اكتشفي سحر الدرعية: من مطل البجيري إلى حي الطريف.. دليلك الكامل لرحلة لا تُنسى
تعتبر الدرعية واحدة من أبرز المدن التاريخية في المملكة العربية السعودية، وتمثل رمزًا للأصالة والعراقة. هذه المدينة ليست فقط مهد الدولة السعودية الأولى، بل هي أيضًا شاهد على مرحلة تاريخية مهمة كانت البداية لتأسيس المملكة الحديثة.
فالدرعية ليست مجرد مدينة قديمة تقع بالقرب من العاصمة الرياض، بل هي واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية في المملكة، محاطة بتراثٍ غنيٍّ يمتد لأكثر من 600 عام.
الدرعية.. مدينة التراث والتاريخ
تقع الدرعية على ضفاف وادي حنيفة، وتبعد حوالي 20 كيلومترًا شمال غرب العاصمة الرياض. تاريخيًا، كانت هذه المدينة مركزًا تجاريًا وثقافيًا، حيث كانت موطنًا لآل سعود ومقرًا لنشأة الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر الميلادي. هذه المدينة تمتعت بموقع استراتيجي على مسار القوافل التجارية التي تمر عبر نجد، ما جعلها مركزًا حيويًا ومهمًا.
وفي تقريرنا اليوم نصحبكم في جولة سريعة وساحرة بأجمل الفعاليات والتجارب التي يمكنكم خوضها في أحضان الدرعية مدينة التراث والتاريخ الأصيل.
حي الطريف.. القلب النابض للدرعية
لا يمكن الحديث عن الدرعية دون التطرق إلى حي الطريف التاريخي. هذا الحي يُعد من أهم المواقع التاريخية في المملكة، وقد تم إدراجه في قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2010. يعتبر الطريف شاهدًا حيًا على عصر الدولة السعودية الأولى، حيث كان مقر الحكم وموطنًا للعائلة المالكة آنذاك.
يتميز حي الطريف بمعماره الطيني التقليدي الذي يعكس طراز العمارة النجدي. عند التجول في أزقته، يمكن للزائر أن يرى قصر سلوى، الذي كان مقر إقامة الإمام محمد بن سعود وأسرته، وهو أكبر مبنى في الطريف ويضم عدة أجنحة وغرف تعكس أهمية هذا القصر في الماضي.
قصر سلوى.. مقر حكم الدولة السعودية الأولى
قصر سلوى ليس وحده في هذا الحي؛ بل ستجد أيضًا بيت المال الذي كان يُستخدم لتخزين أموال الدولة، ومسجد الإمام محمد بن سعود الذي كان مركزًا للعبادة والتعليم. حي الطريف يمثل نموذجًا حيًا للعمارة النجدية التقليدية، مما يجعله متحفًا مفتوحًا يحكي قصة الدولة السعودية الأولى.
يعد قصر سلوى معلمًا تاريخيًا يوثق حقبة زمنية مهمة في تاريخ السعودية، وفرصة لاكتشاف فنون معمارية شيدت منذ قرون، فهو نافذة مطلة على تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى، وقد سمي بهذا الاسم نسبة لعمارته متعددة المنافع، فقد كان مسليًا لساكنيه وزائريه.
يعد قصر سلوى من أكبر قصور الدرعية، إذ تصل مساحته إلى 10,000 متر مربع، يضم سبع وحدات سكنية بطوابق عديدة، وقد امتاز بناؤه بالرصانة والدقة، وقد توالت عليه العهود والإضافات المعمارية، ليظهر في شكله الحالي من الضخامة والبناء الشامخ.
تقع بجانب القصر ساحة مفتوحة، كانت تستخدم لاستقبال زوّاره، أرضيتها مرصوفة بالحجارة، وفي جهتها الجنوبية يقوم حائط مرتفع وسميك، يمتد عليه جسر يصل بين قصر سلوى ومسجد الطريف. وقد تميزت واجهات القصر بفتحات مثلثة الشكل، وزخارف مرتبة بشكل هرمي، لتوفر الضوء والتهوية، إضافة لشكلها الجمالي. ويحيط بالقصر بيت المال، ومسجد الطريف، وبئر كانت تمد سكان القصر بالماء
وادي حنيفة.. واحة الجمال الطبيعي
بطول 120 كم يمتد وادي حنيفة، من أعالي الحيسية شمالًا حتى الحاير جنوبي مدينة الرياض، وداخل هذه المساحة الشاسعة يمكنك خلق عشرات الخطط للاستمتاع وسط جمال الطبيعة، وتتوفر مرافق الترفيه على جانبيّ قناة مياه وادي حنيفة، التي تبلغ 57 كم، لذلك أنت أمام نزهة ممتعة لأقصى حد.
