معاناة الملكة جين مع حمى النفاس قبل وفاتها  ​

ما هو المرض الخطير الذي أنهى حياة ملكة بريطانية قرينة في أوج نفوذها

عبد الرحمن الحاج
27 أكتوبر 2023

في أوائل خريف عام 1537، كان الملك هنري الثامن King Henry VIII وحاشيته يحتفلون بمولد وريث عرشه الذكر الذي لطالما ما حلم به والذي تزوج أكثر من مرة على أمل إنجابه، وبالفعل أنجب ابنه الشرعي الوحيد ووريث عرشه الذي انتظره لسنوات، وهو إدوارد الذي عرف لاحقا بالملك إدوارد السادس Edward VI of England، وولد في يوم 12 أكتوبر في قصر هامبتون كورت Hampton Court Palace وسط ابتهاج واحتفالات واسعة النطاق، وقتها كانت الاستعدادات على قدم وساق لإجراء احتفالات تعميد ضخمة لوريث العرش الجديد، وعمت الاحتفالات في جميع أنحاء إنجلترا والتي أصبحت في يوم مملكة ذلك الأمير الصغير، ولكن في الوقت الذي انشغل فيه الجميع تقريبا في داخل قصر هامبتون كورت بالاحتفال مع الملك هنري الثامن، بمولد الأمير الصغير، كان الخطر والموت يتربصان في واحدة من غرف القصر حيث ولد الأمير الصغير، ولم يكن يحيط بشخص عادي، وإنما بالملكة القرينة جين سيمور Queen Jane، والدة الأمير الوليد والتي نجحت فيما لم تنجح في القيام به أي من زوجات هنري الثامن، قبلها أو بعدها وهو إنجاب وريث ذكر، لعائلة تيودور الملكية الحاكمة في ذلك الوقت.

المرض الذي أنهى حياة الملكة جين وهي في أوج نفوذها

المرض الذي أنهى حياة الملكة جين وهي في أوج نفوذها
المرض الذي أنهى حياة الملكة جين وهي في أوج نفوذها

وقت ولادة إدوارد السادس، كانت والدته جين سيمور، أو الملكة جين كما كان يطلق عليها وقتها، في أوج نفوذها، لأنها لم تنجح فقط في كسب حب والامتنان العميق لزوجها، الملك هنري الثامن، بتحقيق أمنيته بإنجاب وريث ذكر لعرشه، ولكنها عززت أيضا مكانتها ونفوذها كوالدة للملك المستقبلي، وزوجة للملك الحالي والذي لم يكن من الممكن أن يقوم بإبعادها والتخلي عنها أو طلاقها أو حتى قتلها (كما فعل مع زوجاته الأخريات قبلها وبعدها) لأنها والدة وريث عرشه وملك البلاد المستقبلي، لكن ولادتها لوريث العرش لم تأتي بدون تضحيات حيث تضررت صحة الملكة جين كثيرا أثناء الولادة وعانت من ضعف شديد، قبل أن تصاب بمرض مدمر ومخيف للغاية، كان سبب في وفاتها، وهو حمى النفاس.

حمى النفاس

حمى النفاس هو مرض معدي يحدث نتيجة الإصابة بعدوى ميكروبية في بطانة الرحم بعد عملية ولادة أَو عملية إجهاضِ، وتتضمن أعراضه الإصابة بحمى، وتسمم دموي، وغالبا ما تحدث الإصابة بهذا المرض، بسبب تجاهل التعقيم الجيد للأدوات المستخدمة عند الولادة، وتتسبب عدوى النفاس في ارتفاع درجة حرارة النساء إلى أكثر من 100 درجة فهرنهايت في الأيام التالية للولادة وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، تعاني الأمهات الجدد المصابات بهذا المرض أيضا من آلام شديدة في البطن وغثيان، بسبب تسمم الدم، وهو عدوى خطيرة للغاية إذا ما تركت دون علاج.

