مسلسل " Wednesday"

رغم شعبيتها.. سبب انصراف صناع الدراما العربية عن أعمال الخيال العلمي والفانتازيا

هالة أبو شامة
9 يناير 2023

السفر عبر الزمن واقتحام كواكب ومجرات جديدة ومحاربة الفضائيين والوحوش ومصاصي الدماء، كلها قصص ومغامرات مُستحبة منذ بدايات القرن الماضي لدى نسبة كبيرة من الجمهور حول العالم، فالإنسان هو كائن فضولي وحالم بطبعه وهاتان الصفتان هما جوهر أعمال الخيال العلمي والفانتازيا.

أقرب دليل على ذلك، الضجة التي أحدثها مسلسل "
Wednesday" المستوحى من عائلة آدامز، عقب عرضه موخرا، إذ حقق في الأسبوع الأول من طرحه عبر "نتفليكس" 341.2 مليون ساعة مشاهدة، متفوقا بذلك على مسلسل " Stranger Things" الذي عرض على نفس المنصة، وفقا لموقع "ديلي ميل"

ومن قبل هذين العملين كان هناك أعمال أخرى نالت شعبية واسعة في العالم بأسره، كان أبرزها على سبيل المثال وليس الحصر فيلم "لا تنظروا إلى السماء"، سلسلة "هاري بوتر"، "مملكة الخواتم"، "قراصنة الكاريبي"، "حرب النجوم"، "أفاتار"، "مشروع آدم"، "سقوط القمر"، "ويلي وينكا" ومسلسل "صراع العروش" وغيرها الكثير، إلا أن جميعها إنتاجات غربية، وهذا لا يعني بالتأكيد انعدام المحاولات العربية لصناعة أعمال من نفس التصنيفين.

"رحلة إلى القمر".. بداية الإلهام

شرارة إنتاجات الخيال العلمي والفانتازيا انطلقت لأول مرة عام 1902، بفضل الفيلم الصامت الذي أخرجه الفرنسي جورج ميلييس بعنوان "رحلة إلى القمر" لتتوالى من بعده العديد من الأعمال العالمية، أما عربيا فقد أوضحت بوابة "دار المعارف الإخبارية" أن السينمائيون أرّخوا لظهور أول فيلم عام 1934، حينما أنتجت السينما المصرية فيلم "عيون ساحرة" للمنتجة آسيا داغر، والذي كانت أحداثه تدور حول سيدة تحاول إحياء حبيبها المتوفى من خلال تعاويذ وطقوس سحرية، فيما لفت البعض إلى أن فيلم "السبع افندي" الذي تم إنتاجه عام 1951، هو ثاني أعمال الخيال العلمي، نظرا لأن أحداثه تناولت قصة موظف مضطهد يقرر الانتقام لنفسه بعد اكتسابه قوة خارقة بين ليلة وضحاها.

رغم أن العملين السابقين نُسبا لفئة الخيال العلمي، إلا أنهما كانا أقرب للفانتازيا، لذا نجد الأغلبية اتفقت على أن الفيلم الكوميدي الذي أخرجه حمادة عبد الوهاب عام 1959 بعنوان "رحلة إلى القمر" وقام ببطولته كل من الفنانين الراحلين إسماعيل يس، ورشدي أباظة، هو بداية شرارة إنتاجات الخيال العلمي، رغم أن أحداثه دارت في إطار كوميدي رومانسي عن ثلاث أشخاص يسافرون للقمر بواسطة صاروخ فضائي تم تصميمه وفقا لأحدث النظريات العلمية، ليقابلوا هناك إنسان آلي ورجل يعيش مع ابنته ومجموعة فتيات آخريات ولديه خبرة علمية متقدمة أكثر بكثير مما توصل له علماء الأرض.

كان هناك تجارب أخرى وصفت بأنها أفلام كوميدية، مثل "سر طاقية الإخفاء"، للمخرج نيازي مصطفى، عام 1959، و"هـ 3" للمخرج عباس كامل، عام 1961، و"أرض النفاق" عام 1968، للمخرج فطين عبد الوهاب، الذي أخرج أيضًا "الفانوس السحري" عام 1960، وغيرها، إلا أنه بحلول عام 1987، تم عرض فيلم "قاهر الزمن" للمخرج كمال الشيخ، واعتبره الكثيرون أول تجربة حقيقية في ذلك المجال نظرا لأن قصته التي أُخذت عن رواية حملت نفس الاسم للكاتب نهاد شريف، تحدثت عن طبيب يعمل على بحث علمي خاص بتجميد أجساد البشر الذين يعانون من أمراض نادرة، هذا بجانب فيلم "الرقص مع الشيطان" الذي أخرجه علاء محجوب، عام 1993، ودارت أحداثه حول أستاذ جامعي يستخرج من زهرتين غريبتين عقار يساعده على السفر عبر الزمن، وكلا الفيلمين كانا بطولة الفنان الكبير الراحل نور الشريف.



