فيلم "هارلي".. دراما مُتصنعة وإعادة تدوير مُتواضع لشخصيات محمد رمضان السينمائية!
بعد سنوات لن يذكر أحد أرقام إيرادات الأفلام بحلوها ومُرها، ستتوارى عن الأضواء أفلام رديئة حصدت ملايين شباك التذاكر، وستلمع في المنصات والقنوات الفضائية أفلام جيدة فنياً وفشلت تُجاريًا. تاريخ السينما يحكي عن أفلام مثل "شىء من الخوف"، و"باب الحديد"، و"الحريف" وغيرها من الأفلام التي لم تصمد في دور العرض طويلاً، وأصبحت لاحقاً من الأعمال الفنية القيمة التي نُشاهدها كلما عُرضت في التليفزيون، وهناك أفلام ظلت طويلًا في دور العرض، وحاليًا لا يُتابعها المتفرج التليفزيوني، فقد فقدت وهجها الزائف بمرور الزمن والأجواء.
مُهندس بمهارات جون ويك!
ستظل العلاقة بين القيمة الفنية للفيلم وإيراداته في شباك التذاكر مُلتبسة ومُحيرة إلى الأبد، حتى بالنسبة إلى نجوم السينما التجارية الذين يبحثون عن التفوق والجماهيرية الطاغية وأرصدة البنوك الكبيرة، وحسب سوق الأفلام تُعد أعمال "محمد رمضان" جماهيرية ومطلوبة، وأغلبها تُحقق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، ومن ناحية القيمة الفنية هي أفلام فقيرة لا تُضيف كثيراً إلى فن السينما، ولا تعيش سوى أيام عرضها، وتنتهي بإنتهاء زخم العرض الأول.
فيلم ""هارلي"" بطولة "محمد رمضان" و"محمود حميدة" و"مى عمر" و"أحمد داش" و"إسماعيل فرغلي"، وتأليف "محمد سامي" و"هند عبد الله"، وإخراج "محمد سمير"، وهو إعادة تدوير لنموذج شخصية شجيع السينما الكلاشيه، وهي شخصية البطل المُضاد الذي يقف في منطقة وسط، بين صفات الشخص الطيب والشخص الشرير؛ فهو شخص يتمتع بالقوة والذكاء والقدرة على الفتك بالأخرين، ولكنه يحمل بذرة طيبة تظهر في أوقات الضرورة، وهو أيضًا فاتن لا تُقاومه النساء، وساخر لا يخشى أحد، وجذاب على طريقته الخاصة.
بطل الفيلم "هارلي" "محمد رمضان" مهندس ميكانيا، ولديه موهبة في قيادة وتطوير الموتوسيكلات، وهذه التفصيلة ظهرت بشكل هامشي، ولم يخرج منها السيناريو بتفاصيل درامية حول هذا العالم الخاص، وركز أكثر على كلاشيهات إرتباط هذا المهندس الشاب البارع بعالم الجريمة، وهو عالم لم يدخله من باب مهارته في السرقة والهروب بالموتوسيكلات السريعة المُلفتة للنظر، ولكن من باب تمتعه بمهارات شخصية "جون ويك" التي يُجسدها "كيانو ريفز" في سلسلة أفلامه الشهيرة، وهي مهارات ضرب عصابة كاملة من مفتولي العضلات دون الإصابة بخدش واحد.
توابل الأفلام الشعبية!
منذ اللحظة الأولى نرى "هارلي" شاب مُنفلت، يتعاطى المخدرات، وله علاقات نسائية مُتعددة، ويظهر أغلب الوقت عاري الصدر، وهي كلاشيهات أغلب أفلام "محمد رمضان"، ويُضاف إليها الكلاشيه الميلودرامي، ونقطة التحول في حياة البطل تحدث حينما يتعرض لمحنة وفاة شقيقه الصغير في حادث سير، وهنا يُحاول التغيير من نمط سلوكه الإجرامي، دون أن يتخلى عن ملامح الشخصية التي تميل للعنف والأكشن، ولكنه عُنف موجه نحو الأشرار؛ ولهذا يتوقف البطل عن تعاطي المخدرات وتهريب الألماس مع عصابة الثري "محمود حميدة".
يبدأ طريق الصواب في حياة "هارلي" بكسب المال من تصليح وتطوير الموتوسيكلات، ولكنه يظل مُنفلتًا فيما يتعلق بالنساء، ويستمر في إستخدام قبضته كوسيلة تفاهم مع المختلفين معه.
