من هي الملكة التي استخدمت باقة زهور لحماية زوجها وابنها الأكبر
لقد كانت ملكة حاولت إنقاذ زوجها وابنها من الاغتيال، وواجهت القتلة، بلا شيء أكثر من باقة من الزهور، ولكن محاولتها اليائسة لم تفسر عن شيء، وانتهى بها الأمر بمشاهدة زوجها وابنها الأكبر مصابين بجروح قاتلة من مسافة قريبة في عملية اغتيال، نتحدث عن الملكة ماريا أميليا Maria Amelia، آخر ملكات البرتغال، والتي عاشت لسنوات بعد محاولة الاغتيال المروعة التي أنهت حياة زوجها وابنها، لتشاهد ابنها الأخر، يفقد عرشه.
حياتها المبكرة
ولدت الملكة ماريا أميليا في تويكنهام، ميدلسكس في 28 سبتمبر 1865، وهي الطفلة الأولى لفيليب، كونت باريس Philippe, Count of Paris وزوجته ماري إيزابيل من أورليانز Marie-Isabelle of Orleans، واختار لها والديها اسم ايميلي، والدها كان أحد ورثة العرش الفرنسي، وعائلتها عاشت في المنفى في بريطانيا، وظلت وعائلتها في المنفى حتى تم السماح لهم بالعودة إلى باريس، بعد سقوط نابليون الثالث Napoleon III.
حياة إيميلي المبكرة، كانت مليئة بالخطط والمؤامرات السياسية بسبب انشغال والدها في الصراع مع آخرين لديهم حق وراثة العرش الفرنسي، حول من قد يصبح ملك فرنسا الجديد، في حالة نجاح محاولات استعادة النظام الملكي في فرنسا، وفي الوقت نفسه، كانت عائلتها تبحث أيضا عن زيجات ملكية لأطفالهم، وطرحت عمة إيميلي فكرة زواج إيميلي من كارلوس King Carlos، وريث عرش البرتغال وقتها، في عام 1884. التقى الزوجان في شانتيلي حيث وقعا في الحب، أقيم حفل ضخم في باريس في فبراير 1886 للاحتفال رسميا بخطبتهما.
بداية رحلتها كأميرة برتغالية وملكة مستقبلية
وصلت إيميلي إلى البرتغال في يوم 19 مايو 1886، استعدادا لزواجها من ولي عهد البرتغال في ذلك الوقت، وكان في استقبالها حشود كبيرة في محطة القطار، وكان بصحبتها وقتها العديد من أفراد عائلتها، وبعدها بأيام قليلة، وتحديدا في يوم 22 مايو، أقيم حفل زفافها الملكي في كنيسة القديس دومينيك في لشبونة، وهي المكان التقليدي لإقامة حفلات الزفاف الملكية البرتغالية، وسارت إيميلي على ممر العروس بداخل الكنيسة، ممسكة بذراع والدها، وكانت ترتدي وقتها فستان زفاف أبيض مصنوع من الحرير الأبيض الفاخر، وزينت شعرها بإكليل من الزهور والذي استخدم في تثبيت طرحة زفافها المصنوعة من الدانتيل الفرنسي.
في الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أن يعزز زواج إيميلي من نفوذ والدها وعائلتها في فرنسا، حتى وإن فشل في مساعدة والد إيميلي على تحقيق فرصه في الوصول إلى العرش الفرنسي، ولكن ما حدث كان العكس تماما حيث أثارت احتفالات الخطبة الضخمة التي أقيمت في باريس، احتفالا بخطبة إيميلي على ولي عهد البرتغال، استياء الكثير من الفرنسيين، لدرجة أن الكونت فيليب طلب منه صراحة بألا يعود إلى منزله في باريس، وتم إخباره بأنه وأسرته غير مرحب بهما في فرنسا، مما اضطره إلى الذهاب بعد زفاف ابنته الملكي في البرتغال، إلى منفى جديد.
تغير اسمها إلى اسم برتغالي وإنجابها لورثة جديد لعرش البرتغال
بعد زواجها من ولي عهد البرتغال، تغير اسمها إلى اسم برتغالي مستوحى من اسمها الأصلي، وهو ماريا أميليا، وبعد ما يزيد قليلا عن العام من زواجها، أنجبت وريثا، حيث ولد ابنها لويس فيليبي Luis Filipe في 21 مارس 1887، ولكن شقيقته التوأم ماريا آنا Maria Ana توفيت يوم ولادتها، وفي أواخر عام 1889، وتحديدا في يوم 15 نوفمبر 1889، ولد ابن ثاني لماريا وكارلوس، اختارا له اسم مانويل Manuel.