أعيد تطويره بشكل فريد، إذ جهزت ضفافه بمنتزهات مكتملة المرافق والخدمات، لتتيح للزوّار الاستمتاع بالمسطحات الخضراء على جنبات بحيراته في أجواء مفعمة بالبهجة في الهواء الطلق.
إلى جانب أهمية الدرعية التاريخية، فإن وادي حنيفة يُعتبر جنة طبيعية تقع في قلب المنطقة. الوادي يمتد لعدة كيلومترات، ويعتبر واحدًا من أبرز المعالم البيئية في المملكة. يحتضن الوادي مزارع خضراء، ونخيلًا باسقًا، ومسطحات مائية تعكس جمال الطبيعة في هذه المنطقة.
هذا الوادي لم يكن مجرد مصدر للحياة الزراعية في الماضي، بل هو اليوم وجهة لمحبي الطبيعة والاسترخاء. يمكن للزوار التمتع بالمشي بين المزارع، والجلوس تحت ظل النخيل، أو حتى ممارسة الأنشطة الرياضية والترفيهية مثل التنزه بالدراجات الهوائية. الوادي يمزج بين هدوء الطبيعة وتاريخها الغني، ويجعل الزائر يعيش تجربة فريدة تجمع بين التراث والبيئة الطبيعية.
متحف الدرعية.. وجهة التراث الأصيل
داخل قصر سلوى ستنطلق في رحلة استكشاف تاريخية في متحف الدرعية، إذ يضم المتحف مخطوطات يدوية، وقطع أثرية،و شجرة عائلية للأسرة الحاكمة، ويقدم المتحف عروضًا توضح تاريخ وتطور الدولة السعودية الأولى.
حيث يمكنكم متابعة التفاصيل التراثية والتاريخية الساحرة التي شهدتها الدرعية على مر الزمان من خلال زيارة واحدة رفقة من تحبون لمتحف الدرعية.
منتزه البجيري التراثي.. واحة غناء وتجربة فاتنة
واحة غناء في إنتظار الزوار من مختلف الأعمار لتضمن لهم تجارب لا حصر لها وأجواء مميزة على مدار فصول العام المختلفة.
يشكل منتزه البجيري التراثي والسياحي واحة غناء تحفها أشجار النخيل، تضم مسطحات خضراء شاسعة، ومعالم طبيعية ممتدة من نباتات، وبحيرات، ومرتفعات، تمكّنك من الانغماس في لحظات من الصفاء والهدوء.
بإمكانك التجول سيرًا على الأقدام في ممرات تحيطها أشجار مورقة، ونباتات خضراء مزهرة، مطلة على بحيرات طبيعية، أو الجلوس على مدرجات وجلسات خشبية، لتأمل لوحات تمتزج فيها ألوان الطبيعة وتدرّجاتها الغنية في مرتفعاتها وتكويناتها الصخرية، وسط هواء نقي، وقضاء أوقات يغمرها الفرح والسرور مع العائلة والأصدقاء.
تستطيع شراء مأكولات خفيفة، وتذوق أطيب الأطعمة الشعبية، والمشروبات الدافئة والباردة، من أكشاك الطعام المنتشرة في أرجاء المنتزه، إلى جانب اقتناء العديد من المنتجات التذكارية والتراثية.
مطل الوادي.. متعة الاستجمام بين النخيل
يعد مطل الوادي مساحة مفتوحة تضم مجموعة مطاعم ومقاهٍ محلية وعالمية، وجلسات تحيطها أشجار نخيل باسقة، ينبعث منها عبق القهوة السعودية الأصيلة، في ليلة آسرة تجمع الأحباب حول مائدة شتويّة، تتربّع فيها مأكولات المطبخ الأمريكي والإيطالي، بإطلالة مفتوحة على السماء، وسط أنوار ذهبية لامعة، وأنغام موسيقى تملأ المكان، حيث معالم الدرعية العصريّة، وأمجادها التاريخية في مكان واحد.
تضم مجموعة المطاعم في مطل الوادي قوائم طعام شهيّة، ومشروبات مبتكرة بنكهات مميزة، تسعد مختلف الأذواق، فتنغمس في تجربة تذوّق لا مثيل لها، وسط جذور المملكة العربية السعودية التاريخية، الممتدة لأكثر من 300 عام.
