فيلم "أولاد حريم كريم"..كوميديا مُصادفات متواضعة وتكرار باهت للجزء الأول!
في عام 2005 قام "مصطفى قمر" ببطولة الفيلم الكوميدي "حريم كريم"، وحقق الفيلم نجاحًا نسبيًا، وكان "قمر" وقتها في مرحلة نجاح في سوق الغناء، وكان يُصدر ألبومًا غنائيًا كل عام تقريبًا، وذلك منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وكان يهتم بتصوير بعض أغانيه العاطفية في قالب فيديو كليب جذاب، وكانت السينما جزء من مشروعه الفني، رغم إنه لم يكن ممثلًا موهوبًا، وكان يتغلب على ذلك بإختيار موضوعات أفلامه قريبة من عالمه الفني في الغناء والفيديو؛ عالم أرستقراطي شيك وصورة سينمائية رومانسية مرحة ذات بريق وألوان، وأجواء الرحلات والمرح.
عودة كريم وحريمه!
هناك كثير من الأخبار في الفترة الماضية عن أجزاء ثانية من أفلام قديمة، منها مثلًا "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وكل تلك المشاريع لم تدخل حيز التنفيذ، ولكن نجح "مصطفي قمر" في صناعة جزء ثانِ من "حريم كريم" بعد مرور 18 عامًا على الجزء الأول، وهو تحدي كبير على مستوى الدراما، وفي ظل تغير نسبي في نوعية الأفلام الكوميدية الحالية.
حمل الفيلم عنوان "أولاد حريم كريم"، في إشارة إلى تركيز الفيلم على الجيل الجديد، وهم أبناء بعض شخصيات الجزء الأول، ومثل الجزء الأول الفيلم الجديد بطولة جماعية، تعتمد على المواقف الكوميدية التي تنشأ من ولع مجموعة ثلاثة نساء "داليا البحيري وبسمة وعلا غانم" بزميلهم القديم في الجامعة، ومثل الجزء الأول يكون البطل كريم الحسيني "مصطفى قمر" مُهتمًا بإمرأة أخرى، وهي "بشرى" في الجزء الثاني، بعد أن أشار الفيلم لوفاة زوجته وجي جي التي أدتها "ياسمين عبد العزيز".
الفيلم الأول ركز على قصة حب وزواج كريم وجي جي ثم طلاقهما بسبب شك الزوجة في سلوك زوجها، وإستعانة كريم بصديقاته السابقات في الجامعة لإعادة الود بينه وبين طليقته، ويدخل الفيلم في مجموعة من المواقف الكوميدية، بطلاتها الصديقات الثلاثة اللائي يُحاولن القضاء على أي أمل في عودة العلاقة، وهذا هو الخط الدرامي الذي إعتمدت عليه كوميديا الفيلم، وبررت عنوانه الساحر؛ فهؤلاء الصديقات لسن حريم كريم بالمعنى العابث، ولكنهن زميلات الجامعة اللائي تطاردنه كالمراهقات.
هذا الوهج الكوميدي إختفى من الجزء الثاني، وتم إستبداله بحكايات عن علاقات الحب والإرتباط بين أبناء وبنات كريم وزميلاته القدامى، ومن خلال قليل من الحيل الدرامية، وكثير من المصادفات حاول سيناريو الكاتبة "زينب عزيز" لم شمل كريم وحريمه، وفي نفس الوقت التركيز على علاقات الأبناء العاطفية، وأصبح الأمر مشوشًا؛ فالسيناريو يُحاول بناء خيوط درامية لعلاقات عاطفية لمجموعة من الشباب، ولكنه يلجأ إلى كثير من المصادفات والخيوط الدرامية الساذجة ليعود إلى حدوتة مطاردة الحريم لكريم القديمة.
كتالوج علاقات الشخصيات!
من الأمور التي يجب ذكرها لأنها ترسم ملامح ومود الفيلم أن عودة حريم كريم للإهتمام بالبطل في الجزء الثاني مرجعها أنه أصبح أرمل، وبالتالي مُتاح، ولم يتوقف الفيلم أمام تأثير غياب زوجة البطل عليه وعلى إبنته الشابة آيلا "رنا رئيس"، وتجاوز السيناريو عن أي تبرير لإختفاء بعض شخصيات الجزء الأول الرئيسية.
لم تتغير الصورة الكاريكاتورية لشخصيات الثلاثي "داليا البحيري وبسمة وعلا غانم" رغم مرور 18 عامًا، وتم ليَ ذراع هذه الشخصيات لتلتقي مع بعضها البعض، وبنفس حالتها وسلوكياتها في الجزء الأول؛ فمثلًا مها "داليا البحيري" لا زالت الزوجة الهيستيرية الصاخبة المزعجة، ولا زالت مُتيمة بكريم الحسيني، وزوجها خشن الطباع حسين "خالد سرحان" ترك الشركة وأصبح يدير سوبر ماركت، وإبنهما كريم "تيام قمر" شاب يحب فتاة ويسعى للإرتباط بها، ولكن والد الفتاة لا يطيقه بلا مبررات قوية، ولكن من هي الفتاة؟ هي إبنة كريم الحسيني.
