فيلم "Avatar: The Way of Water".. جيمس كاميرون ينتصر للعائلة والطبيعة والمؤثرات الخاصة!
صنع "جيمس كاميرون" فيلمه الأول ""Avatar عن كوكب بندورا الخيالي، هذا العالم الحافل بالتفاصيل البصرية الساحرة، وكان رهانه على رفع سقف طموح الصورة في السينما، والسفر بتجربة المشاهدة السينمائية إلى مسافات أبعد من كوكب بندورا نفسه. صنع كاميرون عالماً خيالياً بديعاً، وحرص على أن يصدقه المشاهد؛ ومن أجل هذا أعد له حالة مُشاهدة مختلفة، وشاهد الجمهور الفيلم الأول من خلال تقنية متطورة للصورة ثلاثية الأبعاد، ولمزيد من الدقة أضاف في فيلمه الجديد ""Avatar: The Way of Water "أفاتار: طريق الماء" تقنية تكثيف عدد فريمات الصورة في الثانية الواحدة؛ مما جعل المشاهد يُعايش ما يراه كأنه داخل تفاصيل الفيلم، ولكن هل كافِ لإبداع سلسلة سينمائية عظيمة؟
ناشيونال جيوجرافيك في بندورا!
في الجزء الأول من أفاتار رأينا "النافي" أو شعب الغابة من الكائنات الزرقاء الشبه بشرية، وهم قوم يعيشون حياة بدائية هادئة مُسالمة يغلب عليها الطقوس الروحانية المُرتبطة بالطبيعة، وفي فيلمه الجديد يكشف عن مناطق مجهولة من هذا الكوكب الأعجوبة؛ فنرى شعب الماء الذين يعيشون فوق وتحت الماء، ولهم نسختهم الخاصة من الطقوس في حياتهم اليومية، ورغم كل الصراعات ومشاهد الحركة التي يضمها الفيلم يبدو هوس كاميرون بتفاصيل عالمه البصري هو هدف سلسلة أفلامه.
صدر الجزء الثاني من فيلم "أفاتار" بعد 13 عاماً من عرض الجزء الأول، وهو وقت طويل للغاية للإنتظار، ولكن المُشاهد لن يجد مشكلة في متابعة أحداث الحبكة الدرامية؛ فالفيلم يُقدم تجربة بصرية سينمائية تؤطرها حكاية درامية بسيطة، وتفاصيل درامية عادية، وسيكون هم المُشاهد إختيار شاشة السينما الأفضل للفرجة على الشو الذي يقدمه "جيمس كاميرون" في مدة تزيد على الثلاث ساعات، ومن المؤكد أن روعة المكان في بندورا تطغى على جاذبية الأحداث التي تدور فيه.
في بعض المشاهد الطويلة التي تستعرض عالم شعب المياه البحري يبدو الفيلم كحلقة من ناشيونال جيوجرافيك، تستعرض جمال الطبيعة في بندورا، وهناك حرص واضح على إستعراض ملامح هذا العالم ومنح المشاهد الفرصة لتأمل تفاصيله؛ فهى ليست مجرد خلفيات للأحداث يُمكن المرور عليها دون تركيز، وعلى الأغلب سينافس الفيلم بقوة على جوائز الأوسكار في فئات المؤثرات البصرية والصوتية والأزياء والديكور، وهى الفئات التي يتفوق فيها الفيلم.
أزمة العائلة الزرقاء!
"جاك سولي-سام ورثنجتون" الجندي القعيد أعاد اكتشاف نفسه وأهدافه حينما أصبح أفاتار شبيه بكائنات النافي التي تسكن الغابة في بندورا في الجزء السابق، لم يحصل فقط على هيئتهم وملامحهم بعد تعرضه لتجربة علمية شديدة التطور، بل حصل أيضاً على ساقين قادرتين على الحركة، وبدلاً من أن يكون جاسوساً لقوات الغزو البشرية للكوكب الجميل يقع في غرام المكان وأهله، ويجد لديهم تقبل للأخر رغم انتمائه لعرق يهدف إلى استعبادهم وتدمير عالمهم للحصول على مصادر الطاقة الوفيرة في أراضيهم، ويقع جاك في حب الأميرة "نيتيري- زوي سالدانا" ويتزوجها، وبالطبع يقف ضد أهداف جماعته من البشر، وينتصر الخير على الشر ويُصبح جاك زعيماً للنافي، ولكن الحدوتة لا تنتهي عند ذلك.
