الإبتكار في الطهي عملةٌ ذات وجهين.. والاستدامة جزءٌ جذري فيها
يقول الشيف الراحل أنتوني بورداين Anthony Bourdain في واحدة من أشهر مقولاته حول الأكل: "للطعام قوةٌ يمكن أن تُلهم، وتُذهل، وتصدم، وتحمَس، وتُسعد، وتُثير الإعجاب. الطعام لديه القدرة على إرضائي وإرضاء الآخرين."
بالفعل، للطعام قوةٌ سحرية لا يشعر بها أولئك الذين يتعاملون مع الأكل على أنه وسيلةٌ لإشباع الجسد الذي يشعر بالجوع. في حين أنه حالةٌ من التذوق، ينبغي التعامل معها بالكثير من الهدوء والاستمتاع.
شهد ويشهد عالم الطهي، منذ آلاف السنين وحتى اليوم؛ العديد من التغيرات والابتكارات التي جاء بعضها مُخيبَا للآمال، وبعضها الآخر ترك بصمةً راسخة في هذا المجال الذي يتهافت الكثيرون على ولوجه، بالرغم من تحدياته الكثيرة والمؤلمة في كثير من الأحيان.
وقد اخترتُ في تقرير اليوم، الشامل والمتوسع؛ التطرق لموضوعين مهمين في مجال الطهي: الابتكار والاستدامة. فكان لي أحاديث شيقة وممتعة مع مجموعة من الطهاة العرب والأجانب، الذين أثروا هذا التقرير وقدموا معلومات قيَمة أتمنى أن تحوز إعجاب عزيزاتي القارئات.
البداية من إمارة دبي في دولة الإمارات، مع الشيف محمد أورفلي والشيف رامي المقت..
الشيف محمد أورفلي Chef Mohamed Orfali
بالنسبة للشيف الذي يشغل منصب رئيس قسم الطهو في مطعم Orfali Bros الحائز على تصنيف "بيب جورماند" من "ميشلان" والذي يقدم تشكيلة مميزة من الأطباق الشرقية التقليدية بجانب الأطعمة ذات الطابع الغربي بحسب ما جاء على موقع "ميشلان"؛ فالابتكار في الطهي فنٌ يتطلب أساسًا متينًا في المطبخ الكلاسيكي. وقبل الشروع في رحلة ابتكار الطهي، يجب على المرء أولًا أن يفهم ويُقدَر تراثه الغذائي وجذوره وتقاليده، يضيف الشيف الحلبي الذي يحمل تراث وتاريخ المطبخ في مدينته معه؛إذ تُشكَل هذه المعرفة الأساس الذي يمكن بناء الأفكار الجديدة عليه.
وبالنسبة لأورفلي، يحدث الإبتكار الحقيقي عندما يأخذ الطاهي فهمه العميق للأطباق والمُكونات التقليدية، ويجمعها بشكل مبدع مع الأفكار أو التقنيات الجديدة. "لا يتعلق الأمر فقط بأخذ طبق كلاسيكي وإجراء تعديلات طفيفة، بل ينطوي على دفع حدود ما هو ممكن في عالم الطهي."
"لكي يكون مبتكرًا، يحتاج الطاهي إلى تجاوز تكرار الوصفات الحالية وتحديثها. وبدلًا من ذلك، يجب أن يسعى جاهدًا لخلق تجارب طهي جديدة تمامًا تُلبي الأذواق وأنماط الحياة المعاصرة. الهدف هو تصميم أطباق لها صدى لدى الجيل الحالي، مع احترام جوهر الماضي."
الطعام يتغير كما الناس
وفقًا للشيف أورفلي المُتجدد دومًا، فالطعام مثل المجتمع؛ يخضع لتغيير مستمر. ومع تطور أنماط الحياة، تتطور أيضًا رغباتنا في الطعام. لذا يستلزم الابتكار الناجح في الطهي، الاعتراف بهذه التحولات والتكيَف معها.
