مسلسل "أزمة منتصف العمر".. عن الرجل الشرقي المثالي!
احتل الجدل حول الأحداث المتشابكة في مسلسل "أزمة منتصف العمر" منشورات الفيسبوك خلال الأيام القليلة الماضية، نظرًا لاحتوائه على علاقات من النادر تناولها في المسلسلات المصرية، رغم ما يبدو على المسلسل في البداية من كونه عن مشاعر حب وخلافات زوجية تقليدية من التي شاهدناها مرارًا، لكن الحلقات سريعًا ما كشفت عن دراما غير متوقعة
تحتوي السطور التالية على كشف لأحداث المسلسل.
أكثر ما أثار النقاش حول العمل هو ما يتعلق بالحب ثم العلاقة العابرة التي وقعت بين بطله عمر (كريم فهمي) وفيروز (ريهام عبد الغفور) والدة زوجته (أو طليقته وقت وقوع العلاقة). ينتمي المسلسل إلى النوع الرومانسي، فلدينا العديد من قصص الحب ونشاهد خلاله عدة أنواع من الشخصيات: نجد أطرافًا مُستغلِّة وأخرى تحب في صمت والعكس أيضًا، إذ سنجد الزوجة المضحية، والشخصية التي لا تتورع عن فعل أي شيء لتخبر حبيبها بحقيقة مشاعرها.
في وسط هذه الشخصيات المختلفة، في القلب منها نجد عمر، الشخصية الرئيسية والذي يعتبر محورًا لأغلب الأحداث، يظهر في صورة شبه مثالية، ونقول شبه لأنه في بعض المشاهد يعترف بأخطائه، ولكننا عندما نعيد النظر في هذه الأخطاء سنجد أن المسلسل يحاول تبرئة عمر منها ليقدم من خلاله صورة مثالية للذكر، كما يحب الكثيرون والكثيرات في المجتمع الشرقي أن يرونه.
طبقًا للتعريف
دعونا نعد المميزات الخارجية لعمر: شاب في منتصف العمر، وسيم، أنيق، طبيب أسنان ناجح، يبدو من ملابسه وسيارته أنه على قدر من الثراء. ماذا عن شخصيته؟ هو شخص هادئ الطباع يجيد احتواء من أمامه في أغلب الأحوال، وقادر على إيجاد حلول للأزمات أيضًا. أليست هذه مواصفات شخصية مثالية؟
ولكن ما المشكلة في كون الشخصية مثالية؟ في الحقيقة لدينا مشكلتان. الأولى أن الشخصيات المثالية لا تصنع عادة دراما جيدة، إذ أن الأخطاء والسقطات هي ما تصنع الصراع والدراما. لكن هذه المشكلة يتجاوزها صناع المسلسل سريعًا من خلال ظهور بعض الأخطاء التي يقع فيها عمر.
أما المشكلة الثانية فهي كيف يقدم المسلسل هذه الشخصية بمثاليتها وأخطائها، إذ أن عمر هو النموذج الذي يدغدغ خيالات الكثير من الرجال والنساء في المجتمعات الشرقية. لا يمكننا أن نرى مشكلة بالتأكيد في الصفات التي ذكرناها مسبقًا، فأين المشكلة؟
البداية مع كيفية تعامل عمر مع زوجته مريم (رنا رئيس)، إذ يعاملها كطفلة طوال الوقت، بداية من شهر العسل وفي أغلب المشاهد التي جمعتهما، سواء بمفردها أو أمام الناس. يتضمن هذا أن يصفها بأنها غير ناضجة متمنيًا لها في عيد ميلادها القادم أن "تكوني كبرتي وعقلتي"، أو أن يصفها أمام أسرتها وأصدقائها في عيد ميلادها بـ"أعقل بنت في الدنيا. مريم يعني المسؤولية.. الهانم ضيعت الشبكة في ال Honeymoon" ويقول عباراته هذه بشكل ساخر وكأنه يجاملها وسط ضحكات الجميع، وفي حقيقة الأمر يصعب تخيل أن إخبار جمع بأن شخصًا ما مهمل، في عيد ميلاده، هو أمر رومانسي أو مضحك. لكن المسلسل يبرر لنا هذه الأوصاف بأنها مقدمة ليفاجئها بهدية عيد ميلادها وهي شبكة جديدة!
تتماشى هذه الصورة، صورة المرأة/الطفلة مع الكثير من الكتابات والأوصاف مؤخرًا، مع مطالبات تصل إلى حد النصائح بمعاملة الزوجة كطفلة لكسبها، وليس المجال هنا عما تحتوي عليه هذه الأوصاف من تقليل للمرأة.
