خاص "هي" رسالة مهرجان برلين- فيلم "Afire".. هل هو فيلم عن الحب أم أشياء أخرى؟
ربما كان فيلم ”Afire“ (احتراق) أو "سماء حمراء" طبقًا للعنوان الأصلي، أحد أكثر الأفلام المنتظرة هذا العام في مسابقة مهرجان برلين 73، فالفيلم هو الأحدث في مسيرة المخرج شديد التميز، كرستيان بيتزولد، انطلقت الكثير من أفلامه من مهرجان العاصمة الألمانية، ولم تخرج دون جوائز، وانضمت إلى جوائزه بالأمس جائزة الدب الفضي (لجنة التحكيم الكبرى) عن هذا الفيلم.
في فيلمه السابق ”Undine“ (أوندينه) والذي حصد جائزة أفضل ممثلة (باولا بير) من المهرجان نفسه، قدم بيتزولد قصة شديدة الشاعرية، مستوحاة من عالم الأساطير دون أن تكون مجرد معالجة للأسطورة، بل هي إعادة تصور كاملة لإحدى شخصيات الأساطير. لم يخل الفيلم -كعادة أغلب أفلام بيتزولد- من قصة رومانسية، شكلت العماد الأساسي لذلك الفيلم آنذاك.
في ”احتراق“ لا تزال الرومانسية حاضرة من بيتزولد، لكنه يقترب من قصة معاصرة أكثر، ويختار شخصيات تشبهنا، وأزمات نشعر بها. لخلق الدراما، يقرر بيتزولد أن يقدم لنا بطلًا عاديًا جاديًا، لكن في عالم ليس عاديًا تمامًا.
بطل عادي
تتابع الأحداث ليون (توماس شوبرت) وصديقه فيليكس (لانجستون ييبيل) اللذان يذهبان إلى منزل للأسرة قريب من البحر. رغم أنها تبدو رحلة استجمام، فإن لكل من الصديقين غرض عملي أيضًا، إذ يعمل ليون على مخطوطة روايته، بينما يحاول الآخر أن إعداد الملف الفني الخاص به. هناك يجدان أنهما ليسا وحدهما في البيت، ونتيجة هذا الشخص الجديد تتطور الأحداث.
أكثر ما يميز شخصيات الفيلم، وتحديدًا فلان أنه يبدو شخصيًا تقليديًا تمامًا. بينما نتخيل أن يكون الروائي أو الكاتب شخصًا مميزًا ووسيمًا وعلى قدر من الذكاء، مثل الكاتب في فيلم ”Misery“ (بؤس) أو موهوبًا وشديد الحساسية مثل السيناريست في فيلم “Adaptation” (اقتباس)، لكن الروائي هنا شخص تقليدي تمامًا، واختيار شوبرت للشخصية يخدم هذه الفكرة بشكل أكبر، إذ منذ ظهوره الأول نشعر أنه شخص عادي غير ملفت بشكل خاص.
هذه ”العادية“ في حد ذاتها مخاطرة من المخرج، إذ من يحب أن يشاهد شخصية مثل هذه؟ لكننا نكتشف تدريجيًا أن الظروف المحيطة به ليست عادية تمامًا. يعاني من صعوبة في تعديل مخطوط روايته، و يمنعه هذا من التفاعل بشكل طبيعي مع كل ما ومن يحيط به، لا يجيد الاستمتاع بالبحر أو قضاء وقت مع صديقه، أو التعرف بشكل لائق على الفتاة التي تسكن البيت معهم، استكمال هذه الرواية أصبح هو حياته في حد ذاتها.
من الممتع تناول شخصية المبدع بهذه الصورة على الشاشة، خاصة في وقت أصبحت فيه كلمة ”الشغف“ (Passion) مستخدمة بشدة سواء في محلها أو في غيره، مع الدفع بفكرة أن الشغف يرتبط مباشرة بالإبداع، وأن متابعة الشغف أمر ضروري لتحقيق أحد الأهداف المهمة في الحياة. يكسر ”احتراق“ هذه الصورة الرومانسية عن الشغف، ويجعل الشغف، كتابة الروايات في حالتنا هذه، عملًا مؤلمًا لصاحبه وشديد الصعوبة، ولا يمكن تحقيق نتائج فيه بسهولة.
عالم غريب
منذ بداية الفيلم وهناك تأسيس لأجواء تشبه أفلام الرعب. سيارة تتعطل فجأة قبل مكان الوصول، بيت معزول في الغابة، اكتشاف وجود شخص في البيت فجأة، حرائق في الغابات، وأفكار تطارد صاحبها حرفيًا. من هذه الأجواء التي تثير التوتر مبكرًا يصنع بيتزولد الدراما، ليجمع الفيلم بين عدة أنواع فيلمية.
بجانب الأجواء المخيفة نسبيًا، لا يخلو الفيلم من حس كوميدي واضح وتلقائي بين الشخصيات المختلفة، وخاصة شخصية فيليكس الذي على النقيض من ليون، مقبل على الحياة، ولا يمانع في تأجيل عمله للاستمتاع بالمكان والتعرف على الناس وصناعة صداقات جديدة، والبحث عن الحب أيضًا.
من أفضل جوانب الفيلم هي كيفية وضع هذين الاثنين معًا دون أن نشعر لوهلة أنهما من عالمين مختلفين، بل هما فقط ينظران إلى العالم بمنظور مختلف. ثم يأتي الجانب الرومانسي، ويتسلل الإعجاب بين ليون ونادية (باولا بير). لكننا لسنا أمام فيلم تقليدي، إذ نتوقع منذ البداية أن يقع الاثنان في الحب، لكن السيناريو يطور الشخصيات والعلاقات بينها بشكل مختلف، حتى لا نكاد نمسك بشكل حقيقي بأبعاد العلاقة بين الاثنين، عكس ما حدث بين فيليكس وديفيد (إنو تريبس) اللذان تبدو علاقتهما أوضح.
في هذا الجانب الرومانسي يختلف "احتراق" عن "أوندينه" الذي تحركه بالأساس قصة الحب، بينما في هذا الفيلم يحتاج ليون إلى إعادة فهم نفسه وعالمه أولًا قبل الوقوع في قصة حب جديدة، وهكذا يجيد بيتزولد تقديم رؤية شديدة التشابك لفكرة تبدو شديدة البساطة.