إذن، ما هي مقومات الابتكار الناجح في مجال الطهي؟
"يكمن مفتاح ابتكار الطهي الناجح في استخدام أفضل المكونات المتاحة، ويمكن أن يختلف ذلك من رأي إلى آخر. غالبًا ما تكون المكونات الأكثر بروزًا هي تلك التي يتم الحصول عليها من مصادر محلية، مما يحقق أقصى استفادة مما تقدمه الأرض والمنطقة. يضمن الطهي بمكونات من السوق المحلي وتبنَي النكهات المحلية، الحصولعلى أكلات مميزة لا تُنسى وتبرز حقًا في عالم الطهي"، يجيب الشيف أورفلي. مؤكدًا أنه في مجال الإبتكار، هناك توازنٌ بين تحديث الوصفات التقليدية والحفاظ على أصالتها وقيمتها؛إذ قد يؤدي تفكيك الوصفات التقليدية أحيانًا إلى فقدان جوهرها الحقيقي وروحها.ولزيادة قيمة الوصفات التقليدية من خلال الابتكار، من الضروري التعامل مع العملية بعناية واحترام للنكهات والتراث الأصلي.
المفتاح هو الحفاظ على روح الطبق التقليدي مع الارتقاء به إلى مستوى مختلف، يتناسب مع الأذواق المعاصرة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال استكشاف طرق جديدة لتقديم الطبق، أو دمج النكهات المعاصرة، أو حتى تجربة طرق طهي مختلفة. وينصح أورفلي، "بدلًا من تفكيك الوصفة بالكامل، يمكن للطهاة التركيز على إعادة تصورَها وتحديثها، مع الاحتفاظ بعناصرها الأساسية. من خلال تكييف المكونات التقليدية وتقنيات الطهي بطريقة إبداعية لتلائم نمط الحياة الحالي، يمكن للطهاة بث حياة جديدة في الوصفات القديمة.هذا ما أفعلهُ وما زلتُ أسعى لتحقيقه في برنامج الطهي الخاصة بي مع فتافيت (شو بحب الأورف) ومطعم أورفلي إخوان بيسترو."
ما هي الأطباق التي ابتكرها الشيف أورفلي وحازت موافقة الجمهور؟
"يمكن أن يكون إنشاء وصفات مبتكرة تحظى بموافقة الجمهور عمليةٌ صعبة، ولكنها مُجزية. كانت رحلتي مع فتافيت والتلفزيون مفيدةً في مساعدتي على النمو كطاهي وتطوير وصفات تلقى صدى لدى الناس. وخلال هذه الرحلة، تعلمتُ من الأخطاء وأجريتُ العديد من التجارب لتحسين إبداعاتي."
إن فهم العلاقة العاطفية التي تربط الناس بالطعام أمرٌ حيوي، يضيف أورفلي. إذ تتشابك الذكريات والحنين بعمق مع نكهات وملمس الأطباق التي نحبها. لذلك،فالحفاظ على تلك العناصر المألوفة مع تقديم منظور جديد، أمرٌ ضروري. "من خلال تناول الوصفات من زاوية مختلفة، تمكنتُ من ابتكار أطباق تفاجئ الجمهور وتُسعده. عندما يتذوقون هذه النكهات المألوفة والمبتكرة، فإن ذلك يثير إحساسًا بالإثارة والألفة في نفس الوقت، مما يجعلهم أكثر تقبلاً للتغييرات."
هل هناك وصفات لا يمكن تغييرها مطلقًا؟
يجيب الشيف أورفلي: "هناك بعض الوصفات التي في رأيي لا تحتاج (وليسلا يمكن) تغييرها على الإطلاق. الحمص هو مثالٌ ممتاز، حيث يبرز بسبب بساطته، مع مكونات ناعمة ولذيذة ممزوجة بشكل متناغم معًا. الحمص هو بالفعل كلاسيكي حديث، يشمل جميع العناصر الأساسية التي تجعله خالدًا ومحبوبًا.لا داعي لتحديث الحمص، لأنه يصمد أمام اختبار الزمن دون عناء؛ ولا يزال يُسعد الأذواق في جميع أنحاء العالم.
