فيلم "الباب الأخضر".. حكاية ساذجة عن الخير والشر وميلودراما بالكاد تشبه عالم أُسامة أنور عُكاشة!
هل كتب "أسامة أنور عُكاشة" قصة وسيناريو وحوار فيلم "الباب الأخضر"؟
أجلت مشاهدة الفيلم الذي عرضته مؤخراً منصة WATCH IT عدة أيام؛ حتى أتفرغ للاستمتاع بمشاهدة عمل من إبداع كاتب دراما مُبدع له رصيد من الأعمال البديعة، ومُسبقاً كُنت مُتقبلاً أى مشاكل داخل صناعة الفيلم نفسه؛ مُعتقداً أن أفكار وحبكات عُكاشة ستُعوض أى قصور مُحتمل في صناعة الفيلم، وظننت أنني أجلت الأفضل حتى النهاية، خاصة بعد مشاهدة عدد من الأفلام الحديثة المتواضعة في حبكتها التي توالي عرضها في دور السينما خلال الأيام الأخيرة، ولم أجد في أى منها لمحة حبكة ذكية، أو صنعة دراما جذابة ومُمتعة.
أزمة القروية الساذجة والعقار السري!
فيلم "الباب الأخضر" من إخراج "رؤوف عبد العزيز"، وبطولة "سهر الصايغ" و"إياد نصار" و"خالد الصاوي" و"حمزة العيلي" و"محمود عبد المغني"، وتدور أحداثه في حقبة التسعينيات، والأماكن الرئيسية في القصة ثلاثة: أولها قرية اسمها كفر المنسي، وهى القرية التي تخرج منها الشابة عائشة مُتوجهة إلى القاهرة لزيارة والد طفلها الرضيع؛ للحصول على أصل عقد زواجها وتوثيق نسب طفلها؛ لتُثبت لأسرتها وأهل قريتها أنها شريفة، وطفلها لم يأت من علاقة مُحرمة.
المكان الثاني هو مُحيط مسجد الحسين بالقاهرة، حيث تنتظر عائشة عودة مُرافقها الشيخ الذي ذهب إلى والد الطفل لإقناعه بتوثيق الزواج والنسب، وفي هذا المكان الصاخب الملىء بالأجواء الروحانية تجلس عائشة بجوار الباب الأخضر، مبهورة بطقوس المكان وضجيجه، وتتعرض لمُحاولة سرقة رضيعها.
المكان الثالث هو مستشفى الأمراض العقلية، وهو المكان الذي تصل إليه عائشة بعد شك الشرطة في أنها خطفت الطفل، وظن وكيل النيابة أنها مُختلة عقلياً؛ إذ تدعي أن والد طفلها كاتب صحفي شهير.
أزمة الفيلم الرئيسية هى مأساة الفتاة القروية الساذجة التي تضعف أمام غواية الأفندي إبن المدينة ووعوده المعسولة، وبعد إنجابها تسعى لتحقيق هذه الوعود دون جدوى؛ هى قصة مكررة في الحياة وجسدتها السينما من خلال تنويعات درامية مُختلفة؛ منها حكاية هنادي التي بُنيت عليها حبكة فيلم "دعاء الكروان"، وهناك أعمال أخرى كثيرة تدور في فلك مأساة الفتاة الساذجة التي تنجب طفلاً من علاقة غير مشروعة، وفي هذا الخيط الدرامي لا نجد أى جديد، بل أقل مما قدمته الدراما سابقاً؛ فنحن أمام كم بائس من الألم والصراخ والبؤس بلا هدف درامي واضح، وتتعاظم مأساة عائشة حينما تصل المستشفى وتجد نفسها مادة لتجربة عقار سري للتحكم في البشر.
عالم نمطي للغاية!
تتلاقى شخصية عائشة البائسة مع شخصية د. شفيع "إياد نصار" وهو طبيب نفسي مُحبط وناقم، يعيش مأساة شخصية ومهنية؛ فهو من ناحية يحن لإبنه الذي هربت به الأم وهو جنين إلى بلدها ولم يره أبداً، ومن ناحية أخرى يُقاوم التجارب التي تُجريها المستشفى الحكومي التي يعمل بها على بعض المرضى من خلال عقار تُنتجه مؤسسة أجنبية للتحكم في سلوك وتصرفات الإنسان، وهو يتصدى لمديره "خالد الصاوي".
