"مغنية راب بدرجة شاعرة".. الفنانة التونسية فاتن بن خالد "F.B.K" في حوار خاص مع "هي"
الفنانة التونسية الشابة فاتن بن خالد "F.B.K"، من أبرز الأسماء الصاعدة بقوة في مجال الراب في تونس والوطن العربي في الفترة الأخيرة، واستطاعت في فترة قصيرة من بدايتها الفنية أن تحقق صدى واسع بأعمالها، وقدمت موهبتها في التأليف وكتابة الكلمات والتعبير عن ذاتها واهتماماتها وكذلك قدراتها الصوتية والفنية بجانب ظهورها المميز في كليباتها وفيديوهاتها.
"صديقة للقلم والموسيقى".. فاتن بن خالد تتحدث مع "هي" عن رحلتها مع الراب
طرحت فاتن بن خالد أولى أعمالها على قناتها بيوتيوب في 2018 بعنوان "مفلقطة"، ومن وقتها إلى الآن طرحت العديد من الأعمال التي لاقت مردود جماهيري وفني كبير حتى تجاوزت نسب استماع أغانيها على يوتيوب أكثر من 12 مليون مستمع، ومن أشهر أغانيها "فري ستايل- حسن البرقعي ابن نارو"، و"FRIDA" و"القرين" و"مانخليك" و"كعابي" و"غيوم الحياة" وغيرها، وكان لنا معها هذا الحوار، للتعرف إليها عن قرب واكتشاف كواليس مسيرتها الصاعدة في الراب وطموحاتها وأحلامها الفنية:
حدثينا عن بدايتك ونشأتك وكيف بدأ اهتمامك بالموسيقى والراب؟
أنا فاتن بن خالد، فنانة راب محترفة وشاعرة، وقد استلهمت اسم شهرتي من اسمي ولقبي، نشأت في مدينة "حمام الأنف" التابعة لولاية بن عروس في تونس، بالنسبة إلى دراستي أنا جامعية أدرس بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية جامعة تونس المنار واختصاصي "الإجازة في الأدب واللغة والحضارة العربية".
اقتربت من الموسيقى مع متابعتي للمسلسل التونسي "نجوم الليل"، حيث كانت أغنية جينيريك المسلسل تحتوي على مقاطع راب، وكنت أغني مع الأغنية وأستمتع بذلك إلى أن لاحظت توافقاً بين صوتي والأغنية، أو بالأحرى طبقة صوتي بدت لي مناسبة، وبعد فترة قليلة ومع اندلاع الثورة في تونس واضطراب الأوضاع على جميع المستويات، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، كتبت أول سطوري نتيجة تأثري بهذه التغييرات نظراً لصغر سني، وقد كنت حينها بعمر 10 سنوات، وبعد أشهر قليلة من كتابتي لأول أغنية لي، يوم عيد الأضحى انطلقت في أول قصيدة، وذلك توازيا مع لحظة الأضحية، وهي انطلاقة ذاتية ممزوجة بالنفس الموروث من العائلة، لأن خالتي الشاعرة فوزية العكرمي، ومنذ أن كتبت سطوري الأولى لم أغادر الكتابة إلى يومنا هذا ولن أغادرها إن شاء الله.
ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهتيها في بدايات عملك بمجال الغناء؟
واجهت في الحقيقة عدة صعوبات خاصة في البداية من بينها رفض بعض أفراد عائلتي للأمر، وتجسد ذلك في الدهشة والاستغراب من التغير المفاجئ الذي حدث معي بعد أن كان أكثر ما يستهويني اللعب مع زملائي في الحي، وصرت منغمسة في الكتابة، أمضي معظم وقتي في غرفتي صديقة للقلم والموسيقى، وقد ظن الجميع أن الأمر مؤقت وليس إلا حلما عابرا، ولكنّ استمراري وتشبثي وضعهم أمام الواقع المحتوم، وواجهت أيضاَ رفض المجتمع الذي تولد من أمرين أساسيين هما الصورة العامة التي سلم بها المجتمع أن ميدان الراب ميدان متدن أخلاقيا، والفكر الذكوري الذي يؤمن بأن الراب مقتصر فقط على فئة الذكور رغم نجاح عدة نساء في الميدان.
ما أكثر شيء دفعك إلى احتراف مجال الراب؟
أؤمن بشدة أن الإنسان لا يختار موهبته أو شغفه ودليل ذلك أن هنالك عديد الأشياء الجميلة التي نستلطفها و تجذبنا ولكننا لا نعيرها اهتماماً أو أولوية، وانطلاقا مما ذكرت أردت أن أقول إنني لم أختر دخول ميدان الراب أو الكتابة ولكنني اخترت الاستمرار لاقتراب هذا الفن من المجتمع بطريقة مباشرة أو بالأحرى من الطبقة الكادحة التي ربما لا تفهم لوحة الرسم التي ستبدو لها غامضة، ولكنها تفهم أغنية كتبت بلغتها أو لهجتها العامية إلى جانب أن هذا الفن عرف بالتزامه بقضايا مجتمعية هامة، وهذا لا ينفي التزام بقية الفنون، ولكن المسافة القريبة بين فن الراب والمجتمع تؤهله أكثر للتغيير ويؤكد هذا أكثر اهتمام الفئة الشبابية خاصة به.
من هم أكثر الفنانين والموسيقيين الذين أثّروا في شغفك بالموسيقى والراب؟
في بداياتي كنت أستمع كثيرا إلى "بلطي" لاهتمامه بقضايا مجتمعية غير مألوفة وراق لي كثيرا نجاح "ديامس"، وأعتبرها نموذجا مميزاَ لمسيرة فنانة كافحت من أجل الدفاع عن ابداعها وطموحها إلى جانب أن اهتمامي بالموسيقى لا يقتصر على فن الراب فقط، بل هو منفتح على جميع الأصناف الموسيقية كالطرب والألحان العظيمة وغيرها لأن التطور يشترط عدم الانغلاق والتقيد بنمط أو صنف معينين لذلك تجد تنوعا كبيرا في قائمة الأغاني التي أستمع إليها.
