"Silo".. ريبيكا فيرجسون تبحث عن حقيقة الصومعة في ديستوبيا جذابة عن عالم مُستقبلي غامض!

تحكي دراما الديستوبيا عن عوالم مُستقبلية بائسة، لا أحد يرغب في العيش بها، ولكنها لسبب ما مثيرة للمتفرج؛ فهي تصور عالم لا يحبه كواقع ولكن تفاصيله مُثيرة ومُسلية كأطياف على الشاشة؛ فالأمر أشبه بالإستمتاع بمشاهدة أفلام الرعب والكوارث. جزء كبير من جاذبية حكاية مجتمع مسلسل "Silo" "الصومعة" الذي عرضته شبكة أبل مؤخرًا يعود إلى إتقان صناعة أجوائه وحبكته القوية؛ فنحن نُتابع الحياة داخل بناية ضخمة تمتد إلى مئات الأدوار تحت الأرض، وقد ألف أهلها الصعود والهبوط على السلالم العريضة الضخمة التي توازي طُرقات الشوارع في العالم التقليدي المُعاصر، وبعد مشاهدة الحلقة الأولى من العمل يألف المتفرج قوانين الصومعة وتفاصيلها الغامضة.

قانون الصومعة وجريمة الخروج!

يخضع أهل الصومعة للقوانين الصارمة ، وقد اقتنعوا أنها القوانين التي تحميهم أحياء في الداخل، وتقيهم خطر الهواء السام المُلوث في الخارج.

الإعلان عن الرغبة في الخروج جريمة عُظمى، ولكن قوانين الصومعة لا تمنع أحدًا من الخروج لو أعلن عن رغبته علنًا؛ يمنحونه قطعة صغيرة من الصوف ويطلبون منه تنظيف عدسة الكاميرا الوحيدة التي تنقل لهم صورة الأرض المُقفرة التي تحيط الصومعة؛ لهذا يُطلقون على عملية نفي المواطن إلى خارج الصومعة: "الخروج والتنظيف".

نجح المسلسل في صناعة عالم ديستوبي يُمكن تصديقه والتفاعل مع أجوائه وشخصياته، وهو عالم قاتم غريب يقطنه ما تبقى من بشر بعد حدث تاريخي كارثي لا يعرفه أحد، والصومعة بناية يقطنها عشرة ألاف فرد، وتحكمهم قوانين لا تُحصى؛ منها مثلًا تحريم تركيب الأسانسيرات، أو اقتناء العدسات المُكبرة، أو امتلاك أي غرض ينتمي للعالم القديم، وتوجد شاشة واحدة في كافتيريا الطابق الأعلى يرى من خلالها أهل الصومعة الخارج؛ وهو أرض قفر مهجورة بلا معالم مميزة، ولا تحتوي على أية علامات الحياة.

الشك في تاريخ الصومعة يدفع خبيرة التقنية أليسون بيكر (رشيدة جونز) إلى تخطى قوانين بحثًا عن إجابات لأسئلتها، بعد شكوكها في أكاذيب السلطات، وأخيرًا تطلب الخروج ومُشاهدة العالم الخارجي بنفسها، ويُشارك أليسون في شكوكها زوجها مأمور الصومعة هولستون (ديفيد أيولو)، ولكنه أكثر من زوجته حذرًا وترددًا.

امرأة في مهمة البحث عن الحقيقة!

تتركز الأحداث حول أليسون وهولستون في الحلقات الأولى، ولكن تتركز الأضواء لاحقًا حول بطلة العمل الرئيسية جولييت نيكولس (ريبيكا فيرجسون)، وهي مُهندسة بارعة، ومسئولة عن صيانة الوسيلة الوحيدة للطاقة داخل الصومعة، وهو مولد كهرباء ضخم، وتجد نفسها فجأة في مهمة غير مؤهلة لها كبديل للمأمور السابق.

انتقال البطلة من القاع المُهمش إلى الطبقات العُليا يفتح أمامها فرص الوصول إلى إجابات على الأسئلة المُحيرة حول حقيقة الصومعة، والأسرار التي لا يرغب الكبار في البوح بها، وتمنح المُتفرج فرص التعرف على شخصيتها وماضيها الذي يُفسر بعض ألغاز الحاضر، ويُسلط الأضواء على دوافعها وأفكارها.

كتب المسلسل "جراهام يوست" إقتباسًا عن ثلاثية روائية كتبها "هيو هاوي" بعنوان "ثلاثية الصوف"، ويُقدم الموسم الأول أحداث جزء من الرواية الأولى، وجاري تصوير موسم ثان من المسلسل، وهو قرار عززه المشاهدات والتقييمات الإيجابية للعمل.