هذا الشكل الملتوي دراميا هو مود العلاقات في الفيلم؛ فإبن المذيعة دينا "بسمة" هو طالب الصيدلة الشاب الذي يلتقيه كريم الحسيني بالصدفة ويُعجب به، ويسعى ليكون خطيب إبنته، وهو لا يعرف بالطبع أنه إبن زميلة الجامعة السابقة دينا، فيما يأمل هذا الشاب في أن يجمع بين هذا الرجل الأرمل ووالدته التي بدأت تتصرف بطيش نتيجة أزمة إحساسها أنها كبرت ولم تعد مرغوبة، أما إبن الزميلة الأخرى هالة "علا غانم" فهو الشاب التي إختارته سارة "بشرى" عن طريق إعلان وضعته على الإنترنت لإختيار شاب للإرتباط بإبنتها مريم "هنا داود".
هناك الكثير من العلاقات المتشابكة بلا ضرورة، والكثير من المصادفات التي يضعها السيناريو لم شمل الشخصيات القديمة، وأظن مصادفة واحدة كانت كافية ومبلوعة دراميًا، وهى مصادفة تعلق إبن مها بإبنة كريم، وفي هذه الحالة كان أحداث الفيلم ستتركز على قصة حب رئيسية على خلفية العداء القديم بين الأهل، ولكن تقسيم موضوع الفيلم إلى ثلاثة أو أربعة محاور عاطفية صنع نوع من التشتيت الدرامي، وخصم من قيمة كل قصة منفردة.
إعادة تدوير حبكة الجزء الأول!
محور الأم "بشرى" التي تبحث لإبنتها الشابة الجميلة على عريس من خلال الإنترنت عبثية حتى على مستوى فيلم كوميدي هزلي، ودور الأب الغاضب "قمر" الذي يرفض إرتباط إبنته بشاب لا يستلطفه فكرة لطيفة قدمتها السينما في أعمال سابقة بشكل أكثر كوميدية مثل "عريس من جهة أمنية"، وهي أساس دور "مصطفى قمر"، وجاء إختيار "تيام" لأداء دور الشاب لصنع مفارقة أن العداء والشد والجذب بينهما أمام الكاميرا يحدث رغم أن كلاهما أب وإبن في الواقع.
بعض أزمات الشخصيات الميلودرامية مُفتعلة؛ كأن تشكو المذيعة دنيا من أن إدارة القناة قامت بترقيتها وأصبحت مديرة القناة، ولكنها ترى رأت حرمانها من برنامجها كمذيعة أغاني إضافة لقائمة همومها التي تضم طلاقها وعلاقاتها الفاشلة.
يستفيد الفيلم من شهرة الجزء الأول، ولكنه لا يقدم جديد، ويلف ويدور في دوامات درامية ثم يعيد نفس مشاهد المنافسة المراهقة التي شاهدناها في الجزء الأول بين الثلاثي "داليا البحيري وبسمة وعلا غانم" على قلب "مصطفى قمر"، ورغم وجود مجموعة من الشباب في أدوار رئيسية لكن الفيلم في نصفه الثاني يركز على مشاهد كريم وحريمه، وقصة حب بلا خصوصية بين كريم وصاحبة محل الحلويات "بشري"، وهي خط درامي لا بأس به، ولكن غياب الكيمياء بين الإثنين، والأداء التمثيلي السطحي خصم الكثير من أثر قصة حب الشخصية الرئيسية في حكاية الفيلم.
مش مهم!
أهدرت العشوائية الدرامية فرصة تصوير تطور قصص الحب بين الشباب، والمشهد الذي يؤكد فيه إبن "علا غانم" بإنفعال أن حبه لمريم إبنة "بشرى" جاد مشهد فاتر للغاية، ومثل قصص الحب في كل الفيلم يبدو كل شيء مصطنع، والمشاهد العاطفية مكتوبة بلا خصوصية أو إبداع، ولهذا يؤدي الممثلون هذه المشاهد بإنفعالات سطحية وهيستيرية أحيانًا، وبترديد الجمل بلا إحساس في أحيان أخرى، كما في حالة الثنائي "تيام قمر" و"رنا رئيس" مع التأكيد أن الأخيرة كانت تجتهد بالفعل في أدائها.
أزمة فيلم "حريم كريم" ليست في تفاهة وسطحية قصته، ولكن في غياب الوهج عن أداء الممثلين، وعدم قدرة الإخراج على خلق حالة كوميدية من المواقف المتشابكة التي تعقدت مثل بكرة خيط يصعب تتبع بداية خيوطها ونهاياتها.
ربما نجح "على إدريس" في تقديم صورة جميلة خاصة في المشاهد الخارجية، ولكن ذلك لم ينجح في علاج عجز سيناريو الفيلم عن صناعة حبكة جيدة لسلسلة متشابكة من العلاقات، وصنع كثير من الأزمات ولم يُقدم لها حلول درامية مقبولة؛ فكل الخيوط المُعقدة تم بترها لتكون نهاية الفيلم أغنية مُبهجة تضم كل أبطال الفيلم في حالة سعادة رغم خلافاتهم الحادة التي وصلت إلى ضرب أزواج الحريم لكريم أكثر من مرة، وربما عنوان أغنية النهاية وهو "مش مهم" يجيب على كل الأسئلة الحائرة داخل هذا المقال!
الصور من صفحات أبطال الفيلم على إنستجرام