ميزانيات ضخمة وتقنيات متقدمة

لم تتوقف محاولات صناع السينما والدراما العربية على مدار السنوات الماضية، لكن أعمالهم لم تصل يوما لنفس المستوى الذي أصبحت عليه الإنتاجات الغربية سواء من ناحية الفكرة أو حتى التنفيذ، وهذا ما فسره الناقد الفني ماهر منصور، في تصريحاته لمجلة "هي" بأن هذه الأعمال تحتاج لميزانيات ضخمة لاعتمادها على تقنيات تتجاوز ما يحدث في مواقع التصوير، موضحا أن التكلفة العالية ربما ترجع إلى أن هذه التقنيات يتم استيرادها، مضيفا أنه في حال ما إذا كانت متاحة بالفعل في العالم العربي فغالبا ما يتم تنفيذها بجودة وكفاءة أقل، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على جودة العمل ككل.

في نفس السياق، أوضح "منصور" أنه بفضل انفتاح العالم العربي على الإنتاجات الغربية بعد انتشار منصات البث الإلكتروني أصبح من السهل على الجمهور مقارنة الأعمال ببعضها البعض ومعرفة ما إذا كان العمل ذو جودة عالية أم لا، لافتا إلى أن الجودة لا تقتصر فقط على التقنيات المستخدمة، وإنما أيضًا تشمل الناحية الإبداعية والفكرية.

أفكار مستوردة لا تناسب المتلقي

بالنظر للجانب الإبداعي والفكري للأعمال العربية المطروحة في السنوات الأخيرة، نجد أن قصصها لم تبتعد كثيرا عن الإنتاجات الغربية، فأغلبها تناول فكرة صناعة الروبوتات، مثل المسلسل الاجتماعي الكوميدي "في بيتنا روبوت" الذي استعان بالفنانين شيماء سيف، وعمرو وهبة، ليجسدا بنفسهما دور روبوتين بدلا من استخدام مونتاج أو روبوتات حقيقية، فيما ذهبت مسلسلات أخرى لأفكار تخيلت حال البشر والتدمير الذي لحق بالبلاد نتيجة الصحوة التكنولوجية الكبيرة والتقدم العلمي السريع، مثل "الجسر" و"النهاية" وغيرهما.


علق الناقد الفني رامي عبد الرازق، على ذلك لـ"هي"، قائلا إن أعمال الخيال العلمي والفانتازيا بالعالم العربي هي مسألة جدلية وبها أطروحات عدة لكننا نتفق على أن إقناع المشاهد بها قائم في الأساس على قيمتها الإنتاجية، وبخلاف حجم المؤثرات والميزانية، فإن تلك القيمة تشمل الموضوع ذاته، فلا بد أن يكون مقنعا ومناسبا لطبيعة المتلقي، مؤكدا أن الصناعة العربية تعاني حاليا من أزمة في أفكار الخيال العلمي والفانتازيا لأنها مستوردة من الخيال العلمي الغربي والأمريكي والآسيوي.

أضاف "عبد الرازق" أنه حينما يستورد الغرب أفكارا عربية مثل "ألف ليلة وليلة" يقدمها في شكل لطيف وجذاب ومؤثر، بينما حينما تقدم نفس الأفكار عربيا يطغى عليها الطابع الكوميدي، لذا فإن الأزمة ليست أزمة تكلفة إنتاجية وإنما أزمة موضوع.. هذا ما أعاده بالذاكرة لمسلسل "ألف ليلة وليلة" الذي أخرجه رؤوف عبد العزيز عام 2015، حيث قال إن مشاهد العمل والشخصيات مستوحاة من "مملكة الخواتم"، في حين أنه عندما تم إنتاج نفس العمل في ثمانينيات القرن الماضي فإنه تضمن مساحة كبيرة من الخيال والإبداع رغم ضعف الإمكانيات حينها، موضحا أن إبداع ذلك العصر كان قادرا على إيهام الجمهور في حدود إمكانيات زمانهم وبموضوع قريب من خيالهم وتراثهم.


تراث شعبي غني بالماورائيات

وفي هذا الإطار، أشار الناقد الفني ماهر منصور، إلى أن التراث العربي الشعبي غني بالماورائيات والغيبيات وتناسخ الأرواح إلا أننا نفتقر إلى القدرة على تقديمه رغم وجود كفاءات عربية يمكن أن تعمل عليه لأن الأمر يحتاج إلى تكلفة مالية ضخمة.

فيما رأي رامي عبد الرازق، أن الصناعة العربية لم توفق مؤخرا في تقديم أعمال الماورائيات، موضحا أنه حينما تم إنتاج مسلسل "ما وراء الطبيعة" الذي عرض على نتفليكس عام 2020، تم اقتباس بعض مشاهده من أعمال أجنبية مثل "عودة المومياء" و"كينج كونج"، واصفا ذلك بأنه "شيء مُضحك".

