مصير الناقد في زمن السوشيال ميديا.. متى يتوقف الممثلون عن مُبارزة الجُمهور والنُقاد؟!
قبل سنوات تلقيت إتصال من مخرج شاب، جاء للسينما من عالم الفيديو كليب، ودار الحوار والعتاب حول ما جاء في مقالي المنشور عن فيلمه الأخير، وكان فيلم تشويق مُتواضع المستوي، وفكرته مُقتبسة بسطحية من فيلم أمريكي، ولم يكن هو نفسه مُتحمسًا وهو يُحاول تفنيد بعض ما جاء بالمقال، وفي النهاية فاجئني بتويست عتاب مفاجىء؛ فقال أنني كتبت المقال ونشرته بعد يومين من بداية عرض الفيلم، وكان يُفضل لو أجلت النشر ولو أسبوع واحد؛ حتى لا تتأثر إيرادات الفيلم، وأضاف أن المقال سبب له ضررًا مع الشركة المُنتجة، وكان هذا من أغرب التعليقات التي تلقيتها على ريفيو، وأنهيت المُكالمة بتمنياتي بفرص قادمة أفضل، والحقيقة كان الرجل مُهذبًا للغاية.
الوجه الأخر للتريند!
تفهمت موقف هذا المخرج، ولكن لم أقتنع به؛ فالفيلم الذي يجذب الجمهور لن يتأثر بألف مقال سلبي، والجمهور سيقبل على أفلام مثل "مرعي البريمو"، و"أولاد حريم كريم"، وحتى أفلام "تامر حسني" مهما كتبت السوشيال ميديا؛ وعصبية بعض الممثلين الأخيرة ضد الجمهور والنقد تُعبر عن أزمة السينما خلال السنوات الأخيرة؛ فهناك تراجع سينمائي كبير واضح للجميع عدا صُناع السينما.
مهمة نقد الأعمال الدرامية أصبحت عملًا محفوفًا بالمخاطر، ولا يختلف الأمر إذا كان الناقد مُتخصصًا أو غير مُتخصص؛ فلم تعد أعصاب بعض النجوم تتحمل الرأي المُختلف، وظهرت على بعضهم أعراض سُلطوية ترفض النقد، وتُشكك في نوايا كل تعليق سلبي على الفيلم، وظهرت تصريحات تُمارس العُنف اللفظي ضد الجمهور والنقد والصحفيين، وبدأ بعضهم في معركة مبارزة طواحين الهواء على طريقة "دون كيشوت"، فارس رواية الكاتب الأسباني "ثيربانتس"، الذي لم ير طواحين هواء من قبل، وظنها وحوشًا، وتوجه بحُصانه الهزيل مُشهرًا سيفه لمبارزة هذه الوحوش والقضاء عليها.
يستخدم صُناع السينما أنفسهم السوشيال ميديا في الدعاية لأعمالهم، وبعضهم يُروج إيرادات مُفبركة لجذب الجمهور، وربما تورط البعض في لعبة الإستعانة بأكاونتات مُزيفة من أجل نشر بوستات مُكثفة تؤكد أن الفيلم أعظم إنتاج سينمائي، وأن حصول بطله على أوسكار التمثيل القادم أمرًا حتميًا!
خبرة بعض الممثلين بعالم السوشيال ميديا وتعقيداته وعشوائيته ضعيفة، وتفهمهم لترينداته وميله للسخرية التي قد تصل حد المبالغة دفعهم لردود فعل عصبية مُرتجلة ومرتبكة، ووصفوا تريندات السوشيال ميديا الساخرة ضد بعض الأعمال الرديئة بأنها حملات ممولة أو مُبالغ فيها، من سيمول مثلًا حملة ضد فيلم مُتواضع آخر لمحمد هنيدي؟ ولماذا لا يصدقون أن الجمهور الذي يدفع ثمن تذكرة السينما المرتفع ضجر من مشاهدة فيلم رديء خالي من الكوميديا.
ممنوع النقد!
تستعين شركات الإنتاج الكُبرى في هوليوود بعينات من الجمهور لمشاهدة الأعمال الدرامية قبل عرضها، ويصل الأمر إلى تعديل بعض هذه الأعمال وتأجيل طرحها لأنها لم تلق صدى جيد في بروفة المشاهدة، وتُتابع نفس الشركات أراء جمهور السوشيال ميديا بعد عرض الأفلام، وتقوم أقسام الدعاية والتسويق بتحليل كل رأي، مهما كان حادًا ومُتجاوزًا، ويتابعون ردود الأفعال بمنهج علمي، وعلى أساس النتائج يُمكنهم قراءة ذوق الجمهور، والتخطيط للأعمال المُستقبلية.
هوليوود لا تقوم بتقييم الجمهور وتصنيفه قبل المشاهدة، ولا تشترط معرفته المُتخصصة بأدوات التحليل الفني النقدي، أو أن يكونوا من داخل "الشغلانة" حسب المعايير التي صرح بها الممثل "محمد فراج" تعليقًا على تعليقات ساخرة على السوشيال ميديا على أداء الممثلة "داليا شوقي" شقيقة زوجته في أحد مشاهد مسلسل "سفاح الجيزة".
لم يتورط ممثل هوليوودي مهما بلغت شُهرته في مهاجمة أراء الجمهور والنُقاد؛ لأنهم يفهمون قيمة النقد بغض النظر عن مصدره، ومهما بلغت حدته.
