"الهامور ح.ع"

فيلم "الهامور ح.ع".. حدث ذات يوم في السعودية

أندرو محسن
27 يناير 2023

خطوات سريعة صارت السينما السعودية تأخذها في الأعوام الأخيرة، على كل المستويات، سواءً في اكتشاف المواهب أو الإنتاج المشترك، أو صناعة أفلام سعودية بالكامل. بينما كان التركيز الأكبر منصبًا على الأفلام الفنية في البداية، ربما لعدم وجود قاعدة جماهيرية كبيرة للفيلم السعودي الجماهيري أو التجاري بالمعنى الدارج، أو لأن صناع الأفلام لا زالوا يستكشفون الأفكار والأساليب التي يقدمونها.

خلال العامين الماضيين بدأت تظهر بعض الأفلام السعودية التي تهتم بالنوع، وخاصة الكوميديا مثل "شمس المعارف" (2020) ومؤخرًا "سطّار" (2022)، ثم يأتي فيلم "الهامور ح.ع" من إخراج عبد الإله القرشي وسيناريو هاني كعدور وعمر باهبري، ليقدم نوعًا مختلفًا وهو أفلام العصابات، متناولًا قضية فساد مالي شهيرة في السعودية تعرف باسم  قضية "سوا".

بحثًا عن النوع

تدور أحداث الفيلم المستوحاة من  وقائع حقيقية، خلال عدة سنوات، نتابع خلالها صعود حامد (فهد القحطاني) الشاب الفقير، من عمله حارس عقار إلى شخص يملك ثروة تقدر بعشرات الملايين، من خلال الاستفادة بهامش الربح الجيد الذي يوفره بيع بطاقات شحن الرصيد "سوا" في البداية قبل أن يدخل معه آلاف المستثمرين وتبدأ مملكته في الانهيار نتيجة فساده هو شركاؤه.

القصة تنتمي بامتياز إلى عالم أفلام العصابات، الصعود من القاع إلى القمة وامتلاك كل شيء من خلال أساليب ملتوية، ثم الانهيار وفقدان كل شيء. مع اعتماد الفيلم على أحداث واقعية، كنا ننتظر أن يكون التركيز بشكل أكبر على رحلة حامد، وتحولاته الداخلية والخارجية، هو ومن معه، لكن الفيلم في بدايته قدم نفسه كفيلم كوميدي، معتمدًا على الكثير من المواقف المضحكة وحتى الأداء الكوميدي من أغلب الشخصيات، واستمر الأمر هكذا حتى منتصف الفيلم تقريبًا، خاصة مع ظهور شخصية أبو عزة (إسماعيل الحسن) التي كانت شخصية هزلية تمامًا حتى نهاية الفيلم.

غ

ليست هناك أزمة في الجمع بين الأنواع المختلفة، الكوميديا والعصابات في حالتنا هنا، لكن المشكلة أن النصف الثاني من الفيلم تراجعت خلاله الكوميديا بشكل كبير مقابل التركيز على المناورات ثم الأزمات التي وقع فيها بطل الفيلم وأصدقاؤه أو شركاؤه، بشكل جعل نصفي الفيلمين كأنهما من عالمين مختلفين.

في أثناء هذا الانتقال بين النوعين المختلفين، يقدم الفيلم الكثير من الشخصيات الثانوية، التي يؤثر بعضها بشكل واضح في الأحداث، مثل سليمان (خالد يسلم)  صديق حامد الذي يضع قدم الأخير على أول طريق التجارة في بطاقات "سوا". بينما في المقابل يمكن الاستغناء عن بعض الشخصيات الثانوية تمامًا، رغم إفساح مساحة للتعريف بها في البداية وكأنها ستكون ذات دور فارق في الأحداث، مثل بعض الموظين الذين يتعرف عليهم حامد أثناء عمله في شركة التسويق من خلال الهاتف.

لكن الحلقة الأضعف في ما يخص كتابة الشخصيات هو غياب التقديم أو التعريف اللائق ببعض الشخصيات التي كان لها تأثير كبير في الأحداث مثل شقيق حامد الذي نتعرف عليه في مشهدين قصيرين، ثم نفاجأ بأنه سيكون شخصية أساسية في تغيير مسار الأحداث.

غ

نظرة على الماضي القريب

إذ تدور أحداث الفيلم في بداية الألفية الثالثة، فإن المخرج ركز على نقل الكثير من تفاصيل الحياة داخل المملكة أثناء هذه الفترة. نحن لا نتحدث عن زمن بعيدٍ جدًا، لكنه يبدو بعيدًا بالنظر إلى التغيرات الكبيرة التي حدثت داخل السعودية في السنوات القليلة الأخيرة، ولهذا فإن محاولة الفيلم لتسجيلها تعد أمرًا جيدًا، وإن كان هناك مأخذٌ مهم على هذا "التسجيل" نذكره لاحقًا.

منذ بداية الفيلم نجد أن حامد الذي يعيش في مكة يبحث عن فرصة عمل جيدة، التي تأتيه في جدة، فيقرر الزواج والانتقال لهناك للعمل حارس عقار، هناك ينبهر بمدى الانفتاح الذي يشاهده، والذي لم يعتده إطلاقًا في مدينته الأصلية. كانت جدة حتى وقت قريب المدينة الأكثر تحررًا وانفتاحًا، في السعودية قبل أن ينتقل الانفتاح لباقي المدن تدريجيًا. يتعرض الفيلم في بعض مشاهده للسفر إلى البحرين، والتي كانت أيضًا بلد يجد فيها بعض السعوديين مساحة للوصول إلى أمور ممنوعة لديهم، وكونها قريبة فكانت الرحلات السريعة إلى البحرين من الأمور الشائعة، وهو ما يعرضه الفيلم. بينما تبقى الإشارة إلى بيع الهواتف المحمولة ذات الكاميرا بشكل سريٍ واحدة من أكثر الأمور المعروفة في المملكة إذ كانت هذه الهواتف ممنوعة لفترة، وكانت تُتَداول بشكل سري، وهذا ما نشاهده في الفيلم إذ يتاجر حامد لفترة في هذا النوع من الهواتف.

غ

هذه المشاهد المختلفة إنما تعتبر شاهدًا على مرحلة من التاريخ السعودي، مستقبلًا قد لا يصدق البعض أنها وُجدِت، ولهذا فإن تصويرها في الفيلم كان جيدًا، لكن المأخذ الذي أشرنا إليه سابقًا هو أن بعض هذه التفاصيل لم تكن موظفة بشكل جيد داخل الدراما، فسفر حامد إلى البحرين، والذي احتل عدة مشاهد من الفيلم كان يمكن الاستغناء عنه.

في حقيقة الأمر كان للفيلم أن يصبح أفضل كثيرًا لو حاول المخرج مع كاتبا السيناريو تكثيف الأحداث بشكل أكبر واختزال بعض الشخصيات والمواقف التي لم تضف إلى الفيلم، وجعلته في النهاية يبدو أطول من اللازم رغم أن مدته الفعلية حوالي الساعتين. لكن في المقابل تبقى خطوة تقديم الأفلام التي تعتمد على الوقائع الحقيقية في السعودية أمرًا جيدًا في حد ذاته، وربما يفتح المجال للمزيد من الأفلام المشابهة لاحقًا.