فيلم "The Expendables 4".. دراما مُستهلكة تبحث عن بريق الأجزاء الأولى!
بدأت سلسلة أفلام "المُرْتَزِقَة" The Expendables قبل 13 عامًا، وجمعت في الجزء الأول عدد من أهم نجوم الأكشن في الثمانينيات والتسعينيات، وكان واضحًا أن الفيلم يحتفي بالنوعية التي كانت تُقدم في تلك الحِقْبَة، ويُعيد نجوم الأكشن القدامى إلى الأضواء بعد غياب، وفي مُقدمتهم "أرنولد شوارزينجر" و"بروس ويليس" و"ميل جيبسون"، وعدد كبير من ضيوف الشرف، ويقود الجميع "سلفستر ستالوني" وهو مخرج الفيلم الأول، وشارك في كتابة سيناريو ثلاثة أفلام من السلسلة، ونجح الفيلم بصورة أكبر من التوقعات، وكان نجاح الجزء الثاني أقل، ولكنه كان كافيًا لتمهيد الطريق إلى المزيد من الأجزاء المُكملة.
ستالوني... نُسخة هنيدي!
بعد الفشل الذريع الذي حظي به الجزء الثالث تقمص "سلفستر ستالوني" شخصية "محمد هنيدي" وهو يُروج لفيلمه "مرعي البريمو"، ووعد في تصريحات مُتكررة أن يكون الجزء الرابع من السلسلة أفضل؛ وحسب تبريره؛ تسبب تصنيف الفيلم الثالث (PG-13) وتخفيف مشاهد العُنف في ضعف الفيلم، والتصنيف المذكور ملائم لمن هم في سن 13 عامًا فأعلى؛ وهدفه جذب شريحة أكبر من الجمهور.
مع غياب العُنف المُفرط في الجزء الثالث غاب وهج السلسلة، أو هكذا ظن "ستالوني"، وحصل الفيلم الرابع على التصنيف (R)؛ أي ملائم لسن 17 عام وأكبر؛ وهذا يعني دماء أكثر وجمهور أكبر عددًا وسنًا.
مرت عشر سنوات على عرض الجزء الثالث، وظن البعض أن السلسلة انتهت، ولكن على طريقة البلوت تويست المُبتذل عاد الفيلم من عالم الأموات، والمُلفت أن كل شيء في الفيلم الرابع ذهب في طريق تتويج كريسماس "جيسون ستاثام" بطلًا للسلسلة، هذا إن استطاعت السلسلة الثَّبات؛ لأن الفيلم يفتقد بشدة حضور حقيقي لأساطير أفلام الأكشن في الثمانينيات والتسعينيات، وهم الذين منحوا الأجزاء الأولى سُمعتها وشُهرتها، وظهورهم حتى ولو في مشاهد صغير منح السلسلة خصوصيتها وبريقها.
هناك ظهور باهت للممثل "آندي جارسيا" في دور مكتوب بنمطية، ونفس الشيء حدث مع "دولف لوندجرين" وهو عُضو رئيس في الفريق، وأزمة الكتابة تنعكس على شخصيات فريق "المُرْتَزِقَة"؛ فهم في أفضل حالاتهم في مشاهد المواجهات والأكشن، وهذا لا يعني أنها مشاهد جيدة، ولكنها أخف وطأة من مشاهد تبادل الممثلون الحُوَار بدلًا من الرّصاص، وهو حوار فاتر غالبًا؛ مزيج من جمل مُتصنعة، ونكات خافتة مُتهكمة، تخرج من أفواه شخصيات الفريق بداعي وبدون داعي.
حلول درامية مُتوقعة!
"جيسون ستاثام" من جيل الوَسْط، ولا يحتاج إلى قيادة مجموعة "المُرْتَزِقَة"؛ فهو بطل أفلام أكشن أخرى تحمل اسمه، وخلال العام الجاري قدم أربعة أفلام؛ منها فيلم "Meg 2: The Trench." "ميج 2: الخندق"، وحقق الفيلم إيرادات كبيرة في شباك التذاكر.
