أوسكار 2023: توقعات الفوز والخسارة وحكايات مُلهمة من تاريخ وحاضر هوليوود!
هناك عديد من الأفلام التي تستحق الفوز بجوائز الأوسكار في الحفل رقم 95 لأكاديمية العلوم والفنون يوم الأحد 12 مارس (فجر الإثنين بتوقيت الشرق الأوسط)، هذا إذا لم تقرر الأكاديمية منح كل شىء لفيلم "Everything Everywhere All at Once" "كل شىء في كل مكان في نفس الوقت"، وهو فيلم أمريكي بفريق عمل أغلبه من أصول صينية، وحصد 11 ترشيحاً عن فئات: أفضل فيلم، وإخراج، وسيناريو، وموسيقى، وأغنية، ومونتاج، وأفضل ممثلة دور رئيسي (ميشيل يوه)، وأفضل ممثلة مساعدة (جيمي لي كيرتس)، و(ستيفاني هو)، وأفضل ممثل مساعد (جوناثان هي كوان).
الفيلم كوميديا خيالية عبثية غرائبية حظيت بالعديد من الجوائز العبثية والترشيحات المُفرطة، وهو ليس بتلك الروعة المُفرطة، ولكنه يُلبي حاجة هوليوود لتعويض الأقليات والجنسيات من أصول غير أمريكية عن سنوات من التجاهل والحرمان من الجوائز، ولهذا سأحاول في هذا المقال أن أكتب التوقعات حسب قاعدة واحدة، وهى إذا لم يفز الفيلم الصيني بالجائزة.
كروز وكاميرون وإنقاذ صناعة السينما!
قبل أسابيع أقامت الأكاديمية مأدبة غداء للمرشحين لجوائز الأوسكار، وكان الإحتفاء كبير بالممثل "توم كروز"، الرجل الذي عمل بجهد وإخلاص في أشد أيام جائحة كورونا لإنهاء أفلامه التي تُدر كثير من المال لهوليوود، وقد قام المخرج "ستيفن سبيلبرج" من مائدته وتوجه نحوه رجل المهام المستحيلة، وعانقه بإمتنان قائلاً: "لقد أنقذت هوليوود.. فيلم "Top Gun: Maverick" أنقذ صناعة التوزيع في دور العرض السينمائي بالفعل". كان "سبيلبرج" يوجه كلامه إلى "توم كروز" منتج الفيلم الذي حقق أكثر من مليار ونصف مليار دولار عالمياً، وليس فقط نجم الأكشن الذي يقفز من الطائرات المُحلقة في السماء بنفسه.
لم يحصل "توم كروز" على ثناء "ستيفن سبيلبرج" فقط، ولكنه حصل على ترشيح الأكاديمية لفيلمه عن ست فئات، منها فئة أفضل فيلم، وهى مبالغة من الأكاديمية تُلائم الرغبة في تكريم صُناع أحد الأفلام الفيلم التي أنقذت هوليوود من الإفلاس؛ فالفيلم ليس عملاً سينمائياً فريداً ليكون ضمن قائمة أفضل فيلم لأكاديمية العلوم والفنون الأمريكية، ونفس الأمر ينطبق على فيلم Avatar: The Way of Water "أفاتار: طريق المياه"، وهو الفيلم الذي تفوق على مافريك في حصد الإيرادات ولا زال.
كواليس هوليوود كانت مليئة بالكوابيس والإغلاقات والتأجيلات، وفي الوقت الذي إلتزمت هوليوود بالبقاء في المنزل، وأغلقت دور العرض كان "توم كروز" وفريق عمل "Top Gun: Maverick" يواصلون العمل، وكان مخرج الفيلم "جوزيف كوسينسكي" يواصل عمليات المونتاج من داخل منزله، و"جيمس كاميرون" يغوص في المياه بحثاً عن كائنات زرقاء جديدة، وربما يحصل كلا الفيلمين على أوسكارات عن فئات المؤثرات وإن كانت المنافسة في هذا المجال صعبة للغاية.
هوليوود تتحدث عن نفسها!