مسلسل "ما وراء الطبيعة"
مسلسل "ما وراء الطبيعة"

الخيال العلمي والفانتازيا في الأعمال الإذاعية

من ناحية أخرى، كان للإذاعة المصرية خلال سنوات ازدهارها في القرن الماضي، تجارب عديدة في صناعة مسلسلات الخيال العلمي والفانتازيا، من أبرزها "عروس الفضاء" من تأليف أنور قزمان، وإخراج حسني عبد العزيز، و"أبو لمعة رجل الفضاء" تأليف محمد أحمد المصري، وإخراج أمين بسيوني، ومسلسل "غريب في واد القمر" تأليف أحمد عبد الفضيل وإخراج محمد مشعل، وغيرها الكثير من الأعمال التي يصعب حصرها حاليا، وهذا يشير إلى أن تلك النوعيات من التمثيليات كانت رائجة ومحببة لدى الجمهور، إلا أن تراجع شعبية الإذاعة تزامنا مع تطور السينما والتلفزيون، صاحبه أيضا تراجعا واضحا في الإقبال على هذه الإنتاجات.

في مقابل ذلك، شهدت الإذاعة صحوة أخرى مع ظهور البودكاست على الإنترنت، مما ترتب عليه إعادة إحياء هذه التمثليات الإذاعية، وبشأن ذلك تحدث مصطفى خضر، المؤسس والمدير التنفيذي لبوفو ستوديوز، لـ "هي" عن الصعوبات التي يمكن أن تواجه صناع العمل الإذاعي في صناعة أعمال الخيال العلمي والفانتازيا، حيث قال إننا نعاني في العالم العربي من قلة عدد الكُتاب القادرين على كتابة الخيال العلمي بكل أركانة الصحيحة التي تتوافق مع الكتابة الدرامية الصوتية، والتي تساعد بدورها المنتج الصوتي على مزج خياله مع خيال الكاتب لصناعة منتج نهائي يشبه الأفلام السينمائية الناجحة.

فيما لفت "خضر" إلى أن القارئ للنص أيضًا يمكن أن يكون مفتقرا لمهارات أداء الجمل والنصوص من خلال عدم إدراكه للفرق ما بين الإشارة الصوتية والتشخيص الصوتي وهما عنصرين يساعدان كثيرا في إظهار المعنى المطلوب للمشهد الصوتي الخاص بالخيال العلمي، مضيفا أيضًا أنه من بين الصعوبات قلة المخرجين الصوتيين المتميزين في هذا المجال والقادرين على إظهار وإخراج ما كُتب إذا ما تم تأديته جيدا في أحسن صورة، هذا بالإضافة الصعوبات المادية نظرا لأن هذا النوع من الكتابات الصوتية تكلفته تبلغ من 3 إلى 4 أضعاف الكتاب العادي.


 

المعادلة المكتملة

وبخلاف النصوص المعدة للأعمال الإذاعية، فقد لفت الناقد الفني رامي عبد الرازق، النظر إلى أن الكتابات والقصص الخاصة بالمعالجات السينمائية والتلفزيونية بعيدة عن التاريخ العربي أو المصري أوالسير الشعبية التي تحتوي على جانب خيالي أو عجائبي، بالتالي لا تناسب مُخيلة الجمهور الشرقي، لافتا إلى أن هذه النوعية من الموضوعات تشد الانتباه كثيرا في عالمنا العربي مثلما حدث مع فيلم "الفيل الأزرق" الذي حقق إيرادات تاريخية بعد فترة تاريخية من عرضه في السينمات، مفسرا ذلك بأن معادلة الفيلم كانت شبه مكتملة، إذ جمعت ما بين قصص الجن والعفاريت والتصرفات الخارجة عن إرادة البشر، وما بين القيمة الإنتاجية المناسبة والتي وفرت بدورها درجة كافية من الإيهام والإقناع، مؤكدا على أن الأمر برمته متعلقا بالثقافة والرؤية والقدرة على استخلاص الموضوعات القريبة من مخيلة المتفرج.


من جانبه، اختلف الناقد ماهر منصور، مع الرأي السابق، قائلا إن الجمهور العربي يميل بشكل عام للحكايات الواقعية، لذا فإن الفئة التي تتهافت على أعمال الخيال العلمي والفانتازيا هم من تربوا على الدراما الغربية الحديثة، لافتا إلى أنه من الممكن في ظل المنافسات المستمرة ووجود منصات البث التي يتكون أغلب جمهورها من الشباب، أن تتسع دائرة الجمهور ويصبح هناك استجابة أكبر من قِبل القائمين على الصناعة لتقديم تلك النوعية من الأعمال، لكن ستظل مشكلتها هي ضعف الكفاءة التقنية.

الصور من حسابات نتفليكس وشاهد الرسمية على "فيسبوك"