الابتكار في الأطباق، هل يجذب المزيد من محبَي التذوق؟
"نعم ولا. فمن ناحية، هناك من قد يقاوم التغيير ويُفضل الالتزام بالوصفات التقليدية كما هو الحال مع والدي أحيانًا. ومع ذلك، فقد وجدتُ أن مفتاح الابتكار الناجح يكمن في كيفية التعامل معه.لكي يزدهر الابتكار، فإنه يتطلب منصةً داعمة. يُعدَ امتلاك الموارد اللازمة والميزانية والوقت والتجريب، أمرًا بالغ الأهمية للطهاة لاستكشاف أفكارهم المبتكرة وصقلها. البيئة المثالية ضرورية أيضًا لازدهار الابتكار. من المرجح أن يُقدّر الجمهور المنفتح على تجربة تجارب طهي جديدة، الابتكارات المبتكرة ويتبناها."
هل الابتكار في مجال الطبخ يساعد في تعزيز الاستدامة؟
يمكن أن يلعب الابتكار دورًا حيويًا في تعزيز الاستدامة التي تُركَز على البيئة والمجتمع والاقتصاد ككل. على سبيل المثال، فإن استخدام المكونات المحلية يدعم المزارعين، ويساعد الحد من هدر الطعام من خلال أساليب الطهي الإبداعية، في تقليل التأثير البيئي. في الوقت نفسه، فإن تعزيز بيئة الفريق الداعمة مع وجود مساحة للتجربة والنمو بشكل احترافي، يضمن استدامةً طويلة الأجل للمواهب والشركات على حد سواء.
الشيف رامي المقت Chef Rami Almakt
الشيف التنفيذي ومدير العمليات في مجموعة HBR التي تضم سلسلة مطاعم Next Door في دبي؛ يرى أن الطهي لم يعد مجرد أطباق معروفة أو تقليدية تُقدم.فالطهي يُعتبر فن كجميع الفنون، والإبتكار في الطهي يؤثر على الطاهي أو الشيف كما يؤثر على الضيف في المطاعم والفنادق بشكل ايجابي من ناحية المواد المُستخدمة، وطريقة الطهي وصولًا إلى شكل الطبق وفن التقديم.
الشيف السوري الذي نشأ بين عائلة يعمل جميع أفرادها في القطاع السياحي؛ يؤكد أنه للوصول لمرحلة الابتكار، يجب على الشيف أن يكون مُلَمًا بشكل واسع بكافة فنون الطهي ومُطلَع على ثقافة الطعام المتنوعة في بلدان مختلفة؛ حتى يتمكن وبثقة واسعة من أن يضيف أو يدمج أو يبتكر طبقًا جديدًا ومؤثرًا.
الأطباق التقليدية والابتكار
يؤكد الشيف المقت أن الإبتكار والابداع، خاصةً في دبي؛ قد خلقت منافسةً كبيرة لاعادة صياغة وتقديم الاطباق التقليدية بطرق حديثة وجديدة. ومن وجهة نظره، "في الأطباق التقليدية الاساسية في مطبخنا العربي، لا يجوز تغيير شي واحد بالمكونات أو طريقة الطهي؛إنما المجال قد يكون ممكنًا للتغيير في طريقة التقديم."
يفتخر الشيف اليافع ببعض الأطباق التقليدية التي قام بتعديلها؛ منها بعض أنواع وحشوات طبق "الكبة" التي قام بتغيير طريقة تقديمها وشكل الكبة بحشوات جديدة؛ مع الحفاظ الكامل على النكهة الاصلية. "حتى أطباق الشاورما التقليدية، قدمناها بطرق مختلفة متل التاكو مع بهارات مكسيكية، وقُدمت مع البيتزا وقد لاقت نجاحًا جيدًا."
من جهة ثانية، يعارض الشيف المقت تعديل بعض الوصفات، ويقول: "الوصفات التي لا يُستحسن وغير مرغوب اعادة ابتكارها، هي الاطباق التي تطبخها أمهاتنا وجداتنا مثلالاوزي، ورق عنب باللحم، صيادية السمك، المغربية، الملوخية، الكبة باللبن وغيرها.
من وجهة نظري، قد يكون من المُحرَمات المساس بهذه الاطباق."
