ملكتان لفرنسا من أصول بريطانية.......تعرفي عليهما
في أحد أيام شهر أغسطس، منذ أكثر من 500 عام، تم الاتفاق رسميا بين العائلة المالكة البريطانية والعائلة المالكة الفرنسية في ذلك الوقت على أن تتزوج ماري تيودور Mary Tudor، ابنة هنري السابع Henry VII، وشقيقة هنري الثامن Henry VIII ملك بريطانيا وقتها، من الملك الفرنسي لويس الثاني عشر Louis XII، وهو ما حدث بالفعل بعدها بعدة أشهر حيث تزوجت ماري تيودور من لويس الثاني عشر، في احتفال زفاف ملكي ضخم أقيم في مدينة أبفيل في شمال فرنسا، وأصبحت ماري تيودور بعد ذلك الزواج تحمل لقب ملكة فرنسا (والذي حملته لفترة قصيرة للغاية لوفاة زوجها الذي يكبرها بأكثر من ثلاثين عام بعد أشهر قليلة من زواجهما).
لقب ملكة فرنسا لم تحمله بعد ماري تيودور، أي أميرة إنجليزية أخرى، بل ولم تحمله قبلها سوى أميرة إنجليزية واحدة، كانت هي الأخرى ابنة لملك بريطاني، وهي إيدجيفو من ويسيكس Eadgifu of Wessex، ابنة الملك إدوارد الكبير Edward the Elder، والتي أصبحت ملكة لفرنسا بعد زواجها من من تشارلز الثالث Charles III ملك فرنسا قبل حوالي خمسمائة عام من يوم زفاف ماري تيودور على لويس الثاني عشر.
تعالوا معنا لنتعرف على ملكتي فرنسا البريطانيتين، أهم أوجه التشابه بين حياتيهما إلى جانب حقيقة أن كل منهما كانت زوجة لملك فرنسي في يوم ما.
ابنتا ملكين أصبح كل منهما ملكا بالاستيلاء على العرش
كل من ماري وإيدجيفو كانت ابنة لملك استولى على العرش، فماري، هي ابنة هنري السابع، والذي اجتاح بوسورث في أغسطس 1485 واستولى على تاج إنجلترا من ريتشارد الثالث Richard III في واحدة من أشهر المعارك في التاريخ البريطاني، أما والدتها فهي إليزابيث من يورك Elizabeth of York والتي كانت وريثة للعرش البريطاني وقتها، بل وكانت شريعة وصولها إلى العرش البريطاني، أعلى بكثير بالمقارنة بهنري السابع، ولكن فرصها كانت أقل بكثير، ولذلك انتهى بها الأمر بالزواج من هنري السابع وأصبحت بذلك ملكة قرينة.
أما إيدجيفو فهي ابنة إدوارد الكبير والذي أصبح ملك إنجلترا عام 899 بعد وفاة والده الشهير ألفريد العظيم Alfred the Great والذي اشتهر بدفاعه عن مملكة الأنجلوساكسون في مواجهة الفايكنج ليصبح بفضل ذلك الملك الإنجليزي الوحيد الذي يحصل على لقب "العظيم"، كما اشتهر أيضا بأنه كان واسع الاطلاع، وكان مشجع على التعليم، كما قام أيضا بتحسين النظام القضائي والهيكلية العسكرية، ومع ذلك فإن طريق إدوارد الكبير إلى العرش لم يكن سهلا حيث كان عليه أن يناضل من أجل الوصول إلى العرش البريطاني، لأن ابن عمه وابن شقيق ألفريد الأكبر، إيثيلريد Aethelread، كان يعتقد أن الملك الشرعي للبلاد، ولكن في غضون سنوات قليلة، استطاع إدوارد الاستحواذ تماما على العرش وبسط نفوذه على مملكته بالكامل، وخلال تلك الفترة ولدت ابنته إيدجيفو وهي أول طفل ينجبه من زوجته الثانية ألفلوود Aelfflaed، والتي تزوجها في نفس العام الذي أصبح فيه ملكا.
