في ذكرى جودي هوليداي.. نجمة الخمسينيات التي غيرت صورة المرأة على الشاشة ورحلت في سن مُبكرة!
كانت مشهورة بشعرها الأشقر الفاتح القصير، وعيونها الواسعة، وصوتها الطفولي الحاد، وأدائها لشخصية الأنثى الجميلة الحمقاء، لم تكن "مارلين مونرو" أخرى ولم تتشبه بها، وإن جمعت بينهما بعض الأمور، وذات يوم قامت بتقليد "مارلين مونرو". كان الفضول يقتل الممثلة "مارلين مونرو" حينما سمعت أن الممثلة الموهوبة "جودي هوليداي" تُقلدها يوميًا في عرض تليفزيوني مُسجل، وطلبت أن تُقابلها وجهاً لوجه، ودعتها "جودي" إلى لقاء في شقتها، وجلست "مارلين" بجوار "جودي" أمام المرآة وهي تتزين قبل العرض، وربما حاولت أن تجد رابطًا ما بينهما.
الشقراء الساذجة!
كانت "مارلين" أكثر شهرة عالميًا، لكن "جودي" أكثر موهبة، وكلا منهما قدمتا نموذج الشقراء "الغبية" في أفلام شهيرة، وكانت حياة كل منهما قصيرة وتأثيرهما الفني مُمتدًا.
تحتفل هوليوود وقنوات TCM للأفلام الكلاسيكية الشهر الجاري بذكرى ميلاد ووفاة الممثلة الأمريكية الشهيرة "جودي هوليداي"، وهي أيقونة في عالم التمثيل والنشاط النسوي والخيري والسياسي. وُلدت جودي في 21 يونيو عام 1921 وماتت قبل عيد ميلادها رقم 44 بأسبوعين، وذلك في 7 يونيو عام 1965 بعد مُعاناة قصيرة مع مرض السرطان.
كانت مُمثلة مُخلصة لخشبة المسرح، وكانت السينما تناديها بين الحين والأخر، وخلال حياتها قامت ببطولة عدد قليل من الأفلام، وكانت شركات الإنتاج تضع إسمها وصورتها في صدارة الأفيشات وتترات الأفلام. إرثها السينمائي رغم قلته كان مُلهما ومؤثراً حتى يومنا هذا، وجسدت نموذج المرأة الطموحة التي لا ترى نفسها تابعة للرجل.
شغفت "جودي هوليداي" بالقراءة في طفولتها، وكانت قارئة نهمة للأدب العالمي، وكان الأدب والفن ملاذًا لها من شعورها بالإكتئاب الذي لازمها بعد إنفصال والديها حينما كانت في السادسة. بدأت التمثيل والغناء في الحفلات المدرسية، ولفتت موهبتها المُبكرة الجمهور، وبعد تخرجها من المدرسة الثانوية عملت في بعض الملاهي الليلية، وكانت تُغني ضمن فرقة تدعى The Revuers، وكانت الفرقة تؤدي بعض الإسكتشات التمثيلية، وكانت "جودي" ممثلة خجولة في بدايتها، ووجدت صعوبة في الأداء على المسرح، ولم تحب العمل في أجواء الملاهي الصاخبة، ولكنها حرصت على التغلب على خجلها؛ فقد كان مقياس نجاح الفنان وقتها هو القدرة على العمل في ظل تلك الظروف المُزعجة.
ضلع آدم والبداية!
ظهرت كومبارس في بعض الأفلام في منتصف الأربعينيات، لكنها وجهت طاقتها للعمل على المسرح في برودواي، وفازت عن أول أدوارها على جائزة أفضل ممثلة مسرحية واعدة لعام 1945، ومثل لها ذلك إنطلاقة هامة، وشجعها الممثل "سبنسر تريسي" على قبول دور الزوجة المتهمة بمُحاولة قتل زوجها وعشيقته في الفيلم الرومانسي الكوميدي "Adam's Rib" "ضلع آدم" الذي تشارك بطولته "كاثرين هيبورن" و"سبنسر تريسي"، وتناول صراع زوجين في قاعة المحكمة؛ الزوجة مُحامية تُدافع بحماس عن سيدة تُدعى "دوريس أتينجر"، وهي زوجة مُتهمة بمُحاول قتل زوجها، والزوج هو المدعي العام الذي يؤمن بالقانون والعدالة، ويسعى لإيداع الزوجة في السجن، وتؤثر خلافات الزوجين داخل قاعة المحكمة على علاقتهما الزوجية المستقرة، ويبرز في الفيلم أداء "جودي هوليداي" للزوجة الساذجة التي يدفعها الشعور بالإهمال والإهانة والخيانة إلى التصرف بحماقة.
