آخر ملكات ألبانيا...العروس الملكية التي تم اختيارها من صورة
الملكة جيرالدين Queen Geraldine of the Albanians، إنها الملكة الألبانية التي أطلق عليها لقب "الوردة البيضاء"، واستمرت في منصبها كملكة قرينة، لصيف واحد فقط، قبل أن تضطر وعائلتها للفرار من ألبانيا، بعد الغزو الإيطالي للبلاد، والذي وضع كلمة النهاية للنظام الملكي في ألبانيا، بعدها أمضت بقية حياتها تتنقل حول العالم، بحثا عن مكان للاستقرار، واستمرت في الوقت ذاته في تعزيز مصالح ابنها كملك غير متوج لألبانيا، والآن دعونا نتعرف على قصة الحياة الدرامية للملكة جيرالدين، آخر ملكات ألبانيا.
حياتها المبكرة
ولدت الكونتيسة جيرالدين أبوني دي ناجي-آبوني Countess Geraldine Apponyi de Nagy-Appony، في يوم 6 أغسطس 1915 في بودابست، لعائلة مجرية نبيلة، فوالدها هو الكونت جيولا أبوني دي ناجي-آبوني Count Gyula Apponyi de Nagy-Appony، أما والدتها فهي الوريثة الأمريكية الثرية غلاديس فيرجينيا ستيوارت Gladys Virginia Steuart، عاشت جيرالدين مع عائلتها في بودابست، حتى أصبحت في الثالثة من عمرها، وبعدها اضطرت وعائلتها للانتقال إلى سويسرا، بعد سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية، وظلت العائلة تقيم في سويسرا، حتى عادوا أخيرا إلى المجر في عام 1921، ولكن بعد وفاة والد جيرالدين في عام 1924، انتقلت جيرالدين بصحبة والدتها وشقيقتيها إلى فرنسا، واستقرت العائلة في مينتون بفرنسا.
والدة جيرالدين، تزوجت مرة أخرى، وأرسلت جيرالدين وشقيقتيها إلى مدرسة داخلية بالقرب من فيينا في النمسا، وخلال السنوات التالية، وبسبب تضاؤل ثروة العائلة، بدأت جيرالدين في البحث عن العمل لإعالة نفسها، وفي أواخر الثلاثينيات، عملت كاتبة مختزلة وبائعة في محل بيع الهدايا في متحف بودابست الوطني، وفي ذلك الوقت لم تتوقع جيرالدين أو عائلتها أنها ستصبح قريبا فردا في العائلة المالكة الألبانية وملكة قرينة مستقبلية.
العروس الملكية التي اختيرت من صورة
بينما كانت جيرالدين تعمل وتصنع اسما لنفسها في المجتمع المجري، أعلن الرئيس أحمد زوغو Amet Bej Zogu نفسه ملكا لدولة ألبانيا المجاورة، وأصبح منذ ذلك الحين يعرف بالملك زوغو الأول ملك لألبانيا King Zog I of Albania، وقتها كان ملك ألبانيا الجديد بحاجة إلى عروس لتحقيق الاستقرار في العائلة المالكة الألبانية الجديدة، ولذلك حث شقيقاته على السفر في جميع أنحاء أوروبا لمساعدته في العثور على عروس مناسبة.
دخلت جيرالدين في الصورة… حرفيا، بعد أن وصلت شقيقات الملك زوغو إلى المجر، وشاهدوا جيرالدين، واعتقدوا أنها العروس الملائمة لشقيقهم الملك، ولذلك أرسلوا صورتها، إلى شقيقهن الملك، إلى جانب صور نساء أخريات، اعتقدت شقيقات الملك أنهن مرشحات مثاليات أيضا لدور ملكة ألبانيا، ولكن الملك زوغو، اختار جيرالدين واعتقد أنها تستحق أن تكون ملكته، بمجرد رؤيته لصورتها، وطلب مقابلتها، وبعدها سرعان ما ترتيب لقاء بينهما في ألبانيا.
جيرالدين التقت بزوجها المستقبلي في ديسمبر 1937، وبعد أيام قليلة من لقائهما الأول، تم الإعلان رسميا عن خطبتهما، وأصبحت جيرالدين، تعرف منذ ذلك الحين، بلقب صاحبة السمو الملكي الأميرة جيرالدين أميرة ألبانيا، كما أطلق عليها أيضا لقب "وردة المجر البيضاء"، جيرالدين لم تكن وقتها تتحدث الألبانية، ولم تكن تعرف شيئا تقريبا عن بلدها الجديد، وكانت أيضا تصغر زوجها المستقبلي بـ 20 عام، ومع ذلك تزوجت الأميرة جيرالدين من الملك زوغ في يوم 27 إبريل 1938، في احتفال زفاف ملكي أقيم في تيرانا في ألبانيا، ظهرت فيه بتاج ملكي ماسي مبهر، صنع خصيصا من أجلها، والتاج قام بصنعه صناع مجوهرات نمساويين، ويتميز بزخارفه الأنيقة التي تحمل أشكال الورود البيضاء (في إشارة إلى لقب جيرالدين)، والماعز (وهو جزء من الشعار الملكي المميز للملك زوغو)، وأصبحت جيرالدين، تعرف منذ لحظة زواجهما، بالملكة جيرالدين.
