المطربة المصرية فيروز كراوية في حوار خاص مع "هي" عن "روحها المختلفة" في صناعة الموسيقى وكتابها الجديد
الفنانة المصرية فيروز كرواية، واحدة من الأصوات المختلفة في الساحة الغنائية المصرية، وقدمت في مسيرتها العديد من التجارب المستقلة والمتنوعة، وحققت نموذج مختلف بسبب أدوارها المتعددة في صناعة الموسيقى مثل كتابة كلمات الأغاني وتجاربها في التلحين بجانب اهتمامها بالتوزيع الموسيقي، ومؤخراً أضافت تجربة جديدة لها بالكتابة عن الموسيقى من خلال كتابها الحديث "كل ده كان ليه.. سردية نقدية عن الأغنية والصدارة"، وكان لنا معها هذا الحوار للحديث عن مسيرتها في صناعة الموسيقى وطموحاتها بها، حيث تعتبر من الملهمات اللاتي يقدمن روحا موسيقية جديدة ومختلفة في الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة.
كيف بدأ اهتمامك بالموسيقى والغناء؟
بدأ اهتمامي بالموسيقى في سن 8 سنوات في المدرسة، وكنت أغني باللغة الفرنسية والعربية على مسرح المدرسة وحفلاتها، وفي مرحلة لاحقة التحقت بمعهد الموسيقى العربية وحصلت على دبلومة دراسات حرة للغناء الشرقي والعود والصولفيج، وفي مرحلة الجامعة بدأت العمل في مجال المسرح في فرق بها تمثيل وغناء وعزف عود لمدة 4 سنوات، وذلك قبل تكوين فرقتي الخاصة وبداية مشروعي الغنائي الخاص في عام 2006.
وكيف كانت بداية مسيرتك الاحترافية في مجال الموسيقى؟
بدأت التفكير في تحويل مساري المهني بداية من عامي الدراسي الثاني في كلية الطب في جامعة القاهرة، لكن أجلت القرار إلى ما بعد التخرج، وأثناء عملي في فترة التدريب في مستشفى للصحة النفسية بدأت العمل بالفعل في المسرح، وقدمت أول أغنياتي في تتر فيلم "أسرار البنات"، وهذا ما شجعني كثيراً على اتخاذ قرار تغيير المهنة والانتقال بالكامل إلى مجال الموسيقى، وعلى الجانب منها مجال الدراسات الثقافية في المجال الفني والثقافي.
ما هي الصعوبات التي واجهتيها في بدايات عملك بمجال الغناء؟ وكيف تغلبتي عليها؟
أكثر الصعوبات التي واجهتني في بدايتي كانت في تكوين فرقة موسيقية، لأنني قادمة من خارج هذا المجال، بالإضافة إلى الصعوبات في بداية نشاط منتظم في مجال إحياء الحفلات الحية، وبعد ذلك كانت الصعوبات في تكون فريق خاص من الشعراء والملحنين لكي أتعاون معهم في بداية مشواري، لأنني كنت حريصة منذ البداية على إنتاج أغاني خاصة تعبر عني وعن جيلي، وكذلك الصعوبات الإنتاجية لأن الطابع الفني الذي كنت أرغب بتقديمه كان غير مرحب به في شركات الإنتاج في تلك المرحلة.
ولكنني استطعت التعاون مع أشخاص كانوا مؤمنين بمشروعي الغنائي مثل الموزع الموسيقي الكبير أسامة الهندي والشعراء مثل عمر طاهر والموسيقيين مثل هاني بدير والمخرج تامر مهدي وغيرهم، واستطعنا العمل على أول ألبوم "بره مني" بتكلفة معقولة بالنسبة لي من خلال تعاونهم ومجهوداتهم، وتشجعيهم لمشروع فني له طبيعة مختلفة.