ليست مُصادفة أن عدد من أفلام هوليوود الأخيرة يحمل لمسات حنين لبدايات هوليوود، وكثير منها يستعيد حكايات رومانسية عن الصناعة ورموزها، وكأن هوليوود تُذكر جمهورها بأوقات المجد والمعاناة وتطلب من جمهورها الدعم والحب، وهذا "ستيفن سبيلبرج" يحكي سنوات مراهقته، وبدايات شغفه بالسينما منذ طفولته في فيلم "The Fabelmans" "عائلة فابلمان"، والفيلم عن حكاية بلوغ صبي حالم، يمتزج فيها شغفه بالصورة المتحركة مع حكايات عن مُعاناته من التنمر في المدرسة، وأحزانه بسبب إنفصال الأم عن العائلة بسبب غرامها برجل أخر.
قد تُغدق هوليوود على "توم كروز" و"جيمس كاميرون" بالترشيحات؛ فنوعية أفلامهما هى الوقود الذي يُحرك ماكينة صناعة الترفيه العملاقة، لكن فرص فوز فيلم "ستيفن سبيلبرج" بأوسكارات عن فئات الفيلم الرئيسية هى الأكبر، وبشكل خاص أداء "ميشيل ويليامز" لدور الأم.
فيلم "Babylon" "بابيلون" للمخرج "داميان شازال" من أكثر الأفلام جرأة وفجاجة في تصوير كواليس بدايات هوليوود، وتحديداً مرحلة الإنتقال من السينما الصامتة إلى السينما الناطقة، وقد تطرقت هوليوود سابقاً لتلك المرحلة في أعمال مثل "The Artist" "الفنان"، و"Singin' in the Rain" "الغناء تحت المطر"، لكنها لن تحب رؤية نفسها بعيون شازال ووقاحته.
يحمل الفيلم إسم بابل، المدينة العراقية القديمة، ذات العمارة الفريدة، والتجمع السكاني المُتنوع الأعراق، والتي تُحكى عنها الأساطير، والفيلم يرى هوليوود بنفس تلك الملامح الأسطورية، وهو لا ينسب الفضل في إزدهارها إلى صُناع السينما البيض فقط، ومن الشخصيات الرئيسية في الفيلم مكسيكي وصينية وعازف أسود، وهم وغيرهم مكونات مزيج هوليوود الساحر، والفيلم قدم صورة مُلونة ثرية لحقبة العشرينيات والثلاثينيات التي نعرفها من أفلام الأبيض والأسود، ويستحق الفيلم أوسكار الموسيقى (جاستن هورويتز)، بالإضافة إلى جائزتي الديكور والأزياء التي سينافسه فيها فيلم Black Panther: Wakanda Forever "الفهد الأسود: واكندا للأبد"، وهو فيلم مُبهر أخر على المستوى البصري.
مزيج من جنسيات وأعراق مُختلفة في ترشيحات الإخراج، وقائمة المرشحين تضم مخرجين أكثر إبداعاً من ألمانيا وأيرلندا والسويد، وعلى المستوى الفني فيلم المخرج الأيرلندي "مارتن ماكدوناه" "The Banshees of Inisherin" ، وفيلم المخرج الأمريكي "تود فيلد" Tár "تار" هما الأكثر إبداعاً على مستوى تناغم الفكرة والعناصر الفنية والأداء والإخراج.
الملك ينافس الحوت!
عدد من الأفلام التي حظيت بترشيحات وإهتمام الأكاديمية كانت تتحدث بشكل أو أخر عن أيقونات صناعة الترفيه، وقدم فيلم "Elvis" "ألفيس" نسخة لطيفة عن ملك الروك الذي غير شكل الأغنية في الخمسينيات والستينيات، ومات شاباً؛ بسبب المجهود الزائد والعقاقير وضغوط مدير أعماله حسب رواية الفيلم ، وقدم "Blonde" "شقراء" نسخة جريئة وفاضحة من سيرة حياة "مارلين مونرو" لكن الأكاديمية لم تُحب "الشقراء" مثلما لم تحب "بابيلون"، وأحبت فيلم "ألفيس" الذي همش الكثير من التفاصيل الحساسة في حياة "ألفيس" الشخصية، على صُناع الأفلام الذين يميلون للصراحة والوقاحة عدم توقع الكثير من الأوسكارات.
