من تقديم الحبل إلى خاتم الألماس... هكذا تطوّرت عادات عروض الزواج عبر الزمن
تطوّرت معاني عروض الزواج على مدار التاريخ، ما أدى إلى تغيّر معايير عدّة، مثل كيفية اتمام العملية والأسباب، والاجتماعات، والمناسبات والتوقيت. وعلى الرغم من تطورّ هذه العادات، فإنّ النتيجة النهائية هي نفسها دائمًا، رابط أبديّ في السرّاء والضرّاء.
بعد أن كنّا نشاهدها في أفلام هوليوود منذ سنوات بعيدة، انتقلت عادة "عرض الزواج" إلى مجتمعاتنا العربية بشكل لافت، إلى حدّ أصبح هذا التقليد عنصراً أساسياً من عناصر التحضيرات للزواج وللزفاف حتى. هذا الأمر قد يعتبره كثر " تقليداً دخيلاً" على مجتمعاتنا، لا سيّما أنّ معظم الزيجات تكون مبرمجة بوقت سابق، وبالتحديد عندما يتعرّف الشاب إلى الفتاة؛ إذ قد تمتنع الكثير من الفتيات العربيات الانغماس في علاقة غير مفهومة الأبعاد ولا واضحة المعالم في ما يتعلّق بالمستقبل. وهذا ما لا يجعل عرض الزواج مفاجأة كبيرة في مجتمعاتنا، بل يتمثل عنصر المفاجأة في تحديد توقيت ومناسبة طلب الزواج، وليس السؤال نفسه.
بالمقابل، وفي الجهة الأخرى من العالم، قد يكون عرض الزواج غير متوقع تمامًا،ما يعزّز من وقع المفاجأة. فعادة ما تنقلب الأدوار، ويأتي طلب الزواج معروضاً من الفتاة، كما الحال في البلدان الأوروبية والأميركية، حيث تتقدّم العديد من النساء لرجالهن_رغم أنّ هذا التقليد لم يشتعل بعد؛ هذه العادة لا تنفي أنّ هناك عدداً لا بأس به من النساء اللواتي ما زلن يقدّرن أفكار التودّد "القديمة الطراز"، مثل مطاردة رجل لها، وطلب الزواج منها.
اليوم، يختلف معنى طرح الزواج مع اختلاف الأساليب عن عروض الزواج التي تملأ تاريخ البشرية. من مصر القديمة إلى العصور الوسطى وعصر النهضة، كان الزواج يُعتبر صفقة أكثر من كونه إعلانًا عن الحب والالتزام. حالياً، عندما يتقدّم الرجل لخطبة امرأة، فذلك لأنه يريد الزواج منها، ويقضي بقيّة حياته معها، ويحبها ويعتز بها، ويكون بجانبها في أوقات المرض والصحة.
بالمقابل، كانت معظم الزيجات، إن لم تكن جميعها، مرتبة، وغالباً ما كانت تعكس صفقة مالية وقانونية دون أي التزام يمعايير الزواج والتفاني والحب.
في هذا التحقيق سنسلّط الضوء على كيفية تطوّر عروضات الزواج ومقارنتها بين الأمس واليوم.
تاريخ عروض الزواج
قد نتفاجأ إذا عرفنا أنّ عروضات الزواج بدأت منذ العصور القديمة، حين كان البشر يسكنون الكهوف، حيث كان الرجال يتقدّمون إلى النساء منذ ذلك الوقت. على الأقل، كان نوعًا من الاقتراح، سواءً كان الرجل يتوقع رداً بالموافقة أو الرفض.
تقول الأسطورة إنّ رجال الكهوف كانوا يعرضون الزواج من خلال ربط الحبال المصنوعة من العشب حول أقدام ويدي المرأة، وكانت حينها ترمز إلى هيمنة رجل الكهف على روح المرأة الكهفية.
من ناحية أخرى، وبحسب الأساطير أيضاً كان الرجال يعمدون إلى رمي التفاحة على النساء عند عرض الزواج. وتعود هذه العادة إلى تقدير "إله" الفوضى، إيريس في الأساطير اليونانية. تقول الأسطورة كذلك إنّه عندما تزوج بيليوس وتيتيس، ألقى إيريس تفاحة ذهبية على ضيوف حفل زفافهما، مع ملاحظة مكتوبة على التفاحة، تقول إنها مخصّصة لأجمل شخص في الغرفة.
العصور القديمة
في العصور القديمة - بما في ذلك في مصر القديمة وعبر العصور الوسطى وعصر النهضة، كان يُنظر إلى النساء إلى حد كبير على أنهن "مُمتلكات" ولم يكن لهن رأي كبير في من يتزوجن أو حتى عندما يتزوجن. غالباً ما كان يتم بيع الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا من خلال الزواج، لأسباب مالية في الغالب. في بعض الأحيان كان يتم تزويجهن من رجال في نفس سنهن، ولكن في كثير من الأحيان كان يتم تزويجهن من رجال أكبر سناً، كطريقة لتشكيل تحالفات جديدة أو ترسيخ تحالفات قديمة.