لكنه في الوقت ذاته، يؤكد أن الإبتكار في الطهي يساعد في جذب المزيد من محبَي التذوق. مشيرًا إلى أن الإبتكار أثبت صحته في مختلف مطاعم وفنادق دبي؛ حيث يمكن الابتكار في تقديم أطباق بلدك بطريقة جذابة وبكميات أقل، تُظهر النكهة الاصيلة بجمالية تجذب الضيف لتذوقها.
الإبتكار والإستدامة
يختم الشيف المقت حديثه معنا قائلًا: "الابتكار في المطابخ يمكن أن يكونمساعدًا قويًا في مسألة الاستدامة ويساهم في تعزيزها؛ ولكن باجتهادات شخصية ومحاولات فردية مقتنعة بالفكرة، ومحاولة استخدام مواد عضوية وطرق تحافظ على الاستدامة."
الشيف بول بيتس Chef Paul Bates
من عاصمة الضباب الإنكليزية لندن، تحدث إلينا الشيف بول بيتس، الشيف التنفيذي في هيلتون لندن متروبولحول الابتكار في الطهي قائلًا: "الابتكار في مجال الطهي مفهومٌ ديناميكي متعدد الأوجه، ينطوي على التطور المستمر لتعزيز تجربة تناول الطعام. وبصفتي كبير الطهاة التنفيذيين في فندق هيلتون لندن متروبول، فإنني أسعى لاعتماد منهج شامل للابتكار لا يقتصر على إعداد الأطباق الفريدة والجذابة، بل يحرص كذلك على تحسين عمليات المطبخ وتعزيز سلسلة الإمداد وتطوير فريق من ذوي المهارات الرفيعة."
"من الأمثلة التي يجدر ذكرها حول التزامنا بالابتكار في الطهي، إطلاق مطعم جديد مدهش باسم Tyburn Kitchen؛ نحرص فيه على دمج أجود المكونات البريطانية مع النكهات المختلفة من ثقافات متنوعة، وتقديم هذه الإبداعات المبتكرة في أطباق مصنوعة يدويًا من السيراميك المحلي، ما يعكس التزامنا التام بدعم الفنانين والأعمال المحلية. كما نعطي أولوية كبيرة للاستدامة وندعمها من خلال الحصول على 90% من المحاصيل والمنتجات الزراعية من مناطق تبعد أقل من 100 ميل، مما يقلل من أثرنا الكربوني ويضمن أعلى جودة للمكونات."
مقومات الابتكار الناجح في الطهي
بحسب الشيف بيتس، تتلخص عوامل نجاح الابتكار في عاملين أساسيين: الأول أن يدعم الأعمال سواء من خلال تعزيز النمو وخفض النفقات أو تحقيق الأفضلية للتنافسية، والثانيأن يتماشى مع قيم أساسية كالسعادة والاستدامة والرفاه. ولكن الأمر لا ينبغي أن ينتهي هنا، فيجب أن يسهم الابتكار في رفع مستوى رضا العملاء عبر تلبية احتياجاتهم وتعزيز تجاربهم أو تقديم حلول متجددة تجعل حياتهم أفضل.
ما هي المبادئ الأساسية اللازمة لتحقيق الابتكار الناجح في مجال الطهي؟
"قبل طرح وتقديم الأصناف أو الأطباق الجديدة، لابد من عمل دراسة شاملة للتعرف على أذواق الجمهور المختلفة وتقديم ما يناسبها ويُلبَي رغباتها؛ فضلًا عن معرفة ما إذا كان الطبق الجديد يحمل مفهومًا مُستدامًا يدعم استمرارية أعمالك وابتكاراتك لمفاهيم عصرية وحديثة، الأمر الذي يسهم في تعزيز جوانب النمو الرئيسية لمشروعك."
ويضيف الشيف بيتس أن الابتكار وتطوير الوصفات التقليدية، يعني إيجاد التوازن المثالي بين الأصالة والقيمة؛ ويمكن اعتباره لمسةً عصرية على الأطباق الكلاسيكية المحبوبة. "في ظل الوتيرة المتسارعة لعالمنا وأسلوب حياتنا، من المهم أن نعمل على تعديل الوصفات التقليدية بما يُلبَي احتياجاتنا المعاصرة. ولا يعني ذلك التضحية بالأصالة أبدًا، لأن الدمج بين الأطباق التقليدية والأفكار الجديدة يسمح بالحفاظ على جوهرها وجعلها أكثر ارتباطًا بحياتنا اليوم، وبالتالي أكثر جاذبيةً لمحبي الطعام."
