في ذكرى ميلاد أوليفر هاردي.. عامل ماكينة العرض الذي صنع منه شريكه لوريل أُسطورة الكوميديا!
هو الشخص الذكي الذي لا يدرك من فرط حماقته أنه أغبى من رفيقه الغبي؛ هذا هو الوصف الذي أُطلق على الشخصية السينما للكوميديان الأسطورة "أوليفر هاردي" (18 يناير 1892 – 7 أغسطس 1957)، صاحب البنية الضخمة والوزن الزائد، والمُميز بالوجه الطفولي والشارب الصغير والقبعة المضحكة، ومالك نصف ضحكات أفلام الثنائي "لوريل وهاردي"، والذي دخل عالم التمثيل بلا تخطيط مُسبق؛ فلم يكن من عائلة فنية، ولم يسع لاحتراف التمثيل، وقد شغف بالغناء، وكان يمتلك صوتاً جميلاً بالفعل، وقد بدأت علاقته بالكوميديا بسبب بدانته؛ فهو كأى صبي بدين عُرضة للتنمر والضحك على وزنه، ولكنه قاوم ذلك بإطلاق الكثير من السخرية والنكات حتى على نفسه، وكانت خطته هى: "دعهم يضحكون معك بدلاً من أن يضحكون عليك".
مُغني وفني كهرباء ومواهب أخرى!
وُلد "نورفيل هاردي" في ولاية جورجيا الجنوبية، ولم يكن لوالديه أى علاقة بمجال الفن أو التمثيل، وكان والده "أوليفر" من المحاربين القدماء، وبعد نهاية الحرب الأهلية الأمريكية قام بمساعدة والده في جمع القطن من مزرعة العائلة، ومات بعد ولادة ابنه "نورفيل هاردي" بعام واحد، وحينما أصبح الابن شاباً أطلق على نفسه إسم "أوليفر" تكريماً لذكرى والده، وأصبح اسمه الرسمي في جميع الأوراق الرسمية.
امتلك "أوليفر هاردي" منذ طفولته صوتاً جميلاً؛ ودفعه ذلك للبحث عن فرص لاحتراف الغناء، ولم يكن شغوفاً تماماً بالتعليم، وهرب أكثر من مرة من المدرسة الداخلية لينضم لكورال الغناء في بعض الفرق المسرحية، وكان ذلك في سنوات المراهقة، ولم يُحقق له الغناء المال الكافي، وبحث عن أى عمل يُوفر له نفقات الحياة اليومية.
حينما بلغ عمره 18 عاماً في عام 1910 حصل على فرصة عمل مُتواضع في دار سينما حديثة الإنشاء في بلدته، ووقتها تم تسجيله في الوثائق الرسمية للتعداد كفني كهرباء يعمل في مسرح، وكانت وظيفته وقتها تشغيل ماكينة العرض السينمائي الكهربائية، وأتاح له هذا مُشاهدة العديد من الأفلام الصامتة القصيرة من موقعه في غرفة آلة العرض، وكان يُردد دائماً لمن حوله أنه يستطيع التمثيل أفضل من هؤلاء الممثلين الذين يظهرون في الأفلام التي يعرضها للجمهور.
نصحه أصدقائه بالإنتقال إلى فلوريدا ليكون قريباً من شركات الإنتاج، وهناك نجح في الإنضمام لشركة لوبين للإنتاج السينمائي، وكان موظفاً في الصباح، وفي المساء يقوم بالغناء وتقديم فقرات الفودفيل في بعض الملاهي الليلية.
بدأ شغفه يزيد بالسينما، ونجح في الحصول على فرصة الوقوف أمام الكاميرا، وبعد أول يوم تصوير لم يتوقف "بيب هاردي" كما كان اسمه يُكتب على التترات وقتها عن التمثيل، وبدأت ماكينات العرض تدور بالمزيد من أفلام عامل ماكينة العرض سابقاً.
هاردي قبل لوريل!
شكلت ملامح "أوليفر هاردي" وضخامته شكل أدواره في السينما؛ فكان يُقدم دور الرجل الشرير ضخم الجثة ، وشارك كممثل مساعد في العديد من الأفلام الصامتة القصيرة، أولها فيلم Outwitting Dad عام 1914، وخلال عام واحد شارك في حوالي 50 فيلماً، وكانت بعض أدواره جادة وميلودرامية.
في بداياته كان "هاردي" يُقلد أداء ممثل بدين أخر يُدعى "اريك كامبل"، وصنع ثنائي مع ممثل أخر يُدعى "بيلي ويست"، وكان هذا الأخير يقلد "شارلي شابلن"، وفي 1921 قام "هاردي" بدور لص يحاول سرقة بطل الفيلم الذي قام بدوره كوميديان بريطاني شاب يُدعى "ستان لوريل"، وكان الفيلم بعنوان The Lucky Dog "الكلب المحظوظ"، ولم تتبلور علاقة الثنائي الكوميدي "لوريل وهاردي" بصورة أعمق إلا بعد هذا التاريخ بست سنوات.
قبل بداية الثنائي "لوريل وهاردي" كما نعرفهما التقيا من حين لأخر في أعمال مختلفة، منها مشاركة "هاردي" في فيلم من اخراج "ستان لوريل"، كما شاركا معاً في فيلم بعنوان "45 دقيقة من هوليوود"، ولكنهما لم يظهرا معاً في الفيلم في أى مشهد مشترك.