الأفلام من نوعية "هارلي" تشبه طعام الشارع سريع التجهيز، هو لاذع وحريف وبلا مذاق أو قيمة غذائية، ولكن له عُشاقه، وهم يرغبون في رؤية البطل عاري الصدر يُكيل اللكمات لكل من يجرؤ على تحديه، ويصنع قوانينه الخاصة التي تلائم عقليته السطحية.
شخصية "هارلي" رغم أن بها من ملامح البطل في أفلام سابقة لرمضان، مثل "الألماني" و"عبده موتة" و"قلب الأسد"، لكنها أقل إنسانية وعاطفية، وأكثر برودة وتصنعًا؛ و"هارلي" ليس شاب فقير مُهمش يُحاول الصعود من قاع العشوائيات إلى عالم الثراء، ولكن يسير على خطى هذا الشاب، ولكن بمواصفات شاب ذكي مُتعلم من الطبقة الوسطى، وهذا منح الفيلم الحجة للإبتعاد عن كآبة لوكيشن العشوائيات، والإنتقال إلى أجواء الثراء والبذخ التي يعيش فيها "هارلي".
من العشوائيات إلى الطبقة المتوسطة!
أفلام "محمد رمضان" السابقة قدمته كشاب ضعيف البنية يُحاول يحمي نفسه خلف درع العنف والبذاءة والعُدوانية؛ لأنه يرى نفسه هدفاً سهلًا للأقوياء من الطبقات الأرستقراطية ومجتمع النخبة.
أفلام رمضان السابقة قدمت عالم المناطق الشعبية العشوائية بسطحية، لكنها حاولت تصوير بعض ملامحه، ومحمد رمضان كان مثالياً بهيئته وأدائه لشاب من العشوائيات، وهو في "هارلي" يحاول إعادة تقديم هذا النوع من الشخصيات مع نقلها لعالم الطبقة المتوسطة، وتصعيدها للطبقة الأرستقراطية بملامح أكثر بريقاً وبذخًا.
العالم الذي يصنعه الفيلم مُصطنع وخياله فقير وملىء بكل التوابل السينمائية الحريفة، أكشن ومطاردات وجريمة ومخدرات وجنس ورومانسية وإستظراف وكل هذا مخلوط بشكل مُلفق وغير متجانس، ولكن مُوزع على مشاهد الفيلم بصورة تُرضي جمهور يُرضيه هذا الشو الشعبي البعيد عن عالم السينما.
تاريخ السينما الشعبية التي يقودها البطل الشعبي ملىء بنماذج قدمها نجوم كبار مثل "أحمد زكي" و"فريد شوقي" و"عادل إمام"، وفيها رحلات صعود البطل المُهمش من القاع إلى القمة بأساليب مُلتوية، ورغم أنها كانت أفلام متفاوتة المستوى، لكنها كانت تتمتع بالقدر المقبول من الشكل السينمائي والدرامي، وهو ما يفتقده فيلم "هارلي" بشدة؛ فهو عمل ضعيف على مستوى القصة والإخراج وأداء الممثلين، ويعتمد على حضور "محمد رمضان" كنجم شباك له لزمات تعجب جمهوره، ولديه كلاشيهاته الدرامية، وإفيهاته المُبتذلة التي يتنقل بها من فيلم إلى فيلم، ومن مسلسل إلى مسلسل.
يستطيع "هارلي" فعل أى شىء بنفسه تقريباً؛ فهو يتعافى من الإدمان في المنزل دون الإستعانة بأى رعاية طبية، ويفعل نفس الشىء لاحقاً مع حبيبته "مي عمر"؛ فهى مثلًا لم تظهر في مشهد درامي واحد وعلى ملامحها أى علامات على الإدمان أو معاناة وأعراض الإنسحاب، وهى تعيش وحدها في قصر كبير بلا أى عائلة أو مبرر أو منطق، وهكذا يتابع الفيلم تصوير حياة وسلوكيات شخصياته، حيث يُقدم للمُشاهد معلومات تقريرية دون أن يُترجمها دراميًا على الشاشة، وشخصيات نمطية لا تتمتع بالحيوية الكافية للتعاطف معها.
الصور من حساب محمد رمضان على الفيسبوك