الشيف مارك هارديمان لـ"هي": محظوظٌ بنشأتي وسط عائلة تحتفي بالطهو.. وكان الشرف الأكبر أن أطهو للملكة الراحلة إليزابيث الثانية
بعد تعيين الشيف البريطاني الشهير مارك هارديمان للإشراف على عمليات التجديد الشاملة التي يخضع لها مطعم بول آند بير في فندق والدورف أستوريا مركز دبي المالي العالمي؛وبإلهامٍ من المطبخ الأوروبي مع توليفةٍ من النكهات العالمية، سيحملالمطعم الذي سيحمل إسم بول آند بير باي مارك هارديمان ضيوفه إلى فصلٍ جديد في فنون الطهي. وذلك بالتزامن مع إطلاق هارديمان ثلاثة قوائم طعام مُخصصة، تتمحور حول مجموعةٍ من الأطباق التي تعكس طفولة الشيف العالمي وتحتفي بفنون الطهو العائلية التقليدية، ورحلته في عالم الطهو.
الشيف البريطاني الذي يبدع في ابتكار أطباقٍ جانبية، بجانب مهارته الفائقة في تحضير أطباق اللحوم، يحمل معه الكثير من الأفكار الخلَاقة لتحضير أشهى الأطباق التي تُلبَي ذائقة الناس في دبي. وقد كان لنا شرف إجراء مقابلةٍ معه على موقع "هي"، للتعرف أكثر على مسيرته التي تمتد لعقدين من الزمن؛ وأيضًا للوقوف على تجربته الخاص للطهي للملكة الراحلة إليزابيث الثانية.
ما الذي دفعكَ للدخول إلى مجال الضيافة والطهو، ومن كان مصدر إلهامكَ؟
هناك أسبابٌ عديدة قادتني إلى عالم الطهو، لكن أبرزها يعود إلى جدتي التي ألهمتني منذ صغري؛ حيث قضيتُ معها ساعاتٍ طويلة ونحن نطهو في المطبخ. كانت لديها قدرةٌ مذهلة على تحويل أبسط المكونات إلى أطباقٍ استثنائية، ولعلّ شغفها خلال تلك الجلسات اللطيفة هو ما أوقد محبتي لعالم الطعام.
كما اعتدتُ على الخروج مع جدي لصيد السمك، وكان يُعلّمني كيف نطهو ما نصطاده. شكّلت تلك اللحظات تجربةً عملية رائعة منحتني الوعي والتقدير للرحلة التي يمر فيها الطعام من الحقل إلى طبق المائدة. لذلك أعتبرُ نفسي محظوظاً بنشأتي وسط عائلة تحتفي بالطهو، حيث لعب المطبخ دورًا محوريًا في نمط حياتنا، واحتضن ذكرياتنا في إعداد جميع الأصناف من الكيك إلى الأطباق المشوية. وأعتقد بأنه لا يوجد ما يضاهي أطباق الشواء التي تُعدّها جدتي، وأطمحُ دائمًا لمحاكاة جودتها ومهارتها في تحضير هذه الوصفة خلال جلساتنا أيام الآحاد.
شاهد أيضًا: الشيف ألفين ليونج لـ"هي": لم أتدرب يومًا في مطعم
ما هي أبرز محطاتكَ المهنية، وبمن تأثّرت في مسيرتكَ كشيف؟
بدأت مسيرتي المهنية من فندق كاسل هاوس هوتيل وسط مدينة هيرفورد الإنجليزية في عمر 16 سنة، وكان الفندق حينها أفضل وجهةً لتناول الطعام على مستوى المملكة المتحدة. شكّل العمل هناك خطوةً مثاليةً رسمت ملامح مسيرتي، وكان لها الفضل في اتخاذي الطريق الذي سلكتهُ فيما بعد. ومنذ ذلك الحين، ساهمت كل محطةٍ في توجيه بوصلتي لبلوغ ما وصلتُ إليه، لتُكلَل تواجدي الآن في مطعم بول آند بير الخاص بإسمي، الشيف مارك هارديمن.