يركز الجزء الثاني على العائلة؛ فقد أنجبت نيتيري ولدين وبنت، بالإضافة إلى ابنة بالتبني، وصبي بشري لم يتمكن والده القائد العسكري البشري نقله معه إلى الأرض، وقد أصبحوا جميعاً في سن المراهقة، وأبناء جاك ونيتيري هجين من الملامح البشرية وملامح قبائل النافي، ولدى الولدين كل الشغف بالقتال وركوب الحيوانات الطائرة، في حين تميل الإبنة لتأمل الطبيعة والتواصل معها.
يهتم سيناريو الفيلم بعائلة جاك سولي ومصيرهم، ويحفل بكلاشيهات حكايات ومشاكل المراهقين اليومية كأى عائلة في مسلسل سوب أوبرا تقليدي؛ أبناء في سن استكشاف العالم والتمرد والحماقة، وأب وأم لديهما خوف دائم على أبنائهما، ويتصاعد الخوف حينما تعود قوات البشر من أجل القضاء على الجندي الخائن وعائلته، ويدفع ذلك جاك سولي للفرار بعائلته إلى جزيرة بعيدة يقطنها قوم الماء.
كاميرون يعود للماء!
كان غرق السفينة تايتانيك هو مفتاح علاقة المخرج "جيمس كاميرون" بالبحر؛ فهو لم يهتم فقط بتصوير ما حدث لتلك السفينة المنكوبة في الواقع، بل شغف بتتبع مصيرها بعد أن غرقت في المحيط، وأخرج فيلمه الوثائقي عن حطام السفينة القابع في قاع المحيط منذ غرقها عام 1912، وجزء من اهتمامات كاميرون الشخصية والإبداعية إكتشاف الأعماق، وقد شارك في تصميم غواصة صغيرة متطورة تستطيع الغوص لأعماق سحيقة في مناطق لم يصل إاليها إنسان من قبل، وفي فيلم "أفاتار: طريق الماء" يعود مرة أخرى للأعماق؛ فقد وصلت عائلة جاك سولي المُطاردة إلى قبائل الشعاب المرجانية، وأصبح عليهم التكيف على الحياة اليومية للمكان الجديد، ومواصلة الكفاح ضد الشر القادم مع غزو البشر.
عالم أفاتار ينتصر للطبيعة والجمال والحب والعلاقات العائلية، وهذه هى أكثر عناصر الفيلم جاذبية رغم أنها على المستوى الدرامي لا تُقدم من خلال حبكة أصيلة ومختلفة، وتفاصيل الدراما بالفيلم عادية ويطغى عليها تفاصيل المكان ومُغامرات الأكشن، وانفعالات الشخصيات وصخبها لا يتغير؛ مشاعر الغضب والإنتقام التي تتحول إلى مشاهد أكشن عنيفة، ومشاعر الحب والتعاطف التي تجعل الطبيعة الجميلة وسيلة للتعبير عنها، ويحاول الفيلم التنقل بين الحالة البصرية الجمالية التأملية وحالة العنف وألعاب الفيديو جيم بشكل متصل؛ ربما لإدراك جيمس كاميرون أن الفيلم ليس ملحمة سينمائية للخاصة، بل فيلم خيالي يسعى لإعجاب شريحة عريضة من الجمهور تُحقق لهوليوود مليارات تعوض بعض خسائرها خلال سنوات جائحة كورونا الماضية.
إذا حاولنا نزع المؤثرات الخاصة أو تقليل دورها إلى أقل قدر ممكن لن يتبقى من الفيلم دراما قوية تمنح الفيلم نفس الزخم، يدخل الجمهور لمشاهدة إبهار عالم أفاتار؛ ولهذا يُدقق في إختيار الشاشة التي سيُشاهد عليها الفيلم، وتأتي الحبكة في الخلفية، وهذا أمر أصبح مقبولاً في أغلب أفلام المغامرات الأمريكية ضخمة الإنتاج.
الصور من صفحة الفيلم على تويتر