المُدهش مثلًا في حالة البوست الذي كتبه "مصطفى قمر" مُهاجمًا الناقد "طارق الشناوي" ليس فقط إستخدام لغة لا تليق بشخصية عامة، ولكن فكرة رفضه أن يقوم ناقد يمارس المهنة منذ عقود، ويقوم بتدريس مادة النقد الفني بعمله وينتقد فيلمه، وتحويله الإختلاف في الرأي إلى مُشاجرة وتريند للتشويش على مشاكل العمل الفني نفسه.
ريفيوهات اليوتيوب المُزعجة!
ما يقوم به بعض الممثلين من التورط في إطلاق تصريحات حادة ضد جمهور السوشيال ميديا والنقاد جزء من فوضى تورط الممثلين في تعليقاتهم على السوشيال ميديا، وفي الحقيقة لم أجد في حسابات النجوم في العالم هذا الكم من البوستات والتويتات والتعليقات التي يكتبها النجوم العرب على حساباتهم الرسمية؛ ويُفترض أن هذه الحسابات الرسمية مُخصصة لنشر ما يخص أعمالهم الفنية وليس للفضفضة والثرثرة في كل شىء.
من أنواع النقد المُزعجة لبعض الممثلين ما يقدمه بعض الشباب المُحب للسينما على اليوتيوب، وأغلبها فيديوهات نقدية ساخرة، وهى تختلف نسبيًا عن النقد المكتوب، وتتحرر من قيود المُصطلحات والتحليل الأكاديمي، وتميل للتعبير الكاريكاتوري، وبعض هؤلاء لديه جمهور أكثر من جمهور بعض الممثلين، ومحتوى بعض هذه الفيديوهات لاذع بالفعل، ولكنها لا تختلف كثيرًا عن لذع المقالات النقدية الساخرة، ورسوم الكاريكاتير، وأفلام البارودي، ومونولوجات تقليد الفنانين، والمشاهد الدرامية التي يسخر فيها أهل الفن من بعضهم البعض.
توقف الممثل "علاء مرسي" أمام بعض هذه الفيديوهات، وبالتحديد التي عرضت ريفيوهات عن فيلم "مرعي البريمو" الذي شارك به، وأطرف ما قاله يتعلق بدهشته من مُتابعة الملايين ليوتيوبر يُقدم محتوى عن السينما، لم يسمه وإستخدم جملة "الولد الجالس على الفيسبوك" لوصفه، وأكد إن هذا اليوتيوبر قام بسبه في فيديو، وأضاف أن هذا "الولد" يتواجد دائمًا في المهرجانات الفنية، وإتهم متابعيه بالإنقياد الأعمى وراء أرائه، وتسائل عن وظيفة هذا الشخص. هذه اللهجة المُتعالية تُعبر عن عدم إدراك ثقافة جيل جديد إتهمه "علاء مرسي" بالأفورة.
أرباح السينما الرديئة!
ليس كل ما يُقدم على السوشيال ميديا يستحق التوقف أمامه أو مبارزته، وصُناع الفنون يُبددون طاقتهم في معارك عبثية بدلًا من التركيز على تدهور مستوى كثير من الأعمال السينمائية، وبشكل خاص الكوميديا التي تراجعت بصورة كبيرة، وأصبحت تُصنع بأقل الإمكانيات الفنية والمادية؛ لأن حسابات الإنتاج تضمن تحقيقها إيرادات جيدة في السوق المحلي والسوق الواعد في دول الخليج، ولن تتطور السينما بإفتعال مُشاجرات مع جمهور السوشيال ميديا والنقاد، ولا توجد مؤامرة أو مُبالغة في الهجوم على أعمال رديئة.
من المنطقي أن يكون الهجوم على تواضع مستوى فيلم لممثل مثل "محمد هنيدي" كبيرًا ولاذعًا؛ فهو ممثل لديه تاريخ هام في السينما الكوميدية، ولديه حاضر يضم قائمة من الأعمال الضعيفة المُتتالية، وقد أصاب هذا الجمهور بالحنق والضيق، وكل شخص عبر بطريقته عن هذا الرفض، ولا أظن أن "هنيدي" أو "مصطفى قمر" أو غيرهم سيهتم لو كتب ناقد رأيه اللاذع في صحيفة محدودة القراء، ولكنهم الإهتمام يأتي حينما يُصبح هذا الرأي تريند، وهذا يعني أن الرأي وجد صدى لدى عدد كبير من الجمهور.
الفن هو المجال الوحيد الذي لا يصح أن تنمو فيه السلطوية؛ فمن حق أى إنسان التعبير عن رأيه، والجمهور لا يحتاج إلى دراسة نقدية مُتخصصة ليحب فيلمًا أو ينفر منه، ولن تستطيع إجبار طفل على مشاهدة فيلم لا يحبه، وجمل مثل "الفيلم وحش" أو "الفيلم حلو" رغم أنها مُطلقة وليست تحليلًا نقديًا، ولكنها الأكثر تداولًا لدي ملايين الجماهير للتعبير عن رأيهم، والناقد يُخاطب الجمهور بتحليله عناصر ولغة الفيلم بصورة تفتح مساحات أوسع للفرجة وتذوق العمل الفني، ولو تم إخراس الجمهور والنُقاد فلن يجد النجوم جمهورًا يُشاهد الأفلام سوى أبطال العمل وأصدقائهم.