كما لعب التعاون مع الثنائي جيريمي راتا في فندق بوفي كاسل وريتشارد يونغ في فندق جريت فوسترز، دورًا محوريًا في بناء مسيرتي المهنية. وساهمت الفترة التي قضيتُها في فندق ذا ريتز بصفة شيف أول مساعد تحت إشراف الطاهي جون ويليامز، في صقل مهاراتي.
حظيتُ على مدى السنوات الأربع الأخيرة، بفرصة التعاون والعمل تحت إشراف الأخوين جالفن في مطعم جالفن آت ويندوز في الطابق العلوي من فندق لندن هيلتون بارك لين. ولولا هذه التجربة لما تمكّنتُ من التواجد هنا اليوم في دبي.
اقرأ أيضًا: الشيف يانيس سغارد لـ "هي": والدي صاحب الفضل الأكبر لشغفي بالطهي
لعب الأخوان جالفين دورًا بارزًا ومهمًا في رحلتي المهنية بكل تأكيد، كما تأثرت مسيرتي بالعديد من الأشخاص الآخرين من غير الطهاة، لا سيما أصحاب الفنادق والمطاعم؛ مثل جيريمي راتا وريتشارد يونج، واللذين تعلّمت منهما المعنى الحقيقي للضيافة كمفهومٍ يتمثّل في تقديم أفضل الخدمات والارتقاء بمستوى الجودة إلى آفاقٍ غير مسبوقة. وانطلقت رؤيتهما للضيافة كعنوانٍ للكرم والروح الطيبة، مما ألهمني لتطوير مهاراتي واستخراج أفضل نسخةٍ من شخصيتي سواء داخل المطبخ أو خارجه.
هلّا أخبرتنا عن غداء عيد الميلاد الذي حضّرته خصيصًا للملكة الراحلة إليزابيث والعائلة الملكية في قصر باكنغهام؟
في عام 2019، حظيتُ بشرف تحضير وجبةٍ احتفالية للعائلة الملكية في قصر باكنغهام، وهو احتفالٌ بعيد الميلاد مُخصص لأفراد طاقم وفريق الملكة الراحلة إليزابيث؛ حيث كان المشي في أروقة قاعة العرش أمرًا يفوق الوصف، وقد أصابني بالذهول. وأتذكرُ أنه عند وصولي إلى منطقة تقديم الخدمات، قمتُ بفتح الباب لأجد نفسي وجهًا لوجه مع الملكة إليزابيث شخصيًا؛ فقمتُ بالانحناء لها، وتابعتُ المشي لأتأكد من أن كل شيء يسير وفق الجدول المُقرر. بوصفي بريطانيًا، كان لي الشرف الكبير أن اقوم بالطهو لهذه الشخصية الملكية الاستثنائية وفريقها المتفاني، وستبقى ذكرى عزيزة على قلبي.
هلّا حدثتنا عن مخططات ومشاريع تعزيز الاستدامة في منصبكَ الحالي، بالإضافة إلى تحديات ابتكار وصفاتٍ خالية من مُنتجات الألبان؟
تتضمن الخطط تخصيص مساحةٍ للزراعة المائية ضمن مقر المطعم، لزراعة بعض الأعشاب المُستخدمة في أطباقنا، بهدف استخدام مكوناتٍ طازجة أكثر وتقليل الأثر البيئي. ونسعى لتحقيق أقصى استفادةٍ من كل مُكون، من خلال ابتكار طرقٍ جديدة لاستخدام جميع أجزاء المنتجات وتقليل الفاقد في المطبخ.
كما نحرصُ على إقامة علاقات شراكةٍ مع المزارع والمُورَدين المحليين؛ بهدف خفض بصمتنا الكربونية ودعم المجتمع الزراعي المحلي، ولنضمن في ذات الوقت استخدام مكوناتٍ طازجة عالية الجودة.
وعلى المستوى الشخصي، تدفعني معاناتي مع حساسية اللاكتوز إلى ابتكار أطباقٍ خالية من مُنتجات الحليب؛ مما يعزز مفهوم الضيافة الشاملة والتوجه نحو خياراتٍ صحية تُلبَي المتطلبات الغذائية المتنوعة لضيوفنا.