الفيلم حاشد بالعديد من الشخصيات، ولكن أثرهم على الشاشة خافتاً للغاية؛ فظهور "بيومي فؤاد" في شخصية درويش بجوار مسجد الحسين عابراً ولا يقدم أو يؤخر في الاحداث، وتصوير الشخصيات الشريرة كان ساذجاً للغاية، سواء من ناحية الشكل أو المضمون، اختيارات تسريحات شعر "إياد نصار" و"خالد الصاوي" و"حمزة العيلي" لم تكن موفقة، وأضاف أدائهم السطحي المُبالغ فيه المزيد من السذاجة للفيلم، وكأنهم يقدمون أداء ساخر لشخصيات كرتونية تُمثل الأخيار والأشرار في فيلم سطحي عن نظريات مؤامرة الغرب على الشرق.
ملامح المكان والدراما العكاشية!
من النقاط المضيئة في الفيلم أداء "سهر الصايغ" المُخلص لشخصية عائشة الفتاة التي تمتلك مزيج من الطيبة والبراءة والسذاجة، وعكست نظراتها وملامحها أثر إنتقالها من عالمها الآمن في القرية إلى عالم المدينة الشرس، حيث يسود الأشرار الذين لا ترق قلوبهم للشخصيات الهشة مثلها، وحيث تكون ضحية مثالية لوحوش تنتهك عرضها وعقلها.
الفيلم كان طموحاً على المستوى البصري، وقد نجح في إبراز الملامح المختلفة للمكان بعيداً عن الديكورات المُصطنعة، وكان تحدي بالغ الصعوبة أن نُشاهد الشخصيات تتحرك في شوارع القاهرة وتبدو المشاهد من حقبة التسعينيات بالفعل، وساهمت الأماكن الأخرى؛ مثل القصر الذي تم تصوير مشاهد مستشفى الأمراض العقلية في منح المكان في الفيلم ملامح واقعية تُعبر عن زمن الأحداث.
يفتقد الفيلم ملامح أسلوب عُكاشة في تصوير تفاصيل الشخصيات وحكاياتها، وقدرته على تسليط الضوء على زوايا مُختلفة من حكايات عادية لشخصيات بسيطة، مما يمنحها زخماً درامياً وإنسانياً مُختلفاً.
رغم بعض الأمور الجيدة هنا وهناك تبقى خيبة أمل شديدة في مشاهدة عمل مُتواضع للغاية منسوباً إلى "أسامة أنور عكاشة"، كل المعلومات تُشير إلى أنه كتب قصة وسيناريو وحوار الفيلم قبل حوالي 30 عاماً، وهذا يضع مسؤولية كل ما عُرض على الشاشة على عاتقه، ونظراً لأنني لا أعلم الملابسات بدقة، فلا يبقى أمامي سوى احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن العمل كتبه عكاشة بتفاصيله كما ظهرت على الشاشة، ورغم التقدير والمحبة لتاريخ الرجل في الإبداع الدرامي فإن السيناريو رديء وضعيف ومباشر، والإحتمال الثاني أنه كتبه ولم يكمله ولم يراجع ما كتب، وربما ألقى به في الدرج ونسيه، وخرج السيناريو من الدرج بعد كل هذه السنوات، ولم يُغير صُناع الفيلم فيه حرفاً، ولم يتم تعديله ليتوائم مع مستجدات الدراما والعصر، وكأن وجود إسم الكاتب الكبير كافٍ لتجاوز أى مشاكل واضحة في الكتابة، وهى مشاكل تعجبت أن تصدر من كاتب كبير ومحترف، ودفعتني لترديد سؤالي مرة أخرى: هل كتب "أسامة أنور عُكاشة" قصة وسيناريو وحوار فيلم "الباب الأخضر"؟