عروستان مراهقتان لملكين بدون أبناء ذكور
من بين أوجه التشابه الأخرى بين حياة كل من إيدجيفو وماري تيودور حقيقة أن كل منهما تزوجت من ملك فرنسي يكبرها كثيرا في العمر، عندما كانت لا تزال فتاة مراهقة حيث كانت إيدجيفو في السابعة عشرة من عمرها عندما تزوجت تشارلز الثالث البالغ من العمر أربعين عام، عام 919 (إيدجيفو ولدت في حوالي عام 902)، تشارلز الثالث كان متزوجا قبل من إيدجيفو، من زوجته الأولى، الملكة فريدرون Queen Frederonne، وتزوج منها في عام 907 وأنجبا خلال زواجهما ست بنات، قبل وفاة الملكة فريدرون في عام 917، ولأنه كان يرغب بشدة في أن يكون له وريث ذكر ليرث عرشه، قرر الزواج من الأميرة الإنجليزية الشابة التي تصغره كثيرا في العمر على أمل إنجاب وريث للعرش، وهو ما تحقق بالفعل حيث أنجبت زوجته الجديدة إيدجيفو، ابنه لويس، والذي ولد في عام 920.
كانت الفجوة العمرية بين ماري وملكها الفرنسي أكبر بالمقارنة بالفارق في العمر بين إيدجيفو وتشارلز الثالث فماري، كانت في الثامنة عشر من عمرها عندما تزوجت يوم زفافها، 9 أكتوبر 1514، من لويس الثاني عشر والذي كان يبلغ من العمر وقتها الثانية والخمسين، لويس الثاني عشر، كان قد تزوج قبل ماري مرتين، الأولى كانت من واحدة من بنات عمومته وتدعى جوان من فرنسا Joan of France (والتي انتهى زواجه منها والذي لم ينجبا خلاله أي أبناء، بإبطال الزواج)، بعدها تزوج من آن من بريتاني Anne of Brittany والتي أنجب منها ابنتان.
بعد وفاة زوجته الملكة آن في يناير 1514 توفيت الملكة آن في يناير 1514، بدأ لويس الثاني عشر على الفور، التفاوض مع العائلة المالكة البريطانية للزواج من الأميرة الإنجليزية الشابة ماري، على أمل أن يثمر ذلك الزواج عن إنجاب وريث لعرشه، وبعدها بأشهر قليلة، تم زواجهما، وأصبحت ماري تعرف بماري ملكة فرنسا، ولكن زواجهما انتهى بعد أشهر قليلة من بدايته، بوفاة لويس الثاني عشر، دون مولد وريث لعرشه كما كان يتمنى.
أقارب من الملوك
بالإضافة إلى كونهما ملكتين، فإن كل إيدجيفو وماري، قضت معظم حياتها محاطة بالملوك، فإيدجيفو كان والدها وجدها ملكين لإنجلترا، وكذلك ثلاثة من إخوتها غير الأشقاء- أيثيلستان Aethelstan وإدموند Edmund وإيدرد Eadred -جميعهم حكموا إنجلترا، شقيقتها إيدجيث Eadgyth، أصبحت هي الأخرى ملكة بعد زواجها من الإمبراطور الروماني المقدس أوتو الأول Holy Roman Emperor, Otto I، كما أصبح كل من ابنها وحفيدها وحفيدها الأكبر ملوك لفرنسا.