مغامرة الجزء الرابع مليئة بالأكشن والمواجهات والتفجيرات والمطاردات العنيفة والإرهابيين وقنبلة نووية مسروقة، وكل ما يصنع فيلم أكشن مثير وجذاب لمُحبي هذا النوع. يعتمد الفيلم على حبكة مُستهلكة، وحلول درامية مُتوقعة، ودماء غزيرة مسفوكة في كل مشهد، ولم تجلب الدماء السحر المطلوب، والجاذبية المرغوبة؛ فكل شيء خامل حتى لو بدا مُبهرجًا بالحركة السريعة والموسيقى الصاخبة، وتزيد الخدع البصرية والمؤثرات الطين بلة؛ بسبب فقر تنفيذها الشديد.
تبدأ القصة بجماعة إرهابية مُسلحة يقودها تاجر السلاح شديد الدموية رحمت "ايكو عويس"، وهو وفريقه يُنفذون سرقة رأس نووي من مصنع كيماويات شديد الحراسة في ليبيا لمصلحة شخص يُدعى أوسيلوت، وتسعي المخابرات الأمريكية لاستعادة السلاح المسروق بأية طريقة، ويُكلف فريق "المُرْتَزِقَة" بقيادة بارني "سلفستر ستالوني" بالمهمة، وكعادة هذا النوع من المهمات لن تعترف بها الحكومة الأمريكية في حالة القبض على أعضاء الفريق، وأثناء تنفيذ المُهمة يخالف كريسماس أوامر مُباشرة؛ مما يتسبب في إخفاق الفريق وطرده لاحقًا.
باقي الفيلم يُركز بشكل رئيس على شخصية كريسماس، ومسعاه للانتقام واستعادة ثقة الفريق، ولا يوجد شيء خاص يُميز الحبكة المعروف نتيجتها مُسبقًا.
إنقاذ العالم!
الفيلم كعمل تُجاري حاول إضافة بعض البهجة والمرح على أجواء العنف والقسوة التي تُسيطر على الفيلم؛ ومنح شخصية جينا "ميجان فوكس" دور حبة الكرز فوق تورتة الفيلم الذكورية؛ فهي الحسناء المُثيرة، عضو في الفريق من ناحية، وحبيبة كريسماس صعبة المراس من ناحية أخرى، وهناك بالطبع كم هائل من النكات الجنسية المُتطايرة، وفيضان التهكم في طيات كل مشهد، وهي لمحات تتشبه بأفلام أكشن الثمانينيات والتسعينيات.
الحدث الأكبر والأهم هو المواجهة على متن سفينة شحن ضخمة في نهاية الفيلم، وهناك يلتقي الجميع، وتحدث المعركة الكُبرى التي تُمثل ذروة الصراع، وأظن أن المشهد بكل عناصر الحركة والتصوير وتصميم المعارك مصنوع لمُحبي السلسلة ونوعية الأكشن المُفرط الذي يُقدمه الفيلم، وهو مشهد مقبول عمومًا، ولكنه ليس أصيلًا أو مُبدعًا؛ مثل أفلام "جون ويك" و"مهمة مُستحيلة" مثلًا، ولا يرقى حتى إلى مستوى مشاهد الأكشن في الجزأين الأول والثاني.
نحن أمام فيلم يعيش في الماضي، ويُقدم أكشن استعراضي كما في أفلام التسعينيات، ولا يبذل مجهود كافِ لدمج هذه الحالة مع واقع الزمن الحاضر، ولا يُمكنه استعادة بريق وحضور الجزء الأول، وهو متوسط الحال على مستوى تصميم المعارك ومشاهد الأكشن، وكذلك في تصميم مشاهد الجرافيك، ومع غياب نجوم الأجزاء الأولى، وغياب "سلفستر ستالوني" مُعظم زمن الفيلم، واستهتار المخرج "سكوت وو" الواضح في تنفيذ كل مشهد، يمكن القول أن "المرتزقة 4" هو جزء ضعيف أخر من السلسلة، ولا أبالغ لو قلت هو الأسوأ، والحاصل أن هذا هو الوقت المناسب لتقاعد المُرتزقة وإنهاء هذا العبث.
الصور من حساب الفيلم على انستجرام.