ساهمت تلك المرحلة في صقل موهبة "أوليفر هاردي" الذي لم يكن قد استقر بعد على شكل فني يميزه، وقيده المنتجون والمخرجون في دور البدين الشرير، وحاول في أدواره الأولى مع "ستان لوريل" إعادة صياغة شخصيته السينمائية، ولعب على فكرة التناقض الشكلي والجسماني بينه وبين "لوريل"، وقد منحه "ستان لوريل" الكثير من ملامح شخصيته على الشاشة؛ فقد كان يكتب قصص كثير من أفلامهما معاً، ويصوغ النكات ويصمم المشاهد ويُخرجها في الكثير من الأحيان، ويُمكن أن نقول ان أسطورة "هاردي" من صُنع شريكه "لوريل".
قام "لوريل" بدور التابع النحيل الطيب شديد السذاجة، في حين خفف "هاردي" من دور الشرير المُطلق، وجسد دور الشخص الضخم الغاضب، الأكثر ذكاء وسيطرة، ضحية سلوكيات رفيقه الغبية، وكان يقوم بالنظر للكاميرا كلما تورط في موقف غبي صنعه "لوريل، وكان يتنمر بصديقه الضعيف الساذج الشارد دائماً، ورغم ذلك لا تخلو شخصيته من الحمق والسذاجة هو الأخر.
البحث عن وظيفة!
لاحظ المخرج "ليو مكاري" وفريق الإنتاج في ستديوهات "هال روتش" ردود فعل الجمهور الإيجابية على الأفلام التي جمعت "لوريل وهاردي"، وبدأ التفكير في صناعة أفلام أخرى تضمهما معاً، منها فيلم "معركة القرن" التي تصور أكبر معركة فطائر تم تصويرها في السينما، وفي فيلم Brats جسد لوريل وهاردي دوري طفلين صغيرين، وقاما بالتمثيل وسط ديكور يضم أثاث ضخم للغاية، وحصل فيلمهما الصامت القصير The Music Box على الأوسكار عام 1932، وبدا للجميع أن هذا الثنائي يُقدم تركيبة كوميدية ناجحة وجذابة.
بدأت مرحلة السينما الناطقة في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، ومعها انطلقت مسيرة الثنائي "لوريل وهاردي"، وقدما العديد من الأفلام القصيرة والطويلة التي خلدت في تاريخ السينما الأمريكية والعالمية، وأصبحت ملهمة لكثير من التجارب الكوميدية في العالم.
كانت بداية تعاون "لوريل وهاردي" الفني تواكب بداية حقبة الكساد العالمي التي ضربت الولايات المتحدة والعالم نهاية العشرينيات من القرن الماضي، واستمرت لسنوات؛ وكانت قصص الفقر والبحث عن وظيفة من الموضوعات الناجحة للغاية؛ فقد كانت تُصور بسخرية المدى الذي يصل اليه الإنسان في سبيل الحصول على مهنة تُوفر له لقمة العيش، وكان غباء الثنائي "لوريل وهاردي" هو مصدر حلولهما الحمقاء للتحايل على فقر مهارتهما وعجزهما عن إنجاز أى عمل حتى النهاية.
في فيلم Big Business حاولا بيع شجرة عيد الميلاد لزبون غاضب، وتحول رفضه واهانته لهما إلى حرب تتسبب في تدمير سيارتهما ومنزل الرجل؛ فحاجتهما للمال لم تعني التنازل عن كرامتهما أبداً، وفي فيلم "صندوق الموسيقى" حاولا توصيل بيانو لمنزل يقع على مرتفع، وكان عليهما تحريك البيانو إلى أعلى على درجات سلالم طويلة جداً، وكلما فشلا حاولا من جديد؛ كأنهما يعيدان أسطورة سيزيف الذي حكمت عليه آلهة الأوليمب بدفع صخرة من سفح الجبل إلى قمته، وكلما سقطت يبدأ المحاولة من جديد، فمع كل عيوب "لوريل وهاردي" تميز كلاهما بالدأب والاخلاص وعدم اليأس.
هاردي يفقد وزنه ومرحه!
ضخامة "أوليفر هاردي" وبدانته كانت أحد أسباب شهرته الواسعة، ولكنه فقد الكثير من وزنه بعد اصابته بنوبة قلبية وجلطة في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ويُقال انه أصيب بالسرطان وفقد وزنه رغماً عنه ولم يكن يتبع حمية كما أُشيع وقتها.
تغيرت ملامحه تماماً، وتوقف عن التمثيل وعانى بعدها من مشكلات صحية بالغة، وفي نفس الفترة الزمنية عانى رفيقه "ستان لوريل" من سكتة دماغية، وتدهورت صحة "هاردي" عام 1957 ودخل في غيبوبة قصيرة مات على إثرها، ولم يتمكن صديقه لوريل من حضور جنازته بسبب مرضه، وقال لأصدقائه "سيتفهمني بيب".
عاش "ستان لوريل" بعد وفاة "أوليفر هاردي" حوال 8 سنوات، ولم يقبل المشاركة في أى عمل فني بعد وفاة رفيقه، رغم ترشيحه للظهور الشرفي في عديد من الأعمال الهامة، ولكن رفضها جميعاً؛ وغالباً كان يشعر في أعماقه أنه فقد نصف شخصيته السينمائية، وقد تعود هو والجمهور على وجوده على الشاشة بصحبة صديقه "هاردي"، وبدونه لا يستطيع مواجهة الكاميرا مرة أخرى.
الصور من المنتدى الرسمي لـ لوريل وهاردي عبر تويتر