السعودية الخضراء: سياحة مستدامة لمستقبل أفضل
في سبتمبر من عام 2019، استحدثت المملكة العربية السعودية، وللمرة الأولى في تاريخها، تأشيرة سياحية تتيح للجميع القدوم إليها على مدار العام، ويمكن القيام بزيارات متعددة للمملكة على ألا تتجاوز 90 يوما في المرة الواحدة.
ومن المتوقع في عام 2030 أن تستقبل المملكة 100 مليون زيارة سنويا لتكون بذلك ضمن أكثر 5 دول استقبالا للسياح، وهي تعمل حاليا على زيادة القدرة الاستيعابية لمطاراتها إلى 150 مليون راكب سنويا.
وللسياحة أشكال وألوان متعددة، فهناك السياحة الدينية، السياحة الثقافية، السياحة الترفيهية، السياحة البيئية، السياحة الرياضية، السياحة العلاجية، وسياحة المهرجانات والمؤتمرات.
وتعتبر المملكة العربية السعودية من الدول القليلة في العالم التي استطاعت أن تجمع كل أشكال وأنواع السياحة المختلفة، وأن تلبي رغبات السياح من كل دول العالم مهما تباينت أو تنوعت هذه الرغبات.
وفي هذا التقرير، سنتناول السياحة البيئية في المملكة العربية السعودية، والوجهات الطبيعية الخلابة التي تمتلكها، والتي باتت تستقطب الكثير من السياح من مختلف دول العالم.
السياحة البيئية
ظهر هذا المصطلح في ثمانينيات القرن الماضي، فهو مصطلح حديث نسبياً، وهو يعبّر عن نوع جديد من النشاط السياحي "صديق للبيئة".
والسياحة البيئية هي نشاط يمارسه الإنسان، محافظا من خلاله على الميراث الفطري الطبيعي والحضاري للبيئة التي يعيش فيها، وهو في هذه الممارسة ليس حراً، يفعل ما يشاء دون حساب، بل هو مسؤول عن ما يفعله، وهو يعيش في إطار معادلة دقيقة هدفها الاستمتاع بالحياة مع المحافظة على الطبيعة.
مكوّنات السياحة البيئية
تنقسم كموّنات السياحة البيئية إلى قسمين رئيسيين، هما: العوامل الطبيعية الإيكولوجية، والعوامل المناخية.
العوامل الطبيعية الإيكولوجية
وهو مصطلح يضم كل العناصر والأنظمة الحيوية، تلك التي تقدّمها الطبيعة، مثل سطح الأرض، وما عليه من: جبال، وديان، غابات، مغاور، أنهار، صحارى، ومحميات، وحتى تلك التي صنعها الإنسان مثل الحدائق والمنتزهات.
العوامل المناخية
وهي الفصول المناخية الأربعة، وما تقدّمه من عناصر وإمكانات وتحوّلات في الربيع أو الخريف، وفي الصيف أو الشتاء، بحيث تتحوّل هذه العناصر إلى مكوّنات سياحية كبرى، من مشاهدة الغروب على شاطئ البحر، أو ممارسة التزلج على الثلج على قمم الجبال، أو السهر مع النجوم في الصحراء بعيدا عن كل مصدر للضوء، أو الغوص في أعماق البحار ومشاهدة أسرار العوالم المائية الساحرة.
مبادئ السياحة البيئية في المملكة
تعتمد السياحة البيئية في المملكة العربية السعودية على مجموعة من المبادئ والأهداف الواضحة، للحفاظ على الطبيعة في المناطق المستهدفة، وإنشاء مشاريع مدرة للدخل مستوحاة من الطبيعة لا تحدث ضغطا على مصادر البيئية الطبيعية.
وجهات السياحة البيئية في المملكة
تمتلك المملكة العربية السعودية مساحات واسعة من الصحارى، وشواطئ ممتدة على ساحلي الخليج العربي، والبحر الأحمر، إضافة إلى سلاسل جبال شاهقة، وعدد كبير من المحميات الطبيعية، كما تتمتع بتنوع كبير في نظمها البيئية، ما جعل السياحة البيئية تشكل عنصراً مهماً من عناصر الجذب السياحي لديها.
الصحاري:
تشكّل الصحاري المساحة العظمى من المملكة العربية السعودية، وتتنوع المظاهر الطبيعية الصحراوية بين أحجار رملية، وهضاب جرانيتيه، إلى مناطق الحماد الحصوية، والحرات السوداء الخشنة، وبحار الرمال الناعمة.
ورغم أن الصحاري تظهر كبيئة قاسية، إلا أنها في الحقيقة بيئة حساسة تتأثر بشكل كبير بأنشطة الترحال والتخييم، لأن الحياة الفطرية في الصحاري تتركز في الواحات والأودية والأخاديد إلى جانب الرياض والفياض التي تزدهر بعد سقوط الأمطار، وهي نفس المواقع التي يسعى المتنزهون إلى الإقامة فيها.