مشروع بوابة الدرعية.. المستقبل المشرق
إلى جانب كونها مدينة تاريخية، تشهد الدرعية اليوم نقلة نوعية بفضل مشروع بوابة الدرعية. هذا المشروع الطموح الذي تم إطلاقه ضمن رؤية المملكة 2030، يهدف إلى تحويل الدرعية إلى وجهة سياحية عالمية، مع الحفاظ على تراثها الثقافي الفريد.
يتضمن المشروع تطوير البنية التحتية في المنطقة، وإنشاء عدد من الفنادق الفاخرة، والمطاعم العالمية، والمتاحف الحديثة. كل هذه المنشآت ستتم بناؤها بشكل يحترم هوية الدرعية التاريخية، مع استخدام مواد تعكس الطراز العمراني التقليدي للمنطقة. سيكون بإمكان الزوار الاستمتاع بتجربة فريدة تجمع بين الرفاهية والتاريخ، حيث يمكنهم التجول في الأزقة القديمة، ومن ثم العودة للإقامة في فنادق عصرية مصممة بأسلوب يعكس روح المكان.
الأنشطة الثقافية والترفيهية في الدرعية
إضافة إلى الجوانب التراثية، الدرعية تُعد مركزًا للفعاليات الثقافية والترفيهية التي تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. من أبرز هذه الفعاليات مهرجان الدرعية، الذي يقدم مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والفنية والتراثية. المهرجان يجمع بين العروض الموسيقية التقليدية والحديثة، والمعارض الفنية، وعروض الفروسية التي تعكس أصالة التراث العربي.
مزيج رائع من الرياضة والترفيه
وفي المجال الرياضي، تستضيف الدرعية كل عام بطولة الفورمولا إي، وهي واحدة من أشهر سباقات السيارات الكهربائية في العالم. هذا الحدث الرياضي يجذب آلاف المشجعين من داخل المملكة وخارجها، ويعتبر فرصة للاستمتاع بمزيج رائع من الرياضة والترفيه.
الدرعية ليست فقط وجهة سياحية، بل هي أيضًا مركز تعليمي وثقافي مهم. العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية في المملكة تعتمد على التراث التاريخي للدرعية كجزء من المناهج التعليمية. فالزيارات الميدانية للدرعية تشكل جزءًا من برامج التعليم لتعريف الطلاب بتاريخ المملكة وكيفية نشأتها.
إضافة إلى ذلك، تشهد الدرعية افتتاح العديد من المتاحف التي تسلط الضوء على تاريخ المنطقة والدور الذي لعبته في تأسيس المملكة. هذه المتاحف تقدم تجربة تعليمية متكاملة، حيث يمكن للزوار التفاعل مع المعروضات والاطلاع على الوثائق التاريخية والصور التي توثق تاريخ المنطقة.
حي جاكس.. متعة فنية بلا حدود
جاء حي جاكس ليحوّل موقع التراث الصناعي في الدرعية بالمملكة العربية السعودية إلى مركز للفنانين والصناعات الإبداعية ووجهة للمواهب لعرض أعمالهم والانضمام إلى مجتمع فني داعم من المبدعين.
انطلاقًا من المبادئ والأسس التي يرتكز عليها الحي من حيث نشر الفنون وتعزيزها وتسهيل النفاذ إليها وبناء مجتمع مترابط من الفنانين والمبدعين، أصبح حي جاكس وجهة لأشهر الفنانين السعوديين والمعارض الفنية ووسائل الإعلام الرائدة والوكالات الإبداعية ومركزا ثقافيا ومنصة تمكن المبدعين من إطلاق العنان لإبداعهم بما يسهم في تطوير المجتمع الفني ككل.
جاء هذا التحول الذي أحدثه الحي ليتناغم مع المحاور الرئيسية لرؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع من الفنانين والمبدعين ليكملوا التجربة المنفتحة على المجتمع المحلي والعالمي في المواضيع الفنية والمجالات الثقافية.
يحتضن الحي المتحف السعودي للفن المعاصر وهو أول متحف فن معاصر في المملكة كما تقام مجموعة من البرامج والفعاليات الرائدة لعل أبرزها الحدث الفني العالمي "بينالي الدرعية"، ﻣﯿﺪل ﺑﯿﺴﺖ XP، ومهرجان ﻧﻮر اﻟﺮﯾﺎض وغيرهم الكثير من الفعاليات والتجارب، ﻣﻤﺎ ﯾﻌﺰز ﻣﻜﺎﻧﺔ اﻟﺤﻲ ﻛﻮﺟﮭﺔ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﻔﻦ واﻹﺑﺪاع.