ماذا عن المرأة؟
من زاوية أخرى، نشاهد عمر يبدأ في الاعتراف بأخطائه أخيرًا، الأسرار التي يخفيها عن زوجته، سواء علاقته المضطربة تمامًا بأمه، أو زواجه وطلاقه السابق. لكننا لا ننتظر طويلًا حتى نجده يقف في موقع الضحية أمام هذه الأسرار. إذ أنه يبرر قطيعته مع أمه لأنها تزوجت عدة مرات بعد وفاة والده، ليس هذا فقط، بل أن من تزوجتهم ليسوا في مثل سنها، بل أصغر منها كما يفهم من السياق، وهو ما لا يرضيه.
في عام 2020 عرض مسلسل "ليه لأ؟" في جزئه الأول، وكان أحد أفضل خطوطه الدرامية ذلك الخاص بقصة حب بين امرأة تكبر حبيبها بعدة سنوات، وهو الأمر الذي شهد معارضة شديدة من أسرتيهما إلى أن انتصرا في النهاية لحبهما وتزوجها رغم هذه الاعتراضات. لكننا بعد 3 أعوام نجد في "أزمة منتصف العمر" معارضة لفكرة زواج المرأة من شباب يصغرونها. لم يذكر عمر أن هؤلاء الأزواج عاملوه بقسوة أو أنهم أضاعوا ميراثه مثلًا، الاعتراض الأساسي كان على كونها تزوجت من الأساس، وأنها تزوجت شبابًا أصغر منها، وكأنه أمر محرم على المرأة التي توفى زوجها ولديها طفل أن تتزوج أو تقع في حب من يصغرها سنًا.
لا نريد أن نقع في فخ أن نحكم على المسلسل طبقًا لرؤيتنا الشخصية أو رغبتنا في أن تتصرف الشخصيات بشكل معين، وتطرح أفكار بعينها، لكننا أمام شخص يبدو مثقفًا ومنفتحًا وحاصل على تعليم جيد. لن نقف مثلًا عند شخصية زوج فيروز عزت (رشدي الشامي) الذي يصنف النساء طبقًا لرؤيته بشكل سطحي تمامًا ويؤكد أنه يجب على الرجل أن يتزوج واحدة مثل فيروز لتصون بيته، وهي الرواية الذكورية أيضًا في تصنيف الفتيات إلى رفيقة للمتعة، وزوجة لرعاية البيت، لن نقف عند هذا الوصف من عزت لأنه يتفق تمامًا مع شخصيته داخل الأحداث، لكن عمر منذ البداية يُقدَّم للمشاهد بصفته مختلف.
وإن كان يمكن أن نتجاوز تفاصيل شخصية عمر، فإن ما يصعب تجاوزه أكثر هو ردة فعل النساء في حياته على الكيفية التي يتعامل بها معهن. زوجته مريم دائمًا ما تبدو سعيدة بتعامله معها كطفلة، رغم أنها تجاوزت مرحلتي الطفولة والمراهقة، ولديها حياتها وعلاقاتها مع أصدقائها. بينما الأغرب هو رد فعل فيروز على تبريرات عمر للقطيعة مع أمه، إذ تخبره بأن "الناس بتتغير" وتطالبه بأن يسامح، ولا تناقشه على الإطلاق في نظرته لأمه أو أن لها حق الزواج، وهي المرأة المقهورة من زوجها.
ازدواجية
تبقى نقطة أخيرة، تعرض كيف يتعامل المسلسل نفسه بازدواجية مع شخصية عمر دون أن يحاول نزع بريقها عنها. عندما يتحدث عن طليقته سلمى (هند عبد الحليم) يذكر عمر أنها كانت السبب في موت طفلهما وهو جنين نتيجة تعاطيها للمخدرات، ولهذا طلقها. يعترف عمر بأنه تركها دون حتى أن يراها مرة أخيرة أو يواجهها، ولكن السياق العام للمشهد، يدفعنا للتعاطف معه أكثر من التعاطف معها. يؤكد عمر في كلامه أكثر من مرة أنها كانت السبب في موت الطفل، وأن مشاعره ماتت هو الآخر بعد ذلك.
لاحقًا عندما نكتشف حمل فيروز من من عمر، فإن المتوقع هو أن عمر الذي لا يحب التخلي عن أطفاله سيحاول البحث عن حل دون التخلي عن الطفل، لكننا نجده يسأل الطبيب المعالج عن إمكانية أن تأخذ حبوبًا لإنزال الجنين! لا يتوقف للحظة واحدة للحديث عن الطفل ومشاعره تجاهه، فكأنه ليس طفله مثل السابق. ندرك تمامًا طبيعة العلاقة الملتبسة والموقف الصعب الذي وُضع فيه عمر، لكنه في النهاية نفس الرجل الذي كان لديه موقف واضح منذ أيام قليلة.
لكن حتى مع الموقف المتناقض، نجد أن المسلسل يجمّل صورة عمر حتى النهاية. كيف يفعل ذلك؟ بأن نجده يؤجل موعد سفره حتى يكون بجوارها في عملية الإجهاض، فهذه صورة أيضًا تعبر عن رجل شرقي يتحمل مسؤولية أفعاله.