القرن الثامن عشر: انطلاق مفهوم الزواج
لم يبدأ الزواج الفعلي_لأسباب تخطت المكاسب المالية أو الاقتصادية، إلا عند حلول القرن الثامن عشر، حيث بدأ الناس يدركون قيمة الفردية والسعادة الشخصية، على الرغم من أنّ هذا حدث في الغالب في الدول الصناعية. في هذه الفترة، أصبح لعناصر الحب والعاطفة دافعًا كبيرًا في أسباب زواج الزوجين.
هذا لم يعنِ انقضاء زيجات "المصلحة" أو أنه لم يتم النظر في الشؤون المالية والتحالفات الاستراتيجية، لكن بدأت تتكاثر ظاهرة الأزواج الذين يختارون بعضهم البعض بدافع الحب والصداقة، بدلاً من القيام بواجب تجاه عائلاتهم.
خلال هذه الفترة من عروض الزفاف والزواج، غالبًا ما كان الرجل يذهب إلى والد الفتاة التي اختارها ليطلب يدها منه، كعلامة على الاحترام. كان الأب هو صاحب القرار في هذه الحالة؛ يمكن أن يرفض إذا كان يعتقد أن الرجل غير مناسب لابنته أو يوافق إذا وجد الرجل مستحقًا. اليوم، لا يزال الكثير من الرجال يتمسّكون بهذا التقليد، حتى لو كان ذلك بمثابة إيماءة للتقاليد، أو بدافع الاحترام.
مع تقدّم المجتمعات بحلول القرن الثامن عشر، أصبحت السعادة الشخصية في الدول الصناعية المتطوّرة خصيصاً هدفًا للكثيرين، حيث أصبح الرجال والنساء يتزوجون من أجل الحب.
الركوع في القرن التاسع عشر
حدث اختراق آخر خلال القرن التاسع عشر: انطلقت فكرة ثني الركبتين والركوع عند طلب الزواج، وبدأت هذه العادة عند الرجال في أوروبا والولايات المتحدة.
تحاكي هذه البادرة تقليدًا من العصور الوسطى،وتجسّد فكرة ركوع الفارس أمام المرأة التي اختارها كرمز بالتعهّد بحمايتها وخدمتها، دون أي دليل على وجود الحسّ الرومانسي.
مع مرور الوقت، انطلق التقليد الحديث المتمثل في الركوع على ركبة واحدة لاقتراح الزواج. كان هذا التقليد يذكّر بركوع فرسان العصور الوسطى، حين كانوا يقسمونبالولاء والحماية للسيدات المختارات؛ تقليد لا يزال سائدًا في العديد من الثقافات، حتى اليوم.
خاتم الخطوبة
تقول الإساطير إنّ خاتم الخطوبة انطلق من روما القديمة، وكان مصنوعاً من الحديد وكان يتم ارتداؤه في الإصبع الأوسط الأيسر. لسبب ما، اعتقد الرومان أنّ الوريد يربط ذلك الإصبع بالقلب.
انطلاقة خاتم الماس لعرض الزواج
عند حلول القرن العشرين، انطلقت الحملات الإعلانية بشكل لافت، وبدأت معالم تأثيرها تظهر بقوة. أبرز الإعلانات التي ظهرت في ما يتعلّق بالزواج، كانت "الماس إلى الأبد؟"
انطلقت هذه العبارة في حملة إعلانية حول خواتم الماس، من شركة مجوهرات De Beers Diamond Jewelry، أسّسها رجل الأعمال البريطاني سيسيل رودس في جنوب إفريقيا في عام 1888. بسبب حملته هذه، أصبحت الخواتم الماسية ظاهرة في عروض الزواج. اليوم، تحتوي معظم خواتم الخطبة وفرق الزفاف على ماسة واحدة على الأقل.
دور الإعلام في عروض الزواج
قادت صناعة التلفزيون والأفلام الحديثة في القرن العشرين، الفكرة القائلة بإنّ عرض الزواج يجب أن يكون حدثًا كبيرًا في حد ذاته؛ فامتلأت الأفلام والبرامج التلفزيونية بمشاهد الإيماءات الرومانسية الكبرى، حيث يركع الرجال على ركبة واحدة ويغنّون لسيداتهم أغنية خاصة أو يكتبون العروض في السماء أو يتقدمون خلال مشاهدة مباراة فوتبول أو في السينما خلال مشاهدة فيلم رومانسي.
منذ حملة "الماس إلى الأبد"، أصبحت عروض الزواج تتخذمعالم بارزة في الحياة، من خلال اتجاهات حديثة تجعلها أكثر خصوصية. على سبيل المثال، يسافر العديد من الأشخاص الآن إلى مواقع رومانسية مثل هاواي وباريس وسان فرانسيسكو لهذه المناسبة.
مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت عروض الزواج أكثر استعراضاً ومشهدية. وما كان يُعتبر يومًا ما لحظة خاصة بين شخصين هو الآن فرصة للأزواج لإظهار إبداعاتهم ورومانسيتهم، مع توثيق المناسبةللأجيال القادمة والمتابعين على مواقع التواصل؛ وأصبحت عروض الزواج عبارة عن مناشير على تطبيق انستقرام، أو "العرض لم يحدث من الاساس."