مسلسل Black Mirror الموسم السادس إبتعد عن فكرته الرئيسية وغرق في الجريمة والماورائيات!
ربما يكون كثير من الجمهور أحمق ويبحث عن توافه الأمور؛ فلماذا لا نحذره من الحماقة ونُشجعه عليها في نفس الوقت؟ ربما يكون ما سبق جزء من خواطر صُناع حلقات الموسم الجديد من مسلسل الأنثولوجي "Black Mirror" "مرآة سوداء"، ومعهم بلا شك قسم الدعاية والتسويق في "نتفليكس".
تسعى حلقات المسلسل إلى تقديم حكايات قاتمة عن أثر التكنولوجيا والذكاء الصناعي على البشر، وهي حكايات تُحاول من خلال حبكات غرائبية تصور حياة الإنسان في المستقبل القريب أو الماضي البديل، ومنذ عرض الموسم الأول عام 2011 والمُشاهد يظن أن نوعية المستقبل التي يتناولها المسلسل بعيدة، والتحذير من أضرار التكنولوجيا فيها يحمل الكثير من المُبالغات الدرامية، ولكن تطورات الذكاء الصناعي الأخيرة تؤكد أننا نسير بسرعة فائقة نحو مستقبل غامض.
المنصات تسرق حياتك!
يفتقر الموسم الجديد كثير من الأمور الأساسية التي بنى عليها شهرته في المواسم الأولى، وأبرزها الوعي الذي كان يرى من خلاله أزمات إنسانية تنبع من مشاكل التقنية، لا يحتاج مشاهد المسلسل إلى حكايات عن مذؤوب، وسفاح سادي مُنحرف، وشيطان مُبتدىء، هذا أمر بعيد تمامًا عن علاقة الإنسان والتكنولوجيا.
من المفارقات الساخرة أن أبرز الحلقات المعروضة على منصة "نتفليكس" تثير المخاوف مما يُمكن أن تصل إليه صناعة الأعمال الدرامية على المنصات، والحلقة بعنوان Joan Is Awful"جون البغيضة"، وفكرتها حول مُشاهدة تُفاجي بقصة حياتها اليومية تُعرض يوميًا على منصة تُدعى "ستريم بيري"، والساخر أن اللوجو الموسيقي للمنصة الخيالية هو نفسه لوجو "نتفليكس"؛ إننا نتعامل مع فكرة تتهكم من الواقع، ومنصة خيالية تثير المخاوف من مُستقبل المنصات، خاصة حينما تبدأ في البحث عن التريند ومنافسة مشاهدات فيديوهات التيك توك واليوتيوب.
الفكرة عن مُحاكاة حياة شخص ما بواسطة الذكاء الصناعي، وتجسس الأجهزة الذكية التي يستخدمها الإنسان عليه، ويتنقل كل ذلك إلى كمبيوتر فائق الذكاء، قادر على صُنع فيديوهات مُخلقة بتقنيات الCGI والتزييف العميق، وفي الحلقة يتم تجسيد شخصية البطلة بوجه الممثلة "سلمى حايك" المُخلق بواسطة الكمبيوتر، وهى إشارة إلى أن الممثل قد لا يقوم بالتمثيل بنفسه، إنه فقد يُعير ملامحه وصوته للكمبيوتر.
الفكرة هنا لا تنبهر بقدرة الآلة على خلق دراما مُقتبسة من واقع بشري وتحويلها إلى عمل فني، وتذهب إلى تداعيات الأمر وأثاره على الشخصيات الحقيقية؛ فالشخصية الحقيقة تكتشف أن لا تستطيع مُقاضاة المنصة بتهمة التشهير، ووقف إنتاج عمل درامي يفضح خصوصياتها، وذلك لأنها تكتشف أن موافقتها على بنود الإستخدام تعني موافقتها الصريحة على إستخدام المنصة لشخصيتها، وبنود الإستخدام الموجودة في كل البرامج هي شروط لا يقرأها أحد، ويُمكن أن تتضمن أى شىء.
من الأشياء التسويقية التي لا تنفصل عما قدمه المسلسل هو أن "نتفليكس" في بريطانيا أتاحت للمشاهدين إرسال صورهم وأسمائهم الحقيقية لتضعها على اللوحات الدعائية الضخمة في عدد كبير من المدن الإنجليزية، ولو كنت أعيش هناك لم أكن أحب أن يشاهد الناس صورتي مكتوبًا تحتها بفونط كبير "إيهاب البغيض"، ولكن كثير من الجمهور وجد في الأمر شهرة وطرافة وأرسل صوره للمنصة!
