مسلسل "Hijack".. فن صناعة دراما التشويق من الأفكار المُستهلكة!
تحدى مسلسل التشويق البريطاني "Hijack" "إختطاف" نفسه حينما إختار موضوع مُستهلك تمامًا وصنع منه مسلسل هام، وقصة العمل عن إختطاف مجموعة من المُسلحين طائرة ركاب تضم أشخاص من جنسيات مُختلفة. كم فيلم وكم مُسلسل دارت أحداثه حول وقائع إختطاف طائرة في الجو؟ وكم سيناريو تمت صياغته ليعرض الجهود المبذولة لإنقاذ ركاب الطائرة المخطوفة وطاقمها من مصير مجهول؟ كثير من الأعمال الدرامية المثيرة تناولت المواقف التي تحدث لمجموعة من الركاب تحولوا فجأة إلى رهائن في أيدي مجموعة من المسلحين الخطرين، وأصبح الأمر نمطيًا، وربما التحدي الأكبر للمسلسل وكاتب السيناريو هو أن إجراءات السلامة والطيران التي تمت بعد أحداث سبتمبر جعلت إختطاف الطائرات أمرًا شبه مستحيل.
المُتفرج ولعبة التوقعات!
دفعت منصة آبل مُنتجة العمل بموسم قصير مُكون من سبع حلقات، من بطولة "إدريس ألبا"، ويعرض أزمة إختطاف طائرة ركاب بريطانية أقلعت من مطار دبي بدولة الإمارات في رحلة مُدتها سبع ساعات إلى مطار هيثرو في لندن.
كتب "جورج كاي" المسلسل وشارك في تطوير الفكرة "جيم فيلد سميث"، وهو مخرج خمس حلقات من المسلسل، وأخرج "مو علي" حلقتين.
"جورج كاي" مؤلف مسلسل الجريمة الشهير "Lupin" "لوبين"، والنسخة البريطانية من دراما الأنثولوجي ""Criminal "مُجرم"، ويعتمد هذا العمل الأخير على تكثيف حالة التوتر الدرامي داخل مكان واحد، ودارت كل حلقة داخل غرفة التحقيقات، وإستخدم "كاي" نفس تكنيك التشويق والإثارة على متن الطائرة المخطوفة؛ فالشخصيات تُخفي كثير من الأسرار، ودوافع سلوكها ليس دائمًا كما يبدو أمامنا، وتوقع تصرفاتها صعب.
رصيد مُشاهدة هذا النوع من الأعمال يدفع المُتفرج لممارسة لعبة التوقعات، وكانت البداية مثلًا توقع شخصية سام نيلسون "إدريس ألبا" الحقيقية؛ وكان التمهيد لشخصيته الهادئة الصامتة تجعله أقرب إلى ضابط أمن الطائرة الذي سيتعامل مع حادث الإختطاف، ولكن سيناريو العمل مُراوغ، وقدم "سام" خبيرًا للتفاوض في الصفقات التُجارية الضخمة، ومهارته الأبرز إقناع العميل بما يريده هو دون أن يُدرك ذلك. يجد "سام" نفسه في مهمة شديدة الصعوبة، وهى الوصول إلى وطنه بسلام، حتى لو إضطر إلى مساعدة الخاطفين في إنجاز مُهتمهم.
شخصيات لها تاريخ وملامح!
الطائرة المُحلقة فوق السحاب هي المكان الرئيسي للأحداث، ولكن السيناريو ينتقل إلى أماكن أخرى على الأرض، وكل منها يُحاول التعامل مع الأزمة؛ مطار دبي وشكوك موظف المراقبة والإقلاع في حدوث أزمة على متن الطائرة، ومركز المراقبة الجوية في لندن، وغرفة إجتماعات الأزمة التي تضم مجموعة خبراء الأمن والساسة، وصراع بين القرار السياسي والأمني، ويُسلط المسلسل الضوء على مجموعة من الشخصيات التي تتعامل مع الأزمة بمنظور مختلف بعيدًا عن روتين الوظيفة.