من هم أكثر الفنانين والموسيقيين الذين أثروا في شغفك بالموسيقى؟
تأثرت كثيراً في البدايات بمشروع الأخوين رحباني وبصوت السيدة فيروز، وكانت من أوائل الأصوات العربية والمشروعات الموسيقية التي أثرت بي من الطفولة، وبعدها الفنان محمد عبد الوهاب الذي كان السبب في اتجاهي لدراسة للغناء الشرقي والعود، وكانت أعماله الموسيقية بشكل عام مؤثرة جداً علي، وبعد ذلك تأثرت بمجموعة مشروعات موسيقية مستقلة مثل فرقة "كلنا سوا" السورية، التي ظهرت في بداية الألفية الثالثة، وكانت لهم أغاني شهيرة وعبروا عن اتجاه فني مغاير، بالإضافة إلى الفرق الموسيقية الغربية التي ظهرت في تلك الفترة أيضاً، وكان لها تأثير في اتجاهي الفني، واحرص على سماع عدد واسع من الفنانين المختلفين.
ما هو الشيء الذي تحافظين على تواجده في أعمالك الموسيقية؟ هل هناك رسالة أو معايير محددة ترغبين في تواجدها في إنتاجك؟
أحرص أولاً على تنفيذ جودة صوتية عالية، لأنها حالياً أصبحت أساسية في مواكبة التطورات الجديدة، ولأنها أصبحت ضرورية لصمود العمل الموسيقي في السوق الرقمي، ويحتاج العمل أن يكون متوفر بجودة جيدة لكي لا يفقد الجمهور استمتاعه به مع مرور السنوات على طرحه، وهذا يحتاج إلى معايير خاصة في الهندسة الصوتية، لذا يجب على المطرب أن يكون لديه وعي بهذا المجال.
بالإضافة إلى ذلك أحرص على تقديم رؤية خاصة في حال العمل على تجربة أو حالة موسيقية معينة في الألبومات أو الغاني، مثلاً في تجربة عمل موسيقي جاز في ألبوم "قلبك زحام" في 2016، حرصت على تقديم تناول جديد مثل استخدام آلات موسيقية حية واستخدام مقامات موسيقية قديمة ومندثرة بجانب معاصر، بالإضافة إلى الآلات الموسيقية الغربية والمجموعات الوترية وآلات النفخ، وتواجد الآلات الشعبية التي تعبر عن الثقافة المصرية بتنوعاتها مثل آلة السمسمية وغيرها، وكان المزج بين هذه الحالات الهدف الموسيقي من الألبوم.
وتكرر الأمر في ألبوم "بره مني"، والذي كان في قالب موسيقى البوب، وأرى أنه يجب احترام القالب الموسيقي وإدخال رؤية الفنان الخاصة، وعندما انتقلت إلى الموسيقى الإلكترونية حرصت على أن تكون مناسبة للمستمعين في مصر والعالم العربي، واعتبر أصالة التجربة الموسيقية لا تتحقق باستعارة الأنواع أو القوالب الموسيقية فقط ولكن بإضافة المطرب والمتعاونين معه لها.
قدمتِ ألوان موسيقية مختلفة في مسيرتك.. ماهو النوع المفضل بالنسبة إليك؟ وما الشكل الموسيقي الذي تودين تقديمه في الفترة المقبلة؟
استمتعت بالأنواع الموسيقية التي قدمتها وعملت بها، وشعرت أيضاً أن دخولي للفضاء الرقمي في التنفيذ على البرامج الإلكترونية أضاف لي طابع جديد تابع لمجال الموسيقي الإلكترونية، ومنحني مساحات جديدة وكبيرة في الأداء والتجريب، لذلك استمريت في هذه المجال بأكثر من تجربة سواء تقديم موسيقى إلكترونية بحتة أو مزجها بموسيقى حية، وهذا ما أعطى جانب جديد للحالة الغنائية التي أقدمها، وحالياً أقترب من قوالب فنية قديمة مثل قالب "الطقطوقة" الذي كان شهيراً في فترة العشرينيات والثلاثينيات، وكان يقدم على التخت الشرقي، ولكني أسعى لإيجاد طريقة معاصرة لتقديمه سواء في الكلمات أو في التنفيذ الموسيقي وفي الهندسة الموسيقية، لإعادته إلى الأذهان ولكن بطريقة متجددة.