"سيبقى لدينا دومًا سوقٌ للوصفات التقليدية المحبوبة دون تغيير، والتي توارثناها جيلًا بعد جيل. ولكن ذلك لا يعني عدم إمكانية استكشاف النكهات والأساليب والمكونات الجديدة التي تُعزَز تلك الأطباق، والأمر المهم هو التوازن بين احترام التقاليد وبين الابتكار."
أطباقٌ مُطوَرة حظيت بأكبر تقدير من العملاء
يُحدَثنا الشيف بيتس عن وصفتين لاقتا إقبالًا هائلًا؛ الأولى هي برياني سمك سي باس. هذا الطبق مُستوحى من البرياني الهندي التقليدي، ولكنه مُعدّ بلمسة بريطانية محلية؛ حيث نحصل على لحم السلطعون من الساحل الجنوبي الجميل ونستخدم سمك سي باس الطازج، لندمج بشكل رائع بين التوابل الهندية والمكونات الطازجة المستدامة، وبتوازن يُرضي حبنا للنكهات العالمية والتزامنا بدعم المنتجين المحليين.
"كما إن كعكة الشوكولاتة بدون دقيق، واحدةٌ من أشهر أطباقنا المحبوبة لدى عملائنا الراغبين بخيارات صحية تناسب نظامهم الغذائي. فنحن ندرك أن الكثيرين يهتمون بغذائهم وما يحتويه من مشتقات الحليب والجلوتين، ولكنهم بالتأكيد لا يرغبون بالتنازل عن المذاق الشهي. وهنا تبرز هذه الكعكة؛ فهي شهيةٌ وغنيةٌ وخاليةٌ تمامًا من الدقيق ومنتجات الحليب – مما يجعلها خياراً مثالاً للراغبين بالمذاق اللذيذ والغني للشوكولاتة في خيار صحي خال من منتجات الحليب."
لكن الشيف التنفيذي في هيلتون لندن متروبول، يرفض رفضًا قاطعًا العبث في بعض الأساليب الكلاسيكية؛ مثل تلك الموجودة في المطبخ الفرنسي الذي تعلَم الطهي فيه. ويقول في هذا الشأن: "أرى أن هناك عددًا من الأساليب الكلاسيكية التي لا ينبغي العبث بها؛ فالمطبخ الفرنسي قائم منذ أكثر من 200 عام، وهناك أسبابٌ وجيهة لاعتبار عدد من الأطباق بمثابة أطباق كلاسيكية مثل حساء السمك مع ثمار البحر والدجاج المحمّر وغيرها من الوصفات الفرنسية الشهيرة التي صمدت عبر الزمن، ويجب أن تُعدّ دومًا بالطريقة التقليدية تمامًا."
ويستدرك قائلًا: "أرجو ألا يُفهم كلامي خطأ؛ فأنا داعمٌ كبير للتجريب والابتكار في المطبخ، ولكن هذه الأطباق القيّمة والإبداعات التقليدية لا تحتمل مزيدًا من التغيير، وإلا تحولت إلى طبق مختلف. ولهذا أقول أن الأطباق الكلاسيكية تبقى كما هي، ويمكننا أن نُجرب ونبدع في جوانب أخرى لنستكشف ونقدم ابتكاراتنا الخاصة."
هل يساعد الابتكار في الطهي على جذب المزيد من عشاق الطعام؟
"بكل تأكيد، فالابتكار في الأطباق يستقطب المزيد من عشاق الطعام ومُحبَيه بطريقة رائعة؛ كما أن تلبية متطلبات التغذية وإضفاء اللمسة العصرية أمرٌ غير متاح دومًا في الوصفات التقليدية، وهنا يأتي دور الابتكار. عندما نُقلَل من استخدام مكونات كالزبدة والقشطة ونستخدم بدائل عنها، فإننا ندخل بذلك سوقًا جديدًا يتضمن الأشخاص الذين كانوا يترددون في السابق بسبب القيود الغذائية أو الذوق الشخصي، ويشجعهم على الانضمام إلى مغامرة من المذاق الشهي. كما إن ذلك يُسعد عشاق الطعام ويقدم لهم خيارات جديدة من النكهات والأطباق التي تلبي احتياجاتهم ومتطلباتهم الدقيقة."