ما هو الشيء الذي تهتمين بتواجده في أعمالك الموسيقية؟
طبعا هنالك خيط رابط بين جميع أعمالي ويتجسد هذا الخيط في عدة أشياء من بينها التحفيز على التشبث بالأحلام والطموحات مهما كثرت المصاعب، إضافة إلى أنني أحاول التعبير عما يعجز العامة عن التعبير عنه، وإن بدا الواقع قبيحاً في عدة جوانب فإنني أحاول أن ألبسه ثوباً جميلاً هو اللحن والكلمة العميقة.
هناك صحوة في مجال الراب في الوطن العربي.. ما رأيك في تجارب السيدات في هذا المجال حتى الآن؟ هل قادرات على منافسة الرجال والتعبير عن أنفسهن بالراب؟
طبعاً هن قادرات.. لا أعرف السبب الذي يجعلنا نتعرض إلى هذا إلى الآن رغم أن العصر تجاوزها ومن المفترض أن يصير الأمر عادياً، وأجهل أيضا السبب الذي يجعلنا نتساءل إن كانت السيدات قادرات على منافسة الرجال، والحال أنهنّ ينافسنهم فعلا منذ دخولهن هذا المجال، والواقع يمنحنا عدة اثباتات لهذا الأمر.
بالنسبة إلى رأيي في تجارب النساء، هي تجارب ناجحة محترمة جداً رغم وجود عدة تجارب بها تسطح فكري، والحال نفسه بالنسبة إلى الرجال طبعاً، ألاحظ أيضاً استغلالاً كبيراً لأمور أخرى غير الإبداع والفن، كإظهار مفاتن الجسد لحصد المشاهدات والمتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي دون التطرق إلى الرسائل النبيلة والراقية، ما يسهم في الاندثار والاضمحلال السريعين لهذه التجارب، وهذه مسؤولية مشتركة قوامها المتابعون الذين شجعوا على مثل هذا.
هل تواجهين صعوبات لكونك فتاة في مجال الراب؟
طبعا أواجه عدة صعوبات يتجسد بعضها في تعليقات وسائل التواصل وما يحز في النفس أنها تظهر فكراً محدوداً وتسطحاً عقلياً كبيراً، أتذكر أنني كنت سأتعرض للعنف المادي ذات مرة من قبل فتيان بعد مسابقة في الراب، وذلك لرفضهم أن الحائز على الجائزة الأولى فتاة وليست من المنطقة، إضافة إلى أنواع الاستغلال الأخرى.
هل لديك رغبة في تقديم ألوان موسيقية أخرى بجانب الراب؟
طبعا كما ذكرت سابقاً، أنني أؤمن بالانفتاح لدوره الفعال في التطوير والإثراء، لهذا لن يزعجني مطلقاً الانفتاح على أنماط أخرى بل يسرني ذلك.
ماهي طموحاتك الفنية في هذا المجال؟ وما الذي ترغبين في الوصول إليه من خلاله؟
هنالك طموحات ذاتية بحتة وطموحات ذاتية إنسانية، وتتمثل في بلوغ العالمية من خلال رسائل راقية تذكر الناس بأهمية الفن في المجتمع، بعد نسيانها، واكتفوا بالظاهر الذي استساغة الدخلاء، سيلهمني كثيرا أن أزور عدة بلدان من أجل العروض، أريد كذلك أن أكون نموذجاً مميزاً يمحو الأفكار السائدة حول المرأة في فن الراب.
برأيك هل أصبح الجمهور في الوطن العربي أكثر انفتاحاً على سماع لهجات عربية مختلفة أيضا أكثر من السابق؟
أجل، وقد ساعدت الموسيقى على هذا كثيرا.. الفن عامة يقرب المسافات بين البلدان والموسيقى خاصة تنمي التقارب بين الثقافات وذلك عبر اللغة التي تدفعنا إلى فهم اللّهجة من أجل الاستمتاع أكثر بالأغنية، كتعاملنا أيضا مع الأغاني الأجنبية، فاهتمام الشباب اليوم باللغة الإنجليزية نتيجته اهتمامهم بالأغاني الإنجليزية.
كيف ترين وضع سوق الإنتاج الغنائي في تونس بشكل عام وبالنسبة للسيدات بشكل خاص؟ وما الذي تتمنين تغييره أو حدوثه من أجل تحسين أوضاع الفنانين؟
أرى أن عدة نساء فرضن وجودهن رغم العراقيل والصعوبات التي تعرضن إليها ولكن كثيراً من الفتيات يواجهن الرفض العائلي منذ البداية ما يجعلهن يستسلمن للواقع المحتوم وهذا أمر مؤسف جداُ، وإن تجاوزت الفتاة الرفض العائلي فإنها تجد عدة عراقيل في الوسط الفني كالتحرش والمقايضات اللاأخلاقية، أرى أيضا أن الطابع المادي غلب كثيرا مقارنة بالطابع الفني وهذا ما أسهم في تدني الأوضاع.. وبالنسبة إلى الحلول أجد أننا يجب أن نعود إلى معالجة أسباب ظهور هذه المشكلات...فهناك إهمال كبير لوضعية الفنانين، والمجال الفني كغيره من المجالات يعاني فسادا إداريا ينبغي مواجهته، إلى جانب أن بعضهم يعانون ترديا للوضع المعيشي ومن واجب الوزارات مساعدتهم.