وحوش تتغذى على التريند؟
التوحش الإنساني وفكرة أن تتحول خصوصيته إلى تريند تتم المتاجرة به أمر يحدث يوميًا على مواقع التواصل الإجتماعي، وبعض البرامج التليفزيونية التي تنقل هذا العبث اللا أخلاقي بحثًا عن المشاهدين، وحلقة "جون البغيضة" تفضح إساءة البشر إستغلال التقنيات فائقة الذكاء، وتذهب حلقة Loch Henry "لوك هنري" إلى ما هو أكثر قتامة، وذلك بعد عودة طالب سينما ورفيقته إلى قريته الأم في سكوتلاندا؛ بهدف صنع عمل وثائقي مستقل عن جامع بيض مهووس، ولكن تتغير خطة الثنائي حينما تظهر لهما قصة قديمة عن شخص مُنحرف كان يخطف بعض السياح ويقوم بتعذيبهم وقتلهم.
الحكاية قديمة وكانت سببًا غير مُباشر في مقتل جد الشاب، وهو رجل شرطة محلي، وتنكشف مزيد من الأسرار لم تكن في صالح الشاب وجدته الأرملة، ويطرح العمل السؤال الأخلاقي: هل البحث عن الحقيقة يستهدف العدالة بذاتها؟ أم تحقيق ضجة وصناعة تريند جديد؟
الحلقة من الناحية الدرامية تقليدية، وتشبه الكثير من حكايات التشويق والرعب، وربما تكون جيدة في سياق أخر خارج إطار "المرآة السوداء"، وهى أقل حلقات الموسم إلتزامًا بملامح وأجواء حلقات المسلسل وعلاقته بالمخاوف تكنولوجية، ولكنها في النهاية تُشير إلى أحد أسوأ مُنتجات التكنولوجيا، وهو البحث عن التريند، وإستغلال الفضائح والأسرار كوسيلة للشهرة.
في مشهد من حلقة "ميزي داي" تطلب ممثلة شابة من مصورة الباباراتزي قتلها لتتخلص من عذابها، لكن المصورة تُقدم لها المسدس بيد، وباليد الأخرى تُمسك الكاميرا لتوثيق المشهد؛ لقد تملك شيطان الشهرة والتريند من المصورة، وتحولت إلى وحش رغم بعض ملامح الخير التي بدرت عنها في مواقف أخرى. تسير حلقة "ميزي داي" على نفس خُطى حلقة "لوك هنري" ويبدأ الأمر بمُطاردة مجموعة من مُصوري المشاهير لمُمثلة شابة اختفت فجأة وهناك شكوك حول إدمانها المخدرات، ولكن الأمر يتحول إلى كابوس مرعب وشديد الخطورة، ورغم ذلك تتابع المُصورة "بو- زازي بيتز" وزملائها المطاردة غير عابئين بالخطر.
في حلقة Demon 79 "الشيطان 79" يوسوس شيطان لفتاة بريطانية من أصول هندية لقتل ثلاثة أشخاص وإلا تسبب في دمار العالم، وتتعرض الحلقة للعنصرية التي كانت مُنتشرة في بريطانيا في نهاية السبعينيات زمن أحداث الحلقة، ووحدة شخصية "نيدا- أنجانا فاسان"، وتسير الأحداث بين وحشية ما تقوم به لحساب الشيطان، وملامح الجنون الذي تملكها، في لحظة ما بدأ الشيطان يخاف من سلوكها.
البشر هم الخطر!
تعود الغرائبية والخيوط الدرامية المُفرطة في التطرف مع الحلقة الثالثة Beyond the Sea "خلف البحر"، وذلك من خلال حياة رائد فضاء وزميله في حقبة الستينيات، وكلاهما في مهمة فضائية تستغرق ست سنوات، وخلال ساعات الراحة والنوم يقوم كل منهما بالإتصال بنسخة روبوتية منه على الأرض، وهذه النسخة تعيش في منزله مع عائلته، وتقوم بكل مهام الأب والزوج.
الحلقة تُقدم من خلال تاريخ بديل؛ فرغم أجواء الستينيات لكن التقنية التي يتناولها العمل شديدة الحداثة وخيالية، وتتناول فكرة الحسد والطمع والتلاعب بحياة الأخرين، وذلك من خلال شخصية رائد الفضاء "ديفيد-جوش هارتنيت" الذي تتعرض عائلته للقتل بوحشية من خلال طائفة مُتطرفة ترفض إستبدال الروبوتات بالبشر، ولأن روبوت ديفيد تم تدميره ولا يُمكن صناعة بديل أخر يعيش ديفيد في حزن وإكتئاب ووحدة حتى يسمح له زميله بإستخدام شريحته ليحل بوعيه في روبوت "كليف-أرون بول"، ويقضي بعض الوقت على الأرض، ومن هنا تبدأ تداعيات الحكاية والكارثة؛ فما يبدأ على أنه لفتة طيبة من زميل يتحول إلى حسد ورغبة في مشاركة ما يملكه.
المسلسل لا يتحيز ضد التكنولوجيا بشكل أعمى، ومع إستمرار الحلقات يبدأ بإلقاء مزيد من اللوم على البشر؛ إما للجشع والطمع أو إدمان الشهرة والتريند، وهو في كل الأحوال يحكي قصص مُسلية ومُخيفة عن أشياء بعضها حدث، وبعضها ربما يحدث!