فيلم "مرعي البريمو".. بطيخة هنيدي التي سقطت على تورتة الكوميديا وأفسدتها!
وصف كاتب السيناريو الأمريكي "روب توربوفسكي" في حوار قبل أيام عملية كتابة الكوميديا بالبناء الكبير الذي يحتاج إلى مجهود من أجل كتابة قصة جيدة، وبناء حبكة متماسكة، ورسم شخصيات مُتقنة، وكل هذا يُمثل - حسب رأيه - حوالي 90% من نسبة العمل الكوميدي، أما نسبة الـ10% الباقية فهي نسبة النكات والكتابة الهزلية، وهي مثل حبة الكريز التي توضع فوق قمة التورتة الكبيرة، ولو طبقنا هذا الرأي على فيلم "مرعي البريمو" سنجد أن صُناع الفيلم وضعوا بطيخة ضخمة فوق قمة التورتة بدلًا من حبة الكريز، وكانت النتيجة إنهيار التورتة وتحولها إلى فتات تناثر على وجوه الجميع.
في البدء كان السيناريو!
تصريح "روب توربوفسكي" جاء ضمن حوار للزميلة "نوران عرفة" نشرته صحيفة الشروق المصرية، وجاء على هامش ورشة كتابة شارك فيها "توربوفسكي" وزميله الكاتب "ماتيو بورجيزي" في السفارة الأمريكية بالقاهرة، وأبرز أعمال "توربوفسكي وبورجيزي" هي المشاركة في كتابة بعض حلقات مسلسل الجريمة الكوميدي الناجح Only Murders in the Building"" "فقط جرائم قتل في البناية" بطولة "ستيف مارتن" و"مارتن شورت" و"سيلينا جوميز"، والمسلسل عن فكرة للممثل "ستيف مارتن".
في فيلم "مرعي البريمو" نُتابع قصة بائع بطيخ من أصول صعيدية يجسد شخصيته "محمد هنيدي"، وهو يعيش مع زوجته "غادة عادل"، وحماه "محمد محمود"، وجد زوجته "لطفي لبيب"، ومرعي رجل بصباص وزوجته غيورة، وهذا ما نفهمه من المشهد التأسيسي للفيلم حينما تُجبره على الخروج من الغرفة معصوب العينين حتى لا يري صديقاتها في الصالة، ولكن هذه التفصيلة لا تأثير لها في باقي أحداث الفيلم، وكانت تخميني خاطئًا؛ فلم يكن المشهد تأسيسيًا، ولكنها مُجرد بداية للفيلم.
أزمة الفيلم تبدأ وتنتهي من فكرته وأسلوب كتابته، وباقي سلبيات الفيلم مجرد صدى لهذه الكتابة؛ ولهذا أجد مشاكل الإخراج والمونتاج وأداء الممثلين طبيعية؛ فلن يفعل "سعيد حامد" مُعجزة إخراجية بدون نص درامي مكتوب بشكل جيد، وقد حاول بالفعل ترجمة مواقف السيناريو إلى الشاشة دون جدوى كوميدية، وجرب أن يصنع من خلال أغاني الفيلم حالة تعويض لفقر حالة الكوميديا، ولكن ماذا يستطيع فعله مع سيناريو خامل.
بطيخ الماس!
بعد عدة مشاهد كوميدية فاترة بين بائع البطيخ وزوجته، ثم بائع البطيخ وزبائنه يبدأ الحدث الحقيقي الذي تنطلق منه باقي مواقف الفيلم؛ فالبطل مرعي "محمد هنيدي" تاجر بطيخ عاش يتيمًا في القاهرة، لا يعرف شىء عن أهله وجذوره الصعيدية، رباه رجل صعيدي "محمد محمود" وأصبح حماه لاحقًا، ويعلم مرعي كل شىء عن عائلته حينما يخطفه جده "أحمد بدير"، ويوكل إليه مهمة الحفاظ على إرث العائلة، وهو كمية كبيرة من الألماس.