جائزة التمثيل قد تذهب إلى "أوستن باتلر" عن دور "إلفيس بريسلي"، لكن أداء "برندان فريزر" في فيلم "The Whale" للمخرج "دارين أرونوفسكي" ثري ومُفعم بالمشاعر الإنسانية الحساسة، و"فريزر" يعود بعد فترة من التوقف، ويستغني عن الوسامة والمرح التي ميزته في أعمال مثل "المومياء" و"مبهور"، ويُقدم أداء عفوي صادق، عن الأيام الأخيرة في حياة رجل يعاني السمنة المُفرطة والإكتئاب، والفيلم يستحق أيضاً جائزة فئة الماكياج.
فرص "آنا دي أرماس" ضعيفة للفوز بأوسكار أفضل ممثلة، وهى قدمت الدور بصورة جيدة تلائم فكرة الفيلم، ولكن "كيت بلانشيت" هى الأحق بالجائزة عن أدائها القوي لشخصية مُرتبكة تجمع بين العبقرية والجموح والإضطراب النفسي، وهو دور قائدة الأوركسترا ليديا تار في فيلم "Tár" "تار"، هذا بالطبع إذا لم يكتسح تسونامي فيلم "كل شىء في كل مكان في نفس الوقت" جوائز التمثيل.
في فئة أفضل ممثل دور مساعد يبرز إسمان: "بريندان جليسون" و"باري كوجان"، وقد تشاركا بطولة فيلم "The Banshees of Inisherin"، وقدما شخصيات تعيش أزمات الوحدة والملل على جزيرة أيرلندية مُنعزلة لا يحدث فيها شىء تقريباً، ومن نفس الفيلم يبرز أداء "كيري كوندون" في فئة ممثلة الدور المساعد، ولكن علينا أن نتقبل فوز "جيمى لي كيرتس" الذي يكاد يكون محسوماً.
حروب الفيلم الأجنبي والأنيميشن!
أوسكار فيلم الأنيميشن كان يميل ناحية فيلم "Turning" Red "التحول للأحمر"، وهو فيلم يجمع بين الكوميديا وجمال الرسوم والفكرة التي تتناول تقبل الأخر والتفهم والتصالح مع الذات، لكن جائت نسخة "بينوكيو" التي أخرجها "جيلرمو ديل تورو" "Guillermo del Toro's Pinocchio" لتقلب موازين تلك الفئة؛ فالفيلم يُعيد تقديم قصة الدُمية الخشبية الشهيرة بصورة أكثر قرباً من النص الإيطالي الأصلي، وهى تتجاوز فكرة تقديم فيلم كرتون ترفيهي خفيف، وتُقدم كوميديا سوداء تتعامل مع موضوعات بعيدة عن الخفة والمرح؛ مثل الموت والحرب، والعمل يميل للقتامة، ولكنه من الناحية الإبداعية يستحق أوسكار فيلم الأنيميشن.
فئة الفيلم الأجنبي تحتوي على أعمال جيدة، ومنها الفيلم الأرجنتيني "Argentina, 1985" "الأرجنتين 1985"، والبولندي "EO"، لكن الفيلم الحربي الألماني ""All Quiet on the Western Front "كل شىء هاديء في الميدان الغربي" هو الأكثر قرباً واستحقاقاً للجائزة، والفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الألماني "إيريك ماريا ريمارك" ويُصور أهوال الحرب العالمية الأولى بعيون شاب ألماني، وهو مُرشح لتسع جوائز أخرى، ويستحق أيضاً أوسكار أفضل تصوير، وأفضل سيناريو مُقتبس.
في فئة السيناريو الأصلي يبرز سيناريو فيلم "The Banshees of Inisherin" الذي نجح في تصوير معاني شديدة الصعوبة والتعقيد ببلاغة شديدة، وعبر عن مشاعر الوحدة والإحباط من خلال حكاية رجل تخلى عنه صديقه الوحيد بلا مبرر، هو لا يكاد يفهم السبب ولا يقبل قرار صديقه، وتتصاعد الحادثة شديدة البساطة لترصد بشكل أعمق مشاعر الوحدة والصداقة وجدوى الحياة.
الصور من تريلرز الأفلام وصفحات انستجرام وتويتر.