يلتزم المطعم أيضًا بتعديل قوائم الطعام بناءً على توافر المكونات الموسمية، بهدف تقليل الاعتماد على المواد المُستوردة وتقديم أطباقٍ طازجة بأسلوبٍ صديقٍ للبيئة. كما نُواصل عمليات تدريب الموظفين على ممارسات الاستدامة، لتعزيز ثقافة المسؤولية الفردية وزيادة الوعي حول التأثير البيئي لأنشطتنا.نخططُ للمشاركة في مبادرات الاستدامة المحلية، وندعو ضيوفنا في مطعم بول آند بير للمشاركة في الجهود الحثيثة نحو تبنَي الاستدامة واتخاذ خيارات واعية بيئيًا.
ما هي التحديات التي تتوقعُ مواجهتها في المنطقة وفي دبي تحديدًا، وكيف تخططُ لتجاوزها؟
شكّل الانتقال من لندن إلى دبي تحديًا استثنائيًا بكل معنى الكلمة، إذ تعيّن عليّ البدء من الصفر وفهم طبيعة العملاء المحليين واستكشاف تفضيلاتهم وثقافتهم الشرق أوسطية، والتعرّف على مشهد الطهو في الإمارات العربية المتحدة. بدا الأمر كعمليةٍ مستمرة من التعلّم والالتزام باستكشاف خبايا هذه الدولة دائمة التطور، بكل ما تتميَز به من ثقافةٍ عريقة في عالم الطعام.
وينصبّ تركيزي الأساسي على إتقان سلسلة توريد المنتجات لضمان تلبية الطلب بكفاءة. ويُعدّ التنظيم الجيد والتخطيط المسبق عنصران حاسمان للحفاظ على سير العمليات بسلاسةٍ، من المطبخ إلى المائدة. وأسعى إلى إرساء بيئةٍ دافئة تقوم على الحوار المتبادل مع الضيوف لمعرفة تفضيلاتهم والتجارب التي تلامس مشاعرهم، والحرص على إبداع وصفاتٍ مميزة تجمع بين التقاليد الموروثة والابتكار.
وبينما نلتزم في تقديم أفضل شرائح اللحم الفاخرة التي أثبتت مكانتنا الأصلية كمطعمٍ للحوم، فإننا نُركّز أيضًا على إعادة صياغة هوية علامة بول آند بير التجارية، لتصبح عنوانًا لتجارب تناول الطعام الغامرة، حيث يروي كل طبق حكايةً غنية بالإبداع.
ما هو الهدف الأول من عملك في مجال الضيافة/الأغذية والمشروبات؟
أسعى للارتقاء بتجربة تناول الطعام لضيوفنا، وخلق أجواءٍ وقوائم طعام وتجارب تفوق تطلعاتهم. كما أطمح إلى مشاركة معارفي وخبراتي مع الفريق، ودعم ثقافة التعلَم المستمر والنمو الشخصي فيما بينهم. ويسرني للغاية مشاركة خبراتي مع زملائي والعمل معهم لصقل مهاراتهم وبناء الثقة اللازمة لتحقيق النمو المهني والارتقاء إلى مناصب بارزة.
وإذا تفوَق التلميذ على أستاذه، فهذا يعني أنني أنجزتُ عملي على أكمل وجه.
ما هي الجوانب التي تحبها في عملكَ كرئيس طهاة؟
يتيحُ لي عملي كرئيس طهاة الكثير من الحرية، ويوفر لي الفرصة لاستكشاف مواهبي من خلال ابتكار أطباقٍ فريدة تروي قصصًا مميزة، بدعمٍ من أعضاء الفريق المتمرسين. وتتضمن مهامي الإشراف على تجارب ضيوفنا والخدمات المقدمة لهم، بمشاركة فريقٍ موهوب يُشاركني شغفي.
ما هي برأيكَ الركائز الأساسية لنجاح الطاهي؟
يجب أن يمتلك الطاهي الشغف والدافع والتصميم والرغبة بتعلّم شيءٍ جديد كل يوم. كما يجب أن يكون مستمعًا جيدًا، ولديه القدرة على أداء المهام بشكلٍ جيد تحت الضغط.