ماري تيودور كان لديها أيضا أقارب ملوك، فوالدها وشقيقها كانا ملكين لإنجلترا، وكذلك أصبحت أختها الوحيدة الباقية على قيد الحياة، وهي مارغريت تيودور Margaret Tudor، ملكة لإسكتلندا، بعد زواجها من جيمس الرابع James IV، عام 1503 وأصبح ابنهما جيمس ملكا، عام 1513 بعد وفاة والده، مارجريت كانت أيضا وصية على عرش اسكتلندا (لأن ابنها جيمس كان لا يزال قاصر وقتها) في العام الذي تزوجت فيه شقيقتها ماري من لويس الثاني عشر، هنري الثامن الذي كان مقربا من شقيقته الصغرى ماري تيودور، سمى ابنته الكبرى التي أنجبها من زوجته الأولى كاثرين من أراغون Catherine of Aragon، ماري، تيمنا باسم شقيقته، وستنمو تلك الفتاة الصغيرة أيضا لتصبح واحدة من الملكات الحاكمات القلائل اللاتي حكمن إنجلترا.
زواج ثاني
زواج ماري تيودور من لويس الثاني عشر، استمر لمدة ثلاثة أشهر فقط، قبل أن ينتهي بوفاته بسبب مرض مفاجئ، وبعد وفاة زوجها، تزوجت بعد أقل من شهرين، من زوج ثاني، وهو تشارلز براندون، دوق سوفولك Charles Brandon, Duke of Suffolk، أما عن قصة زواجها الثاني فهي مثيرة للاهتمام، وبداياتها جاءت بالتزامن مع مفاوضات زواجها الأول حيث كانت ماري غير راضية عن فكرة الزواج من زوج يكبرها بأكثر من ثلاثين عام، ولذلك حصلت على وعد من شقيقها هنري الثامن أنها إذا ترملت يوما ما يمكنها اختيار زوجها التالي، وهو ما قامت به بالفعل، ودون أن تنتظر الحصول على موافقة شقيقها هنري الثامن، وهو ما أزعج هنري الثامن كثيرا في البداية، بل وقام بنفي شقيقته ماري وزوجها الجديد تشارلز براندون، دوق سوفولك والذي كان صديق مقربا له، من البلاط الملكي إلا أن هنري الثامن سامح شقيقته وصديقه المقرب على زواجهما دون استشارته، بعد وساطة وبعد أن تعهد الزوجان بدفع غرامة مالية ضخمة للخزانة الملكية، بعدها استقرت ماري وزوجها تشارلز براندون في إنجلترا وأنجبا خلال زواجهما أربعة أبناء، ولكن ماري عانت من المرض في السنوات الأخيرة من زواجهما واشتد عليها المرض في عام 1533 قبل وفاتها بعدها بفترة وجيزة عن عمر يناهز 37 عام.
إيدجيفو تزوجت أيضا زوج ثاني بعد زوجها تشارلز الثالث، والذي أطيح به من الحكم عام 923 ومات في السجن عام 929، وبحلول ذلك الوقت، عاد إيدجيفو إلى إنجلترا مع ابنهما لويس وريث العرش الفرنسي وقتها، وبعدها ببضعة سنوات، وتحديدا في عام 936، عادا مرة أخرى إلى فرنسا، وتوج بعدها لويس بفترة وجيزة، ملكا لفرنسا، بعدها بخمسة عشر عاما، تزوجت والدته من كونت فرنسي يدعى هربرت من أوموا، Heribert of Omois في ظروف غامضة ولم تطأ قدمها إنجلترا مرة أخرى.
وهكذا في التاريخ....
توفيت إيدجيفو في وقت ما بعد زواجها الثاني وعلى الأرجح قبل عام 955، حكمت سلالة ابنها فرنسا لمدة خمسين عام حتى توفي حفيدها الأكبر لويس الخامس Louis V عام 987، لينتهي بذلك حكم ملوك السلالة الكارولنجية Carolingian kings لفرنسا، لكن إرثها استمر حيث تزوجت حفيدتها بيرثا من بورجندى Bertha of Burgundy من ملك فرنسي من سلالة الكاپيتيون Capetian الحاكمة، يدعى روبرت الثاني Robert II.
بعد إيدجيفو وماري، لم تتزوج أي أميرة إنجليزية من ملك فرنسي، لتصبح إيدجيفو وماري هما الوحيدتين في التاريخ اللتان يطلق عليهما ملكتي فرنسا البريطانيتين.