من العناصر الإيجابية في السيناريو رسم الشخصيات، وصناعة تاريخ لها؛ مما يجعل المُتفرج يميل إليها، ويتعاطف معها، وأبرز الشخصيات التي نجح المسلسل في تجسيدها بشكل يجمع بين الجدية والتفاصيل الإنسانية الصغيرة شخصية البطل؛ وهو مُفاوض حاد الذكاء، ويتمتع بقدرة هائلة على ضبط النفس، ولديه رغبة في إصلاح علاقته بزوجته السابقة، ولم شمل أسرته، وأيضاً شخصية أليس سينكلير "إيف مايلز"، وهى أم ومراقبة جوية، ودانيال "ماكس بيزلي" ضابط الشرطة الذي بدأت علاقته بقضية إختطاف بمكالمة لصديقته السابقة للإطمئنان على الطائرة التي تُقل الزوج السابق لصديقته الحالية.
"سام" مُفاوض بارع، ولكنه شخص قلق يُخفي تردده خلف ملامح لا تعكس إنفعالاته، و"أليس" أم فوضوية قليلًا، وتبدو موظفة كسولة تتأخر عن عملها دائمًا، ولكنها شديدة الدقة وحادة الذكاء حينما يتعلق الأمر بمهنتها، وهى تُدرك مُبكرًا أنها تتعامل مع أزمة شديدة الحساسية، وتحتاج إلى قرارات عملية وسريعة؛ وهذا يجعلها دائمًا في مواجهة مُديرها الذي يميل للإلتزام باللوائح والقوانين، والشرطي "دانيال" يعاني من رفض إبن صديقته الشاب لعلاقته الجادة بأمه، ولكن إخلاصه المهني يطغى على كل مشاعر سلبية حينما يتعلق الأمر بحماية الإبن من أخطار محتملة.
النفس البشرية في لحظات عصيبة!
على متن الطائرة يرسم السيناريو صور العديد من الشخصيات بملامح سريعة ومُكثفة ولكنها كافية لنفهم سلوكياتها وردود أفعالها؛ الراكب الثرثار المذعور، والراكب المتهور الذي يُخطط لمواجهة الخاطفين بدون سلاح، والأم الذي تمنع زوجها من إتخاذ أي موقف إيجابي، وضابط الجيش المصري السابق الذي يُعاون البطل في فهم بعض المعلومات الحيوية حول تسليح الخاطفين، وطاقم الضيافة الذي يُحاول التماسك ومعاونة الركاب على تجاوز المحنة، وبالطبع شخصيات الخاطفين، وكان السيناريو غامضًا للغاية ولم يُقدم أية معلومات حول تاريخهم الشخصي ودوافعهم حتى الحلقة الخامسة تقريباً.
المسلسل نجح في تقديم دراما مثيرة عن لحظات عصيبة في حياة مجموعة من الغرباء، وعرض تأثير الضغط النفسي على سلوك الشخصيات وإنفعالاتهم، ومنح الممثلين القدرة على التجسيد المُكثف لشخصيات في لحظات إنسانية غير عادية، ورغم كثرة الشخصيات وتنوعها إلا أنها كانت مُجسدة بأداء مُتقن، ولها ملامح واضحة، وهذا ساهم في جذب المشاهد لمُتابعة الأزمة، وإنتظار ردود أفعال الشخصيات نفسها، والتعاطف مع لحظات الخوف والترقب التي يعيشها الجميع؛ ركاب الطائرة والخاطفون وضباط الأمن على الأرض، والساسة الذين يديرون الأزمة.
العمل يتجاوز عن بعض التفصيليات الواقعية الغير منطقية، لكنه يعوض ذلك بحبكة قوية وسيناريو متماسك قادر على خطف إنتباه المشاهد؛ فرغم تقديم السيناريو حبكة لتبرير وجود أسلحة نارية على طائرة تجارية، لكن لا يُمكن إغفال المبالغة في حظ المجموعة المُختطفة وقدرة المُخططين على تنفيذ عملية إختطاف شديدة الصعوبة، تتضمن تمرير أسلحة في مطار دولي مرموق، وعدم قدرة الكابتن على إرسال إشارة إستغاثة لأجهزة المُراقبة الأرضية، ولكن كل تلك الثغرات وغيرها لم تؤثر كثيرًا على حبكة الحلقات، وقدم العمل دراما تشويق جذابة تستحق المتابعة.
الصور من التريلر