بجانب الغناء فهناك تجارب كثيرة لك في كتابة وتلحين أغانيكِ الخاصة.. كيف ترين هذه التجربة؟ خاصة أنها ظاهرة نادرة في الوسط الفني خاصة للسيدات.
عملي في التلحين وكتابة الأغاني من أفضل التجارب التي خضتها أثناء عملي بالموسيقى، لأنها تساعد في خروج أحاسيس وأساليب خاصة جداً بالمغني نفسه، وتكون أقرب إليه أثناء العمل بها، وخضتها في أكثر من تجربة بها تحرر وتعبير ذاتي وكذلك تعلم، لأنك ستواجه صعوبات أثناء صنع الكلمات والألحان وأثناء استكشاف نفسك في هذه التجربة، والتي بها مردود كبير في تكوين خبرة في الجانب الموسيقي، وأنا حريصة جداً أن استمر في التطور في هذه المجالات، خاصة أنها تجارب نادرة بالفعل بالنسبة للفنانات ولا أرى أي مانع في زيادة عدد المطربات اللواتي يقدمن صوت خاص وأسلوب خاص في الألحان وكتابة الكلمات.
هل عملك في الكتابة والتلحين يقتصر على تجاربك الذاتية فقط؟ من الممكن أن نراكِ تصنعين أغاني لفنانين آخرين؟
أحب أن ألحن لآخرين بالطبع، ولكني لا أعتبر نفسي ملحنة محترفة، لأن الكثير من الألحان التي أصنعها تكون مرتبطة باختياري للاغنية لنفسي، وبها جانب أكثر ذاتية، ولكن بشكل عام أحب خوض تجربة جديدة مع صوت آخر، لأنها من الممكن أن تؤدي إلى خروج شيء جديد، وقد تكون تجربة فنية مثيرة جداً، وأرى أن هناك أصوات كثيرة أحبها ولكن حتى الآن لا أعرف كيف سيكون شكل الالتقاء الفني معهم.
قدمتِ أيضاً نموذج مختلف باحتراف مجالات أخرى بجانب الموسيقى مثل الكتابة الأكاديمية في الموسيقى والنقد الثقافي.. هل تجدين تعارض بين هذه المجالات؟ وهل تؤثر إحداها على الأخرى في أعمالك؟
أحياناً الاهتمام بأكثر من مجال يجعل واحد منها يطغى على الآخر، وغالباً حينما أكون متفرغة لتسجيل ألبوم ومشروع موسيقى طويل، لا أجد وقت لعمل أشياء أخرى، ونفس الأمر حينما أركز على تحقيق إنجاز آخر مثل إنجازي لرسالة الماجستير، التي استغرقت وقت طويل أثرت على وقت عملي بالموسيقى والغناء، لكن هذا لا يعني وجود تعارض بين هذه المجالات، لأنني أكتشفت بعد فترة أن الخبرات التي جمعتها في أحد المجالات تصب في المجالات الأخرى، واكتشفت ذلك مثلاً حينما أنجزت كتابي الصادر مؤخراً "كل ده كان ليه"، ولمست استفادة من ممارستي وتجربتي العملية في مجال الموسيقى، بالإضافة إلى الدراسة أو في القراءة عن نفس المجال.