أقيم حفل زفاف الملك زوغو والملكة جيرالدين بحضور كبار الشخصيات الإيطالية، بما في ذلك مبعوث رئيس الوزراء آنذاك بينيتو موسوليني Benito Mussolini، وغادر الزوجان الملكيان احتفال زفافهما للسفر لقضاء شهر العسل في سيارة مرسيدس بنز 540 قرمزية أهداها إليهما أدولف هتلر Adolf Hitler، في ذلك الوقت كان خطر الحرب يلوح في الأفق باستمرار، قبل أن يتسبب في النهاية في إنهاء حكم الملك زغو، وفقدان الملكة جيرالدين لألقابها الملكية بعد أقل من عام من زواجها من الملك زوغو.
جيرالدين ملكة ألبانيا
الفترة القصيرة التي قامت فيها جيرالدين بدور ملكة ألبانيا القرينة، كانت ناجحة بكل المقاييس، فوفقا لموقع العائلة المالكة الألبانية، فإن الملكة جيرالدين "ساهمت في بناء وتشغيل مؤسسات خيرية واجتماعية هامة في ألبانيا مثل المستشفيات والملاجئ ودور الأيتام" كما شاركت أيضا في جهود تمكين المرأة في ألبانيا، وساعدت أيضا على استقدام أفضل الأطباء من النمسا للعمل في المستشفى العسكري في تيرانا، وساهمت في إنشاء أول مستشفى للولادة في البلاد، وكان لها أيضا دور كبير في تأسيس الصليب الأحمر الألباني، وساعدت في إنشاء إذاعة تيرانا والترويج لها، وأعطت الأولوية "لنشر الثقافة والعلوم في المجتمع الألباني، خاصة في المناطق الريفية النائية في ألبانيا".
لكن قبل أن تكمل الملكة جيرالدين عامها الأول كملكة ألبانيا، قامت القوات الإيطالية بغزو البلاد، في شهر أبريل من العام التالي لزواجها من الملك زوغو، مما اضطر الملكة جيرالدين للهرب إلى خارج ألبانيا، بصحبة زوجها الملك زغو، وطفلهما الوحيد الأمير ليكا زوغو ولي عهد ألبانيا Crown Prince Leka Zogu والذي ولد في يوم 5 إبريل من نفس العام، وكان عمره وقت مغادرته ووالديه لألبانيا لا يتجاوز 3 أيام، بعدها أعلن البرلمان الإيطالي، فيتوريو إيمانويل الثالث Vittorio Emanuele III، ملك إيطاليا وقتها، ملكا للألبان، لكنه تنازل عن منصبه في عام 1943.
بعد هروب العائلة المالكة الألبانية من ألبانيا، وسافروا عبر اليونان وتركيا قبل أن يستقروا في فرنسا وإنجلترا، حيث أمضوا معظم فترة الحرب العالمية الثانية في بريطانيا، وتضمنت أماكن إقامتهم خلال تلك الفترة، فندق ريتز في لندن، ومقاطعة باكينجهامشير، بعد الحرب، غادر أفراد العائلة المالكة الألبانية إلى مصر قبل عودتهم إلى فرنسا مرة أخرى، واستقروا هناك لبقية حياة الملك زوغ، جدير بالذكر أن الملك زوغ أعيد إعلانه ملكا للألبان بعد تنازل فيتوريو إيمانويل عن العرش، ولكن عندما سيطرت جمهورية ألبانيا الشعبية الاشتراكية على السلطة في عام 1946، تم تجريده من لقبه مرة أخرى.
نهاية قصتها
في عام 1961، توفي الملك زوغو، وتم تنصيب ابن الملكة جيرالدين، ملكا لألبانيا، من قبل الحكومة الألبانية الملكية المنفية، في غرفة فندق باريسي، وأصبح يعرف منذ ذلك الحين بالملك ليكا الأول ملك ألبانيا، وإن كان لم يعترف به كملك للبلاد قط، من قبل الحكومة الألبانية الرسمية، وقتها أطلق على جيرالدين، ملكة ألبانيا الأم، وواصلت العائلة المالكة الألبانية السفر والتنقل بين عدة بلدان حول العالم، من بينها إسبانيا وروديسيا (المعروفة الآن باسم زيمبابوي) وجنوب إفريقيا، وهي البلد التي قضت فيها الملكة جيرالدين بقية حياتها، والسبب هو منع العائلة المالكة الألبانية من العودة إلى ألبانيا في ذلك الوقت، واستمر ذلك طوال فترة الحكم الشيوعي للبلاد، حتى تمكنت الملكة جيرالدين وولي العهد الأمير ليكا من العودة أخيرا إلى ألبانيا في عام 1997 وذلك لحضور استفتاء مصيري في تيرانا لتحديد ما إذا كان ينبغي استعادة النظام الملكي، ولكن نتيجة الاستفتاء عززت من بقاء النظام الجمهوري حيث أيد 30% فقط من الألبان النظام الملكي، وظلت البلاد جمهورية منذ ذلك الحين.
في السنوات الأخيرة من حياتها، عادت الملكة جيرالدين إلى ألبانيا للمرة الأخيرة، واستقرت في تيرانا، وهناك تدهورت حالتها الصحية، وتم إدخالها إلى المستشفى العسكري لتلقي العلاج من مرض الرئة، وبعدها أصيبت بثلاث نوبات قلبية، وتسببت النوبة القلبية الثالثة والأخيرة للملكة جيرالدين في مفارقتها للحياة في يوم 22 أكتوبر 2002 وتوفيت وهي محاطة بعائلتها، وعلى رأسهم ابنها ولي العهد الأمير ليكا وزوجته الأميرة سوزان، ودفنت الملكة جيرالدين في الضريح الملكي في تيرانا.