وهذه الينابيع والجداول والبرك هي محور حياة المخلوقات في البيئة الصحراوية، سواء الأنعام أو البشر، ونظراً لانعدام طرق تعويض أو تنقية هذه الموارد، فإنه غالباً ماتتراكم فيها الملوثات أو تنضب مياهها بفعل بعض الممارسات التي لا يهتم أصحابها بالبيئة، وبذلك تُحرم جميع المخلوقات الصحراوية من مصادر الحياة التي تعتمد عليها.
لذلك كان لابد من أن تتبنى المملكة العربية السعودية مبدأ السياحة البيئية المستدامة، للحفاظ على طبيعة الصحاري وتنوعها النباتي والحيواني.
الجبال:
تعتبر قمم الجبال العالية في المملكة العربية السعودية هي البقية الباقية من النظام البيئي المعتدل، الذي كان منتشراً في شبه الجزيرة العربية في العصور السحيقة، وهنالك أنواع فطرية نباتية وحيوانية مستوطنة فيها لاتوجد في أي مكان آخر في العالم، وتعود لآلاف السنين.
وتغطي غابات العرعر سلسلة جبال السروات وهي مرغوبة للسياحة والتنزه إلا أنها هامة كمناطق إمساك لمياه الأمطار وهي عرضة للحرائق والتدمير حيث أن سفوح الجبال غير مستقرة وقابلة للتعرية والتآكل.
وقد أولت المملكة العربية السعودية أهمية خاصة لهذه البيئة الساحرة والنادرة، ووضعت الكثير من الضوابط والمشاريع الكفيلة بتحقيق سياسة "السياحة البيئية" التي تصبو إليها.
السواحل البحرية:
تعتبر سواحل المملكة العربية السعودية من أغنى الأنظمة البيئية في العالم، فهي مواقع لتعشيش العديد من أنواع الطيور والسلاحف البحرية، كما أنها تؤمن الموطن والمأوى للكائنات الحية من الطيور وصغار الأسماك والقشريات.
أما الشعاب المرجانية، فهي كائنات دقيقة وحساسة للغاية، وهي مع ذلك مقصدا للغواصين وصيادي الأسماك، لما تملكه من جمال طبيعي، ووفرة في الأنواع السمكية وغيرها من المخلوقات.
إلا أن هذه البيئة تتعرض لضغوط شديدة من زوارها، فقد لا يدرك كثير منهم مدى التدمير الناجم عن إلقاء مراسي القوارب "الهلب" وشباك الصيد في بيئة الشعاب المرجانية.
وقد عمدت المملكة العربية السعودية إلى وضع القوانين اللازمة للحفاظ على هذه البيئة البحرية الغنية بالتنوع البيولوجي، وللحد من الآثاء السلبية الناجمة عن بعض الممارسات الغير مسؤولة.
المحميات الطبيعية:
تحتوي المملكة العربية السعودية على عدد كبير من المحميات الطبيعية البرية والبحرية، منها 56 منطقة برية، و62 بحرية، موزعة على 38 منطقة في البحر الأحمر، و24 منطقة في الخليج العربي، وقدرت مساحة هذه المحميات بحوالي 8% من مساحة المملكة.
وتختلف هذه المحميات باختلاف المناطق التي تقع فيها، فهي تغطي مختلف النظم البيئية والمشاهد الطبيعية في المملكة.
فهناك محمية جزر فرسان، على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأحمر، محمية عروق بني معارض على الطرف الشمالي الغربي للربع الخالي، محمية ريدة في قمم جبال السروات، محمية محازة الصيد على هضبة نجد، ومحمية الوعول على جانب جبال طويق، إلى جانب المحميات الشمالية التي تشتمل على الحرات البركانية.
وجميع هذه المحميات تزخر بأنواع الحيوانات والنباتات الفطرية المستوطنة أو المعاد توطينها من الأنواع المحلية المهددة بالانقراض، ومن ضمنها مشروع إعادة توطين النمر العربي من خلال محمية "شرعان" في "العلا"، وإنشاء أكبر صندوق عالمي من نوعه لحمايته.
وتشتمل الأنشطة السياحية في هذه المحميات على الرحلات الراجلة، ومشاهدة الحياة الفطرية والطيور، والمشي على الكثبان الرملية، إلى جانب التخييم، والغوص، ومشاهدة معروضات "مراكز الزوار" والتي تلعب دور المتاحف البيئية المصغرة.
كما يوجد برامج زيارات للمدارس، ويتم تنظيم عمليات جمع الكمأ "الفقع" خصوصاً في المحميات الشمالية، وتوجد خطوات حثيثة لاعتماد إستراتيجية وطنية للسياحة البيئية تراعي الطاقات الاستيعابية للزيارات في المناطق المحمية وما يترتب عليها من آثار على البيئة.