتوريا إلى كايت ميدلتون
عندما تزوجت الملكة فيكتوريا من الأمير ألبرت في عام 1840، أضافت غصنًا من الآس إلى باقة زهورها، وأزهار البرتقال إلى شعرها وفستانها. ومنذ ذلك الحين، استخدمت سيدات العائلة المالكة البريطانية، منهن الدوقة كايت ميدلتون، غصنًا من نبات الآس من نبات الملكة فيكتوريا الأصلي في باقات الزفاف. في بداية أوائل القرن العشرين، بدأت العرائس الملكيات بوضع باقاتهن على قبر المحارب المجهول في كنيسة وستمنستر، تكريماً للشهداء.
باقة القرن العشرين
تأثر النصف الأول من القرن العشرين بشكل كبير بالحربين العالميتين، الأولى والثانية، ما تسبب بفقر مدقع بين الشعوب في العالم أجمع. نتيجة لذلك، تقيّدت النساء في خيارات فساتين الزفاف والزهور. غالبًا ما كانت عرائس الحرب في حقبة الأربعينات يرتدين بذلة ويجمعن الزهور من الحديقة من أجل الزواج بسرعة، عندما يكون خطيبهن في المنزل يقضي إجازة لبضعة أيام.
بالمقابل، شهد النصف الأخير من القرن العشرين عودة المزيد من الباقات الفخمة، كما اتضح من تصميم باقة الأميرة ديانا المليئة بالزهور البيضاء واللبلاب والآس.
كما ظهرت في القرن الماضي باقات الزهور التقليدية المبنية على التصاميم الفيكتورية، بالإضافة إلى التصميمات الأصلية للغاية، التي تحدّت التقاليد وعكست شخصيات العروس والعريس.
القرن الواحد والعشرين
باقات الزفاف اليوم متنوعة وغنية بالمعاني والقيم المستوحاة من العديد من العصور والأنماط، بينما تعكس اتجاهات جديدة وخاصة.
أصبحت العروس حرّة في ما يتعلّق بباقة الزهور التي تعتمدها، ولديها الآلاف الأنماط من الزهور للاختيار من بينها. كانت الورود هي الاختيار الأفضل للعرائس لعدة قرون ولا تزال موجودة في غالبية الباقات الحديثة. الفاونيا، بتلاتها الرقيقة المتعرجة، هي أيضًا النجمة في أزهار الزفاف المعاصرة، مثل رانكولوس، وزنابق كالا، ودالياس.
ختاماً، ينصح خبراء تنظيم الزفاف أن تكون باقة الزفاف المثالية هي التي تعبّر عن أسلوبك الخاص وتروي قصة حبك مع العريس. مع ذلك، لا بأس في دمج رمزية الباقة وتاريخها كإيماءة رومانسية تحفظ تقاليد حفلات الزفاف.