أغلب الشقق تبدو صغيرة ومُتقشفة بما يتلائم مع مكان موارده محدودة وعدد سكانه كبير، وفي المقابل هناك مُبالغة في رحابة ومساحة السلالم والأروقة، فهي ليست مجرد أماكن صعود ومرور سكان بناية، بل هي الوسيلة الوحيدة التي يتحرك فيها ألاف البشر يوميًا صعودًا وهبوطًا، أناس حُكم عليهم بالذهاب إلى العمل صعودًا إلى الطوابق الأعلى على درجات سلم عريض يقوم بدور الشارع، ويهرول عليه حملة الرسائل البريدية؛ إذ لا يوجد وسائل تواصل إلكترونية مُتاحة للعامة.

فضول البطلة وحيرة المتفرج!

تبدأ القصة من القمة، وتتصدر أليسون وزوجها المأمور أحداث الحلقات الأولى، وتظهر البطلة الرئيسية جولييت لاحقًا، وهي تُمثل أهل القاع رغم أن عائلتها من الطبقة الوسطى؛ فوالدها طبيب معروف بالصومعة، ولكن أحداث غامضة في ماضيها أثناء مرحلة الطفولة والمُراهقة كانت السبب في تمردها ورغبتها في تعلم مهنة الميكانيكا والبقاء بصحبة مارثا "هارييت والتر"، وهي مُهندسة إلكترونيات بارعة تدير ورشة لإصلاح الأشياء، وتُصبح بمثابة أم روحية لأليسون.

شخصيات المسلسل بسيطة ويُمكن فهم مخاوفها وقلقها في هذا المُجتمع الذي يجهل تاريخ وبدايات الصومعة، ويخشى من السؤال، ويُحاول تجنب السلطات قدر الإمكان، وعلى جانب أخر تبرز شخصية سيمز "كومون" المُرعبة، وهو رئيس قطاع الأمن القضائي، وشخصية بيرنارد هولاند "تيم روبنز"، وهو رئيس قسم التقنية الغامض الذي لا يُمكن تحديد نواياه.

حبكة القصة القوية وتفاصيلها تثير حيرة المُتفرج مثلما تفعل مع الشخصيات، وتقلب المسارات الدرامية والمفاجآت يصنع قدر كبير من التشويق يتصاعد بعد الحلقة الثانية ولا يهدأ إلا لالتقاط الأنفاس.

المسلسل لا يغرق في حوارات طويلة تدور في المكاتب والشقق الضيقة، بل يتجه إلى مسارات التحقيقات البوليسية مع بداية ظهور عدد من جرائم القتل الغامضة، وتتنقل التحريات من مكان لمكان، ويكشف المسلسل عن طبيعة مزيد من الشخصيات وطبيعة الحياة في الطوابق المُختلفة، وتأخذ بعض مشاهد المطاردات مكانها في الأحداث، وهي مطاردات تدور على السلالم وبين الممرات.

الفضول هو محور المسلسل، سواء فضول الشخصيات الرئيسية لمعرفة حقيقة الصومعة، أو فضول المُتفرج لمعرفة أسرار هذا المكان الذي يكتنفه الغموض. الديكورات والملابس والأجواء المصنوعة بإتقان صنعت تفاعل بين المُتفرج وما يحدث في المكان من أحداث روتينية يومية؛ مثل محدودية الموارد، ورغبة الزوجات في الإنجاب وهو أمر تتحكم فيه السلطات، والفرق بين أهل القاع المُهمشين وأهل الطوابق العليا، والسخرية المُتبادلة بين الطبقات، غموض السلطات واستغلال القوانين المُعقدة ونفوذ الشرطة لإخضاع الجميع.

باستثناء أداء "كومون" المصطنع الركيك نجحت باقي الشخصيات في تقمص أدوارها، وتصوير إنفعالات شخصيات تعيش داخل مجتمع بائس ومقموع وتتصرف حسبما يتم توجيهها، وبدون مناقشة أو إعتراض يجلب لها المتاعب مع السلطات، وتتركنا نهاية الموسم الصادمة مع إجابة سؤال واحد عن طبيعة ما يراه أهل الصومعة في الخارج، ولكنها تظل إجابة غير محسومة، وتفتح المجال لعشرات الأسئلة الأخرى عن الخارج المجهول، والداخل الغامض.

الصور من التريلر المرفق