إلى أي حد يساهم الابتكار في مجال الطهي بدعم الاستدامة؟
"وجود الاستدامة في جوهر قيم العمل، يُغيّر مسار الأمور بشكل هائل؛ ونحن في فندق هيلتون لندن متروبول نركّز بشكل كبير على إيجاد حلول الاستدامة التي تنسجم مع التزامنا تجاه الكوكب. تأخذ الابتكارات المستدامة باعتبارها التأثير البيئي والاقتصادي والاجتماعي، وتعمل على تقليل النفايات وحفظ المواد والمساهمة الإيجابية تجاه العالم أجمع. وبهذا التركيز على الاستدامة، تستقطب المشاريع المستهلكين المهتمين بالبيئة وتعزز سمعتها كجهات رائدة ومسؤولة."
"نأخذ محاصلينا من مزارع صغيرة على سفوح الجبال المطلة على الساحل الجنوبي، تُزرع في مواسمها فقط وفي التربة الخارجية فقط. وتأتي 90%من هذه المحاصيل التي نستخدمها في Tyburn Kitchen من مناطق ضمن نطاق 100 ميل من الفندق؛ وهذا الاستيراد المحلي يُقلَل من أثرنا الكربوني ويضمن قدرتنا على تقديم أفضل المكونات الموسمية الطازجة. ولهذا نركّز على الاحتفاء بالنكهات الموسمية بينما ندعم المزارعين المحليين ونقلل من أثرنا على البيئة."
"يسهم الابتكار في المطبخ بشكل هائل في دعم الاستدامة، إذ إنه يدعم الخيارات الواعية ويُمكنَنا من التعاون مع الموردين المهتمين بالبيئة واستيراد المكونات المحلية وإيجاد الطرق المبتكرة لإعادة تدوير واستخدام المواد. وبهذا فإن دمج الاستدامة في ممارساتنا المبتكرة يتيح لنا تقديم الطعام الشهي والاعتناء بكوكبنا الجميل في آن واحد."
الشيف أوليفييه باري Chef Olivier Barre
من لندن، ننتقل إلى جزر السيشيل Seychelles، وتحديدًا إلى منتجع Mango House الفاخر؛ حيث تحدثَ إلينا الشيف التنفيذي في LXR أوليفييه باري، عن رأيه بالإبتكار في الطهي.
ويقول: "بالنسبة لي، فإن الابتكار في الطهي يدور حول دفع الحدود واستكشاف آفاق جديدة للنكهة والأساليب. إنه فنٌ لابتكار تجارب طهي فريدة من نوعها، تُدهش الحواس وتُسعدها. وتكمن العوامل الرئيسية وراء نجاحه في مزيج من التقنيات المتطورة، والانفتاح على المكونات الجديدة، واعتماد أحدث التطورات في تقنيات الطهي. إنه مزيجٌ من الإبداع والتعاون والفهم العميق لاحتياجات العملاء ومتطلباتهم."
بالنسبة للشيف الفرنسي الذي يحمل خبرة تزيد عن 10 سنوات من الخبرة في الطهي ضمن مطاعم فرنسية حاصلة على نجمة ميشلان،وعلامات تجارية عالمية رائدة في مجال الضيافة؛ فإن المبادئ الأساسية التي تساهم في نجاح ابتكار الطهي هي التالية:
- الفهم العميق للعلوم والتقنيات الكامنة وراء فنون الطهي أمرٌ ضروري لدفع الابتكار.
- الإبداع وحب الاستكشاف أمران حاسمان في دفع الحدود والسعي لتطوير الظروف الحالية.
- الفضول والالتزام بتجربة تقنيات ومكونات جديدة أمران حيويان لاستمرار النمو.
- احترام المكون أمرٌ أساسي؛ ما يضمن الجودة والتميَز عند تقديم الطبق النهائي.