في تلك الأثناء كان النظام الملكي البرتغالي يتعرض لهجوم شعبي متزايد بسبب الركود السياسي ونقص النمو الاقتصادي، وفشل الحكومات البرتغالية المتعاقبة وقتها في القيام بتغيير ملموس لذلك الوضع، وعندما توفي والد كارلوس، لويس الأول Luis I، في عام 1889، ترك لابنه ووريث عرشه، كارلوس، والذي أصبح يعرف بعد تسلمه حكم البرتغال، بالملك كارلوس الأول Carlos I، نظام ملكي مزعزع وهش، وجموع شعبية غاضبة من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد.
ماريا أميليا، ملكة البرتغال
أصبحت ماريا أميليا ملكة للبرتغال في يوم 19 أكتوبر 1889، وعمرها لا يتجاوز 24 عام، وقد أدى شغفها بالإصلاح الاجتماعي والمبادرات الصحية إلى دعمها للعديد من مشاريع القضاء على الأمراض بما في ذلك مرض السل، كما اشتهرت أيضا باهتمامها بالفنون، ووفقا للمؤرخين، فإن البرتغاليين أحبوا ماريا أميليا، ولكنها تعرضت لبعض الانتقادات بسبب اعتراض عموم الشعب البرتغالي، على نفقات العائلة المالكة البرتغالية الباهظة في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمات مالية طاحنة، والحقيقة أن المال قضية رئيسية خلال فترة وجود أميليا كملكة حيث تم إعلان إفلاس البلاد مرتين في عهد زوجها مما أدى إلى إضرابات وتجدد الهجمات على النظام الملكي البرتغالي، وحاول كارلوس الأول تدارك ذلك بتعيين جواو فرانكو Joao Franco رئيسا للوزراء.
مع تصاعد الانتقادات الموجهة للنظام الملكي البرتغالي، تم إقناع الملك كارلوس الأول، بالموافقة على إصدار قانون يجرم المعارضة بالسجن، أو الترحيل، ويقال إن الملك كارلوس الأول، قال لسياسيين من حوله، بينما كان يوقع على ذلك القانون في يوم 30 يناير 1908، "لقد وقعت على حكم الإعدام الخاص بي، لكنكم أيها السادة تريدون الأمر بهذه الطريقة".
نهاية القصة
في ذلك الوقت، كانت خطط اغتيال كارلوس الأول، تسير على قدم وساق بالفعل، وفي الأول من فبراير عام 1908، وبينما كانت الملكة ماريا أميليا في عربة ملكية بصحبة زوجها وابنيهما، أطلق مسلحون النار عليهم، ليقتل كارلوس على الفور، وأصيب ابنها الأكبر لويس فيليبي بجروح قاتلة وتوفي بعدها بعشرين دقيقة، وأصيب ابنها الأصغر مانويل بإصابات طفيفة بينما لم تصب الملكة ماريا أميليا بأي إصابات، وحكى شهود عيان لاحقا، أن الملكة قامت بمحاولة مهاجمة المسلحين بباقة من الزهور كانت قد قدمها إليها زوجها وابنيها، في محاولة يائسة بحماية زوجها وابنيها من المسلحين الذين قاموا بإطلاق النار عليهم من مسافة قريبة.
في اليوم التالي من وفاة كارلوس الأول ولويس فيليبي، تم إعلان مانويل رسميا ملكا للبرتغال، لكن النظام الملكي البرتغالي كان بحلول ذلك الوقت، قد بدأ بالانهيار بالفعل، وبحلول عام 1910، فقد مانويل عرش البرتغال ليبحر ووالدته إلى المنفى، واستقرت الملكة أميليا في النهاية في تويكنهام، وعندما تزوج مانويل عام 1913، انتقلت والدته للإقامة في فرنسا بينما واصل مانويل محاولاته لاستعادة العرش البرتغالي، ولكنه توفي بشكل مفاجئ في منزله في عام 1932 وأعيد جثمانه إلى البرتغال حيث دفن في بانثيون براغانزاس.
قامت ماريا أميليا برحلة أخيرة إلى لشبونة في عام 1945، حيث زارت العديد من منازلها السابقة وتفقدت المشاريع الصحية التي ساعدت في إنشائها، وتوفيت في 25 أكتوبر 1951 في لو تشيسناي بفرنسا ودفنت إلى جانب زوجها وابنيها في لشبونة، ليسدل الستار بذلك على حياة آخر ملكات البرتغال والتي قامت بمحاولة يائسة لإنقاذ أسرتها والتاج البرتغالي بباقة من الزهور.