الحدث الرئيسي الذي يخلق المفارقات والمواقف الكوميدية هو قيام مرعي بإخفاء الألماس داخل ثلاث بطيخات تبيعهم زوجته بالخطأ، ويستغرق الفيلم معظم زمنه في محاولة إستعادة حبات البطيخ المفقود، وجائت فرصة جيدة لخلق كوميديا هزلية عن مُطاردة مجموعة من الرجال لبطيخات تحمل ألماس، وذكرني الأمر بفيلم عالم مضحك جداً (1968)، بطولة "فؤاد المهندس"، وهو عن مُطاردة طويلة للبحث عن كرسي مُخبأ فيه مجوهرات ثمينة، وعلى عكس "مرعي البريمو" نجح الفيلم القديم في خلق مواقف مُضحكة من الفكرة الهزلية، والسر كان في السيناريو الذي كتبه "يوسف عوف" تمصيرًا لرواية روسية ساخرة بعنوان " الكراسي الاثنا عشر" تأليف الكاتبين "إيلف وبتروف".
فيلم "مرعي البريمو" فكرة "محمد هنيدي"، وسيناريو "إيهاب بليبل" وإخراج "سعيد حامد"، ولا أدري أين الفكرة الدرامية العظيمة التي إقترحها "هنيدي" موضوعًا للفيلم؟ لقد تحمس لفكرة مُطاردة ثلاثة بطيخات داخلهم ألماس حتى أنه حرص على أن يُسجل إسمه على التترات والأفيش كصاحب للفكرة، وتم تطوير هذه الفكرة وتحويلها لسيناريو به مواقف وشخصيات وأحداث لتحويل هذه الفكرة الهزلية الهزيلة إلى عمل كوميدي يقوده واحد من أهم نجوم الكوميديا في مصر، ولكن النتيجة كانت مروعة بالفعل.
زحام بلا أثر!
الفيلم مزدحم بالشخصيات، بعضها تعود أهميته إلى الدور الذي يُمثله، ولكن هناك أسماء كثيرة معروفة ووجودها بلا قيمة من أى نوع، وتقريبا لا تأثير لها في الحبكة، وجملها الحوارية غائبة أو باهتة؛ من هؤلاء مثلًا "لطفي لبيب"، و"علاء مرسي" و"إنجي علي"، ولو تم حذف أدوارهم في المونتاج لن يتأثر الفيلم على الإطلاق.
الشخصيات الأخرى المنوط بها قياة الحبكة والأحداث هي مرعي وزوجته وحماه من ناحية، والجد "أحمد بدير" وشخصية الشرير الصعيدي عسران "مصطفى أبو سريع"، وهناك عدد أخر من الشخصيات الثانوية التي لا تفعل الكثير، وكل هؤلاء يتحدثون باللهجة الصعيدية كأنهم في فيلم بارودي يسخر من الأعمال الصعيدية التي لا يُجيد فيها الممثلين اللهجة الصعيدية.
الشخصيات تائهة داخل أدوارها تفعل وتقول أي شىء دون أن يكون لذلك علاقة بما يحدث على الشاشة؛ شخصية الزوجة مكتوبة بشكل فقير، و"غادة عادل" لا تفعل الكثير لتمنحها روحًا، و"محمد محمود" يتراجع خطوات في دور بلا ملامح، و"مصطفى أبو سريع" شرير الفيلم الذي حظى بمساحة درامية جيدة لا يستغلها حتى في إطلاق الإفيهات، و"علاء مرسي" يبدو كما لو كان قد نسي التمثيل وصمت عن إطلاق أي نكات حتى ولو مُفتعلة، وكأن هؤلاء جميعًا حضروا لتأدية واجب مُجاملة لبطل الفيلم؛ فكل منه يقدم في العادة أداء أفضل من هذا، حتى وهو في أسوأ حالاته.
الفيلم يخلو من أى قوام متماسك دراميًا، وحتى إفيهاته الكثير بلا تأثير مضحك، وقد إعتمد "هنيدي" على الأداء الصوتي لطريقة الكلام الصعيدي، ولكن الجمل الحوارية كانت فارغة من المضمون، وكأن ترديده لأي كلام صعيدي بصوت عالِ كاف للإضحاك. في تترات النهاية مشاهد من كواليس العمل، يظهر فيها "هنيدي" يضحك بشدة وهو يُشاهد على المونيتر اللقطات التي تم تصويرها للتو، وربما يُشير هذا إلى أن "هنيدي" قدم ما يُضحكه هو شخصيًا، وليس ما يُضحك الجمهور.
الصور من صفحة الفيلم على الفيسبوك