حي غصيبة.. موطن التراث والتاريخ
يمثل حي غصيبة بموقعه على ضفاف وادي حنيفة، النواة التي تشكلت منها الدرعية، ومبتدأ تاريخها العريق الذي يتجاوز 600 عام.
يعتبر حي غصيبة الأثري أقدم حي سكني في الدرعية التاريخية، ومنه خرجت الأجيال الأولى للأسرة الحاكمة في القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وقد كان المقر الأول للأسرة الحاكمة قبل أن تنتقل إلى حي الطريف. ويمتاز حي غصيبة بموقعه الاستراتيجي في أعلى هضبة مثلثة الشكل، تطل على وادي حنيفة من ثلاث جهات، وقد سوّرت الجهة الشمالية بسور ضخم يصل سمكه إلى أربعة أمتار، تتوسطه بوابة كانت تستخدم للسماح بعبور قوافل الجمال من خلالها، إذ كانت الوسيلة الوحيدة للتنقل، وحمل البضائع لسكان الحي آنذاك.
وحين تتأمل حي غصيبة، ستتمكن من اكتشاف شواهد تاريخية لعدة أحداث وقعت في الدرعية، إذ يزخر الحي بمبانٍ طينية أثرية تنقل صورة حية لعصور قديمة.
متعة الاستجمام في مزرعة سمحان
تحظى المزرعة بتقييمات عالية من زوارها، إذ هُيئت على الطراز المعماري النجدي، لتحتضن كل أشكال الاحتفالات والمناسبات الكبيرة والصغيرة، وتوفر إدارة المكان كل ما يحتاجه الزوار لتنظيم الفعاليات والأنشطة المتنوعة. وتتيح غرف المعيشة الخاصة في المزرعة الاسترخاء بين أحضان الطبيعة، بعيدًا عن صخب المدينة.
ويحيط النخل الجلسات الشعبية الخارجية، وتتدلى عقود الأنوار من بينها، وتأخذ طاولات الخدمة سمة الطبيعة، فتبدو واقفة كجذوع الأشجار.
مطل البجيري.. تجارب فاخرة وإطلالات ساحرة
وفي مطل البجيري يمكنكم الاستمتاع بزيارة العديد من المطاعم، والمحلات العالمية والمحلية، على مساحة 15 ألف متر مربع، بتفاصيل مستوحاة من أصالة نجد، وتاريخها المفعم بفنون العمارة، وبإطلالات تاريخية مدهشة في حي الطريف، المدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، حيث يمكنك الاستمتاع بمناظر طبيعية بنزهة جماعية أو فردية، في ممرات الدراجات الهوائية المخصصة في المطل، أو التجول في مسارات تتقفى آثار تاريخ المملكة وحكاياته، حين كانت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى.
يعتبر مطل البجيري وجهتك الفاخر، للانغماس في تجربة راقية بالقرب من وادي حنيفة، حيث تغمر حواسك مذاقات عالمية حاصلة على نجمة ميشلان، في أربعة مطاعم، ما بين مأكولات إيطالية، وفرنسية، وإسبانية، وأمريكية، كما يستضيف المطل عددًا من المطاعم التي تفتح أبوابها لأول مرة في الشرق الأوسط، مثل: وماستروز، وبرونو، إضافة إلى كافيه دو ليسبلانداد، كما يمكنك اكتشاف لذة أطباق سعودية تراثية مقدمة بطريقة عصرية في مطعم تكية.
ماضي مجيد ومستقبل واعد
في النهاية، الدرعية تمثل مزيجًا فريدًا من التاريخ العريق والمستقبل الواعد. إنها ليست مجرد مدينة قديمة تجسد ذكريات الماضي، بل هي بوابة تنفتح على إمكانيات جديدة وفرص هائلة في قطاع السياحة والثقافة. من خلال مشاريع التطوير المستمرة والاهتمام بالحفاظ على التراث، ستظل الدرعية واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية في المملكة العربية السعودية، لتكون شاهدة على عظمة الماضي ورؤية المستقبل.
سواء كنتي تبحثن عن استكشاف تاريخ المملكة، أو ترغبين في الاستمتاع بالطبيعة الخلابة، أو حتى المشاركة في أحد الفعاليات الثقافية والرياضية، فإن الدرعية تعد المكان المثالي لكل هذا وأكثر.