حالة عادل إمام الصحية ووعكة الكوميديا التي طالت!
القلق على صحة "عادل إمام" أمر طبيعي للغاية؛ فهو نجم كبير له رصيد هائل في قلوب ملايين المُعجبين في الوطن العربي، ولكن القلق في زمن السوشيال ميديا والتريند أخذ مُنعطفات مُتطرفة، بدأت من شائعات تحديد إقامته في منزله بسبب مرضه، ووصلت حد الأخبار المُتكررة عن وفاته، ونسى كثيرون أن "عادل إمام" الفنان والأيقونة بشر أيضًا، وهو رجل ثمانيني، ولديه حياته الخاصة، وتفاصيل صحية قد لا يُفضل إطلاع الآخرين عليها، وخلال مسيرته الفنية الطويلة لم يصرح - على حد علمي - بوعكاته الصحية، حتى لو كانت نزلة برد عابرة، كما أنه وضع سياجًا من السرية حول حياته الشخصية، وهذا حقه.
وعكة الكوميديا!
تزامن إختفاء "عادل إمام" عن السينما والمسرح والتليفزيون خلال السنوات الماضية حالة من التعثر والضعف في الكوميديا، وأجد أحيانًا خلف السعي المتطرف والفضول لمعرفة أخبار "عادل إمام" حالة من القلق على حال الكوميديا نفسها؛ فحتى الآن لا يوجد نجم كوميديا يُمكن ان نصفه بأنه حالة فنية مُضيئة ومتوهجة لعقود مثل "عادل إمام"، ومن قبله "فؤاد المهندس" و"إسماعيل يس" وغيرهم من نجوم الكوميديا الكبار.
تتعاظم الدهشة من حال الكوميديا المُعاصرة المُتدهور، وخاصة أعمال نجوم مثل "محمد هنيدي" و"محمد سعد" و"أحمد حلمي" على سبيل المثال، وجميعهم تألقوا في وجود "عادل إمام"، وبدا أنهم يسيطرون على أدوات موهبتهم، وأنهم نجوم العقود التالية، ولكنهم تعثروا سريعًا بحساب سنوات التألق في بدايات الألفية الثالثة، ثم دخلوا على مراحل زمنية مُختلفة في نفق مُظلم؛ وأحيانًا تكون حجتهم غياب الكتابة الكوميدية الجيدة، ولكن الشاشة لا تكذب؛ فحضورهم غائب أو خافت، ولا يبدو أن هناك جديد يقدمونه.
قدم "عادل إمام" أعمال جيدة وأخرى رديئة، ولكنه لم يفقد حضوره أمام الكاميرا مرة واحدة؛ وهذا سبب من بين أسباب عديدة لنجاح بعض أعماله رغم أنها مُتواضعة على المستوى الفني؛ وربما هنا يكمن سر هام من أسرار استمراريته.
تتابع الأجيال!
حينما بدأ "عادل إمام" مسيرته كان واحدًا من نجوم الصف الثاني في السينما، وممثل أدوار صغيرة في مسرحيات "فؤاد المهندس"، ونجح بموهبته وحضوره في صعود درجات النجومية حتى أصبح نجم النجوم في السينما والمسرح في حقبة السبعينيات وما بعدها، ولم يُمانع نجم أيقوني كبير مثل "فؤاد المهندس" في مشاركة "عادل إمام" كممثل دور ثان، ونفس الشيء فعله مُكتشفه "عبد المنعم مدبولي"، وكلاهما أدرك أن حقبة نهاية السبعينيات هى بداية مرحلة تلميذهما النجيب "عادل إمام"، وبعد مسرحية "مدرسة المشاغبين" أصبح الطريق مفتوحًا أمام كوميديان لديه طاقة هائلة.
مرحلة نجومية "فؤاد المهندس" و"عبد المنعم مدبولي" جاءت بعد مرحلة "إسماعيل يس"، وهو أيضًا نجم أيقوني يمتلك حضور كوميدي يتجاوز ضعف وركاكة بعض الأعمال التي قام ببطولتها، وهذا عامل مشترك بينه وبين "عادل إمام" مع إختلاف تجربة كل منهما، والظروف الزمنية لصناعة السينما والمسرح المختلفة.
هناك محاولات حالية لتحريك الراكد في الكوميديا، سواء من خلال أفكار مختلفة يُقدمها "أحمد مكي" من حين لآخر، أو بالدفع بأعداد كبيرة من الممثلين الذين جاء معظهم من تجربة "مسرح مصر"، ولكن لا توجد حالة كوميدية مُتماسكة ومستمرة.
مهمة إضحاك الجمهور!
أظن أن ما يحتاجه "محمد سعد" و"محمد هنيدي" و"أحمد حلمي" في هذه المرحلة الحرجة من مسيرتهم الفنية هو دراسة السيرة الفنية لنجوم الكوميديا بداية من "نجيب الريحاني" مرورًا بـ"إسماعيل يس" و"فؤاد المهندس" و"عادل إمام" وغيرهم من النجوم الذين إستمروا على الساحة الفنية لعقود، وفي هذه السير محطات نجاح وإخفاق مُلهمة.
أزمة الكوميديا ليست في الورق فقط، ولكن في ثقافة جاء بها كوميديانات بداية الألفية الثالثة، وأغلبها مُقتبس من المسرح التجاري في حقبة التسعينيات حيث كانت بداياتهم، وكان أغلبهم يقدم كاراكترات مُضحكة ومضمونة لا سياق درامي لها، ولكنها تُضحك جمهور المسرح التجاري الخاص، وسيطرت هذه الحالة على أفلام من نوعية "اللمبي" و"يا أنا يا خالتي" و"زكي شان"، وحاول "أحمد حلمي" تقديم أعمال درامية تضع الكاراكتر الذي يقدمه داخل سيناريو كوميدي مُتماسك، لكنه شارك باقي زملائه التمسك بنفس الإفيهات وأسلوب الأداء الذي نجح به في بداياته.
قد يقول البعض أن "عادل إمام" فعل نفس الشيء أحيانًا؛ فبعض لزماته الحركية وإفياته كانت مُكررة، ولكنها كانت مُحببة للجمهور، ولم يمل منها، وصاحبته في أعماله الكوميدية وغير الكوميدية؛ وأسباب هذا عديدة، وربما أبرزها أنه لم يفقد شغفه بفكرة إضحاك الجمهور، ولم يفقد تلك البوصلة كنجم شعبي، وربما لأنه قضى معظم حياته أمام الكاميرا وعلى خشبة المسرح، وأصبح الأمر عفويًا وتلقائيًا وجزء من طبيعته الشخصية، وليس إستسهالًا وتكرارًا مملًا.
نتمنى للنجم الكبير الصحة والعافية، وندعو للكوميديا أن تشفى من وعكتها التي طالت، وأن تعود لسابق أحوالها.
الصور من حساب عادل إمام على انستقرام