رغم قوة أداء "هيبورن وتريسي"، والكاريزما الهائلة بينهما إلا أن "جودي هوليداي" كانت تُحلق بأدائها العفوي في منطقة أخرى من التعبير الكوميدي، وبلغت قدرتها الفائقة في تقمص شخصية "دوريس أتينجر" حد ظن بعض الجمهور أنها تؤدي شخصيتها الحقيقية، ومشهد إستجواب المحامية لموكلتها المتهمة نموذجًا للكوميديا التي لا تعتمد على الألفاظ أو الصراخ؛ فقد كانت "جودي هوليداي" تقوم بدور الزوجة الساذجة التي لا تُدرك المأزق الذي وضعت نفسها فيه، وتغرق ردودها في تفاصيل تافهة ظناً أنها تساعد محاميتها في فهم قصتها، وكان تؤدي المشهد بتعبيرات مليئة بالدهشة والبراءة التي تتناقض مع جريمتها وموقفها القانوني الصعب.
مفاجأة الأوسكار!
حصلت "جودي هوليداي" على جائزة الجولدن جلوب لأفضل ممثلة دور مساعد عن فيلم "ضلع آدم"، وكانت دورها إختبارًا لأدائها وقبولها على شاشة السينما؛ فقد كانت ممثلة مسرح موهوبة ومشهورة ولم تكن السينما بيتها الأصلي، ومنحها نجاحها في دور "دوريس أتينجر" فرصة بطولة فيلم "Born Yesterday" "وُلدت بالأمس" عام 1950، والفيلم مُعالجة سينمائية مُقتبسة عن مسرحية قامت هي ببطولتها سابقًا في برودواي.
حقق فيلم "وُلدت بالأمس" نجاحًا كبيرًا على المستوى التُجاري، وكانت المفاجأة الأكبر فوز "جودي هوليداي" بأوسكار أفضل مُمثلة دور رئيسي عام 1950 عن دورها في الفيلم مُتفوقة على "بيتي ديفز" المُرشحة في نفس الفئة عن دورها في فيلم "All About Eve" "كل شىء عن إيف"، و"جلوريا سوانسون" المُرشحة عن دورها في فيلم "Sunset Boulevard" "سانسيت بوليفارد"، وكلا الفيلمين من الأعمال الدرامية الهامة التي احتوت على أداء قوي لكلا من "بيتي ديفز" و"جلوريا سوانسون"، وكانت توقعات أوسكار أفضل ممثلة دور رئيسي محصورة بين هاتين الممثلتين.
مواهب متعددة!
كان دور "جودي هوليداي" من نوعية الكوميديا، وكانت تؤدي شخصية تعرفها جيدًا ومثلتها على المسرح عشرات المرات، وهى شخصية "بيلي دون"، وهي حسناء شقراء ساذجة محدودة الثقافة من أصول فقيرة، تُرافق تاجر خردة فظ، يسعى لتوسيع نفوذه من خلال توثيق علاقاته برجال السياسة في الكونجرس، ويستعين بصحفي شاب لتعليم بيلي آداب التعامل مع المُجتمع الراقي في العاصمة واشنطن، وتدريجياً تبدأ شخصية بيلي في التحول وإكتساب ثقة في نفسها ومُراجعة حياتها.
ربط البعض بين أدوار "جودي هوليداي" في عدد من الأفلام وشخصيتها الحقيقية؛ ولكنها في الواقع كانت تتمتع بمُعدل ذكاء مُرتفع للغاية يصل إلى 172 درجة، وحينما تم إتهامها في الخمسينيات بالتعاطف مع الشيوعية إستعدت للوقوف أمام اللجنة المُكلفة بالتحقيق معها والرد على كل الإتهامات لكن مستشارها القانوني لم يرغب أن تبدو أذكى وأكثر ثقافة من المحققين، ونصحها أن تتعامل مع اللجنة بأسلوب شخصية "بيلي دون"، وقد نجت بسبب هذا الأمر.
تمتعت "جودي هوليداي" بمواهب متعددة؛ من بينها الغناء والإستعراض، وكانت ممثلة تؤدي الأدوار التراجيدة والكوميدية، وصنعت في السينما ثنائيات ناجحة مع "جاك ليمون" و"دين مارتن"، وأهلتها خفة ظِلها لأداء الأدوار الكوميدية في برودواي، ولها ألبومين غنائيين، صدر الأول عام 1958 بعنوان Trouble Is a Man، وسجلت ألبوم ثاني من نوعية الجاز مع عازف الساكسفون "جيري موليجان" عام 1961 بعنوان Holliday with Mulligan وصدر للمرة الأولى عام 1980 بعد وفاتها بخمس عشرة عامًا.
مصادر الصور: ويكيبيديا- صفحة قناة TCM