ويضيف أن جمال الوصفات التقليدية، يكمن في أصالتها الثقافية وأهميتها. "بصفتي طاهيًا، فإن دوري هو أن أكون راعيًا لهذه التقاليد مع تقديم طرق لتحقيق التوازن بين الحفظ والابتكار. يمكن لعملية ابتكار وتطوير الوصفات التقليدية أن تُعزَز قيمتها من خلال إضافة أبعاد جديدة والارتقاء بتجربة تناول الطعام. يتعلق الأمر بالحفاظ على جوهر وروح الطبق مع غرس عناصر إبداعية تحترم جذوره الثقافية."
ماذا بشأن الوصفات والأطباق التي طوَرها الشيف باري، وحازت إعجاب الجمهور؟
يجيب: "يبحث الناس بشكل متزايد عن أكثر من مجرد وجبة لذيذة؛ إنهم يتوقون إلى علاقة أعمق بالطعام الذي يأكلونه. لقد وجدتُ أن الأطباق ذات المعنى والقصة من ورائها، تميل إلى أن تلقى صدىً لدى الجمهور. يُقدَر مرتادو المطاعم معرفة مصادر المنتجات، والتقنيات المُستخدمة، وأهمية الطبق. كما أنهم يُقدَرون ممارسات التوريد المُستدامة التي تتوافق مع قيمهم وتساهم في مستقبل أكثر استدامة."
في المقابل، يرى الشيف التنفيذي في Mango House أنه يجب دائمًا احترام تقاليد ووصفات الطهي التي تحمل أهميةً ثقافية والحفاظ عليها. "فالمأكولات الاحتفالية والوصفات العائلية المتوارثة عبر الأجيال والتقنيات التقليدية والأطباق الوطنية الشهيرة، هي كنوزٌ يجب أن تُحافظ على أصالتها. في حين أنه من المغري التلاعب بهذه الوصفات، فمن الضروري احترام التقاليد والذكريات المرتبطة بها."
لا ينكر الشيف الفرنسي أن الإبتكار في الطهي يجذب المزيد من محبَي التذوق، ويقول: "الابتكار في الأطباق هو بمثابة دعوة للانطلاق في مغامرة في عالم الطهي. إنها تُثير الفضول وتجذب الانتباه وتُغري عشاق الطعام الذين يبحثون عن تجارب فريدة وغير عادية. يمكن لطبق مبتكر جيد التنفيذ أن يأخذ رواد المطعم في رحلة متعددة الحواس، ويُزوَدهم بالنكهات والقوام المتفرد والمتميز."
إلى أي مدى يساهم الابتكار في مجال الطهي بتحقيق الاستدامة؟
"الابتكار الواعي هو أداةٌ قويةٌ لدفع الاستدامة في عالم الطهي. من خلال البقاء على دراية ومعرفة بالقضايا البيئية، يمكننا اتخاذ خيارات مُستنيرة في مُمارسات الطهي التي نُطبَقها. إنَ اعتماد أنظمة غذائية دائرية، وتقليل النفايات، واستخدام تقنيات مُوفرة للطاقة، وتحديد مصادر المكونات المُستدامة هي بعض الطرق التي يمكن أن يساهم بها الابتكار في مستقبل أكثر خضرةً واستدامة. فعلى سبيل المثال، يعد ظهور البروتينات النباتية والبديلة، دليلًا على دور الابتكار في إحداث التغيير الإيجابي في هذه الصناعة."
الشيف ريكاردو بينا Chef Riccardo Pinna
المحطة الأخيرة في تقريرنا اليوم، أخذتنا إلى جزر المالديف الساحرة؛ أحد المنتجعات الفاخرة التي يذهب إليها السياح سنويًا للاستمتاع بجمال الجزر والخدمات المميزة التي يقدمها هذا المنتجع، ومنها تجربة الطعام التي يتولاها الشيف التنفيذي ريكاردو بينا.