لذلك الخبرة العملية إلى جانب خبرة نظرية تكون مفيدة بالطبع لبعضهما، لكن المسألة كلها في تنظيم الوقت أو التركيز على جانب واحد أكثر من الآخر في وقت من الأوقات، ويحدث أحياناً نوع من التضحيات يحدث بين كل مجال على حساب الآخر، وأحاول أن أحافظ على تنظيم الوقت والإخلاص للتجربة التي أكون بها في اللحظة الراهنة.
كيف كانت كواليس تجربتك في كتابك الجديد "كل ده كان ليه"؟ وكيف كانت أصداء طرح الكتاب مؤخراً؟
تجربة كتابة الكتب مختلفة تماماً عن كتابة مقالات قصيرة أو متفرقة، لأنك تكتشف أنه لابد أن تحافظ على صوت واحد بالكتاب على مدى 300 صفحة، وهذه حالة مختلفة تماماً عن كتابة مقال من الممكن أن يتغير أسلوبه وحالته عن المقال الآخر، وكانت التجربة الجديدة لي أن أحافظ على اهتمام القارئ على مدى 300 صفحة، لذلك كتبت تقريباً 4 أو 5 مسودات للكتاب قبل كتابة النسخة النهائية بسبب تدربي على هذه الطريقة في الكتابة، وكان استقبال الكتاب من القراء مبهر مفاجيء بالنسبة لي، لأنني توقعت أن الكتاب المتخصص في مجال بعينه يعتبره البعض مقتصراً على الفئة المتخصصة في هذا المجال فقط.
لكن الكتاب تمتع بقراءة واسعة من قطاعات غير متخصصة، وهذا كان الهدف من ورائه أن يصل بأشكال مختلفة إلى عدد من القراء المختلفين، وأن لا يجدوا صعوبة في فهم مصطلحات موسيقية، وألا يكون توظيف هذه المصطلحات الموسيقية على حساب متعة القراءة، وشعرت بالرضا بسبب الأصداء التي تلقيتها من كتاب متخصصين ونقاد وقراء شباب وكبار ومن مختلف الأعمال، وشعرت أن الجهد الذي بذل بالكتاب لاقى رد فعل جيد جداً.
هل لديك طموحات مهنية أخرى بجانب الموسيقى والكتابة؟ من الممكن أن تخوضي تجربة التمثيل في المستقبل؟
بدأت بالتمثيل بالفعل في البداية من خلال المسرح، وحصلت على عدة ورش تدريبية في التمثيل مع الفنان أحمد كمال ومع المخرج الكبير أحمد ماهر، ودائما التمثيل مجال له جاذبية لدي، ولكن قد لم أبذل محاولات كافية كي استمر به، لأن الموسيقى جذبتني وأخذت مني وقت وجهد كبير بها خاصة بسبب الحفلات التي تعتبر مشروع متكامل، ولكن ليس لدي مانع من دخول مجال التمثيل، وأن أجرب في عدة مجالات فنية أخرى مثل كتابة السيناريو أو الكتابة للدراما ومن الممكن أن أركز بها في وقت من الأوقات.
برأيك ما هي أبرز الأشياء التي تتمنين تغييرها من أجل مساعدة السيدات في مجال الموسيقى؟
أهم نقطة في مساعدة الفتيات والسيدات في مجال الموسيقى هي تشجيعهن على تعلم الموسيقى، لأن أكبر عقبة تقف أمامهن في بداية الطريق هي التحاقهن بالمعاهد والأكاديميات وورش التدريب، بسبب المعتقدات السائدة وبعض الأفكار المنغلقة، وتنعكس هذه الأفكار في إحصائيات عدد الخريجين من معاهد وأكاديميات الموسيقي، والتي تظهر نقص شديد وملحوظ في عدد السيدات، و سنستفيد كثيراً في حال دخول عدد من الملحنات والمؤلفات والمغنيات للمجال الفني، ولكن المشكلة الأساسية هي إتاحة فرص التعلم لهن بحرية وأمان، لأن الأعداد التي تقبل على دراسة الموسيقى من السيدات منخفضة جداً حتى الآن