ما هو العنصر الأهم في المطبخ بالنسبة لمارك هارديمان؟
أعتقدُ أنه ركن الشوي، لأنه يتيح لنا الطهو بشكلٍ طبيعي على الفحم أو الحطب، ما يُعزَز نكهة الأطباق التي نقوم بتحضيرها. وقبل اختراع الأفران بوقتٍ طويل، كان الناس يطهون باستخدام المواقد في الهواء الطلق، وهي طريقةٌ يرجع تاريخها إلى قرونٍ مضت وتُمثَل أسلوب الطهو الطبيعي. وأعتقد أنها الطريقة الأفضل للطهو، لأنها تُوفَر أشهى النكهات الأصيلة.
ما هي طريقتك في إدارة النزاعات والمنافسات بين أفراد طاقم المطبخ؟
أعتقدُ أن المنافسة الصحية تلعب دورًا مفيدًا، لأنها تساعد على إبقاء الأشخاص مُتحفزين لتقديم الأفضل؛ ونحنُ نُشجعها من خلال تقديم المعرفة للفريق وتمكين أفراده من تحقيق أقصى إمكاناتهم. بالنسبة لنا، من السهل إنجاز أمرٍ ما بشكلٍ فردي، لكن إنجازه بالعمل كفريق هو أمرٌ رائع ويبعثُ على الرضا.
تلعب التكنولوجيا حاليًا، دورًا محوريًا في كافة المجالات؛ كيف برأيك يمكن لذلك أن يؤثر على مجال الطهو سواء بشكلٍ إيجابي أو سلبي؟
نمارس الطهو في أيامنا هذه وفق مواعيد ودرجات حرارةٍ دقيقة، ويرجع ذلك إلى التطور الكبير للمعدات الحديثة ودقتها. ولكن عندما كنت في مرحلة التعلَم، كان الطهو يتمحور حول اللمسة الخاصة بالطاهي وحدسه، حيث يمكن للطاهي معرفة ما إذا نضج الطبق بالاعتماد على شعوره؛ على سبيل المثال، تعلمتُ أن أقيس مدى النضج باستخدام يدي والحواس الأخرى. ومع تقدم التكنولوجيا حاليًا، يمكنكِ ببساطة استخدام مقياس، حيث ينطلق صوت مُنبّه عند وصول الطبق إلى درجة الحرارة المطلوبة، وينطفئ الفرن تلقائيًا.
أما فيما يتعلق بالجوانب الإيجابية والسلبية للتكنولوجيا، فهي تُمكَننا من الطهو باتساقٍ ودقة أكبر. ولكن من جهة أخرى، تحرمنا من فرصة تعلَم مهارات الطهو التقليدية، وتنمية مهارة الطهو دون الاعتماد على التكنولوجيا.
ما هي النصائح التي تودّ توجيهها لزملائك في قطاع الفنادق والأغذية والمشروبات في دبي؟
إن الحصول على التوجيه والثقة أمرٌ صعب المنال؛ لذا، ابحثوا عن طهاةٍ متمرسين يثقون بقدراتكم وموهبتكم ويوفرون لكك التوجيه والنصائح اللازمة. احرصوا على أداء عملكم بجدٍ وتفاني والاستمتاع به، واحتفظوا بجميع المعلومات التي تحصلون عليها ضمن سجلٍ يسهل الرجوع إليه متى دعت الحاجة.
هل تخطط لإجراء تغييراتٍ كبرى في المطعم؟ وهل ثمة مشاريع طموحة تلوح في الأفق؟
أهدفُ لابتكار تجربة تناول طعامٍ استثنائية لضيوفنا، وتلبية رغباتهم بما يفوق تطلعاتهم ويدفعهم للعودة مرارًا وتكرارًا إلى مطعمنا. كما أسعى لبناء علاقةٍ مميزة مع المُوردين، لنقدم للضيوف مكوناتٍ محلية عالية الجودة تُثري النكهات.
لا تقتصر مساعي العلامة على ترسيخ مكانتها الرائدة في مجال الابتكار والتميَز بتقديم أطباقٍ جريئة فحسب؛ بل تتبنى أيضًا منهجيةً فريدة في العمل، وتُوفر بيئة عملٍ مواتية لأعضاء الفريق. كما نسعى دومًا لابتكار معايير ضيافة تُشكَل مصدر إلهامٍ للجميع.