ويجيب الشيف الذي يتمتع بخبرة سنوات طويلة في مجال الطهي وFine Dining؛ على أسئلتنا المتعلقة بالابتكار في الطهي قائلًا: "يتمثل الابتكار في مجال الطهي بطرح الأفكار الجديدة والإبداع على الطاولة. يمكن أن يتضمن ذلك تجربة تقنيات طهي جديدة، واستكشاف الجمع بين المكونات، وإضفاء لمسة عصرية على الوصفات التقليدية. وتساهم هذه العوامل بدور مهم في نجاح مشاريع الطهي من خلال إضافة لمسة فريدة ونكهات مميزة وعروض جذابة بصريًا لتجربة تناول الطعام. كل هذه العناصر تُعتبر عوامل رئيسية في مسيرتي في عالم الطهي."
المبادئ الرئيسية اللازمة لتحقيق ابتكار ناجح في مجال الطهي بالنسبة للشيف بينا، تتمثل بشكل أساسي في جودة المكونات الرئيسية؛"بصفتنا طهاة، يتمثل دورنا في تحسين النكهات الطبيعية بمهارة مع الحفاظ على أصالتها. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتماشى تقديم الطبق مع الطابع الخاص بالمطعم."
هذا الأمر لا يؤثر بشكل كامل في عملية ابتكار وتطوير الوصفات التقليدية وخسارتها لأصالتها، يضيف الشيف بينا؛ "في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان القيمة،وفي أحيانأخرى يمكن أن يزيد الابتكار من قيمة الوصفة. يعتمد الأمر على نوع المطعم والطابع الخاص به؛ إذا كنت تدير مطعمًا تقليديًا، فعادةً ما يكون التمسك بالأصالة هو السبيل المنشود، لأنه يحافظ على هذه التقاليد المُحبَبة. ومع ذلك، إذا كنت تدير مطعمًا حديثًا وعصريًا، فإن إضافة لمسة جديدة على التقاليد يمكن أن تزيد من قيمتها وتجذب جمهوراً أوسع."
يُطلعنا الشيف بينا على الوصفات التي قام بتطويرها ولاقت استحسان ضيوف المنتجع، منها
الوصفات الإيطالية الأصيلة والكلاسيكية التي تُعد الأكثر تفضيلاً دون أدنى شك. ويكمن سبب شعبيتها، في التحدي المتمثل في العثور على وصفات أصيلة وأصلية في الخارج. كان لذلك صدىً جيدًا لدى العملاء الذين يُقدَرون الجهد والتفاني في تقديم تجربة طهي إيطالية أصيلة.
من وجهة نظرك، ما هي تقاليد ووصفات الطهي التي تعتقد أنها يجب أن تظل دون تغيير؟
"كل شيء ولا شيء!" يجيب الشيف بحماس؛"أعتقد أن كل هذا يتوقف على المفهوم وتفضيلات الضيوف.أنا شخصيًا أحترمُ بشدة الوصفات التي تناقلتها عائلتي وتراث الطهي في منطقتي. تحتل هذه الوصفات مكانةً خاصة في قلبي، وسأتردد في إجراء أي تغييرات عليها. ومع ذلك، بمعنى أوسع، من المهم مراعاة رغبات وتوقعات الضيوف والتكيف وفقًا لذلك لخلق تجربة طعام استثنائية."
الابتكار في الأطباق.. هل يجذب المزيد من محبَي الطعام؟
"من المؤكد أن الابتكار في الأطباق له جاذبيةٌقوية ويمكن أن يحقق هذه الغاية. غالبًا ما ينجذب الضيوف إلى تجارب الطهي الفريدة، والابتكار يُوفر ذلك تمامًا. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن الابتكار قد يكون فريدًا، إلا أنه لا يعني بالضرورة أنه ألذَ من الأطباق البسيطة والأصيلة."
وفي رده على السؤال الأخير حول مساهمة الابتكار في مجال الطهي في تعزيز الاستدامة؛ قال الشيف بينا: "يمكن أن يساهم الابتكار في مجال الطهي بشكل كبير في الاستدامة؛ ولكنه يعتمد أيضًا على عوامل مختلفة. غالبًا ما تُجسد طرق الطهي التقليدية، ومنها تلك التي تمارسها جداتنا، أفضل مبادئ الاستدامة؛ مثل استخدام المكونات الطازجة من مصادر محلية وتقليل النفايات. ومع ذلك، مع ظهور الطابع العصري والعولمة، هناك حاجة لزيادة الوعي واستخدام الأساليب المبتكرة لتحديد أولويات البيئة."