حمى النفاس يمكن تجنبها بالتعقيم الجيد لليدين والملابس للأشخاص المشاركين في عملية الولادة، والأدوات المستخدمة في عملية الولادة، كما يمكن علاجها باستخدام المضادات الحيوية، ولكن كل هذا لم يكن متوفرا في القرن السادس عشر عندما عانت الملكة جين من حمى النفاس بعد الولادة، ولم يكن بوسع الأطباء وقتها فعل الكثير لمساعدتها، ليتسبب ذلك المرض في وفاتها في النهاية، مثلها في ذلك مثل آلاف النساء الأخريات في جميع أنحاء إنجلترا ممن أصيبوا بذلك المرض في ذلك الوقت.

معاناة الملكة جين مع حمى النفاس قبل وفاتها

معاناة الملكة جين مع حمى النفاس قبل وفاتها
معاناة الملكة جين مع حمى النفاس قبل وفاتها

وفقا للمؤرخين فإن الملكة جين كانت تشعر فقط بالضعف بعد ولادتها لطفلها، ولم تكن تشعر بالمرض، بل ويبدو أنها لم تشعر بتوعك إلا بعد ثلاثة أيام على الأقل من ولادة إدوارد السادس (لا يوجد سجلات رسمية لشكوى الملكة جين من المرض قبل إقامة مراسم تعميد طفلها إدوارد السادس والتي أقيمت في يوم 15 أكتوبر 1537)، حتى أن الملكة جين كانت في حالة صحية جيدة بما يكفي وقتها، لإرسال رسائل لأقاربها والمقربين لديها، لإبلاغهم شخصيا، بأنباء ولادة طفلها، ووريث العرش المنتظر، ويقال إنها كانت تتمتع أيضا في ذلك الوقت بشهية جيدة وحالة معنوية جيدة للغاية، ولكن يبدو أن الإهمال في النظافة والرعاية قبل وبعد الولادة، كان سبب في إصابة الملكة جين بحمى المفاس، ففترة مخاض الملكة كانت طويلة واستمرت لثلاثة أيام، وعندما أنجبت ابن هنري الثامن الذي طال انتظاره، وصف بأنه مولود كبير الحجم، وأشارت تقارير أطبائها لاحقا، أن حجم طفلها الكبير، زاد صعوبة ولادتها الطبيعية للطفل، ولذلك من المرجح أن تكون الملكة جين قد مرت بعملية ولادة طويلة وصعبة للغاية لمنح إنجلترا وريثها الذي طال انتظاره، ولأن الأطباء وقتها لم يكونوا يغسلون أيديهم كإجراء روتيني في ذلك الوقت، فمن غير المستبعد أن تكون الملكة جين قد تعرضت خلال عملية الولادة لمجموعة واسعة من الجراثيم وسرعان ما بدأت تعاني بسببها بعد أيام قليلة من ولادتها لطفلها قبل وفاتها.

هل كانت حمى النفاس هي حقا ما تسببت في وفاة الملكة جين

الملكة جين
الملكة جين

في حين أن حمى النفاس هي المسبب الرئيسي المعترف به والمسجل تاريخيا لوفاة الملكة جين ولكن لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كان السبب في وفاة الملكة جين هو حمى النفاس حقا أو حالة مرضية أخرى مشابهة، اعتبرها الأطباء وقتها مرض حمى النفاس، مثل العديد من الأمراض المشابهة الأخرى التي كانت تعتبر أيضا حمى نفاس، فالولادة كانت أمر خطير في ذلك الوقت، وكانت غالبا ما تسبب في وفاة نصف النساء في ذلك الوقت، وبعدها بحوالي مائة عام، استطاع بعض الأطباء خفض معدلات الوفاة أثناء الولادة بنسبة تصل إلى 25%، وهي نسبة تعني أن واحدة من كل أربع نساء من المحتمل أن تفقد حياتها أثناء الولادة، في ذلك الوقت أيضا لم تكن هناك أدوية فعالة لعلاج حمى النفاس والأمراض المشابهة لها وكان الأطباء وقتها يقفون عاجزين وهم يشاهدون النساء اللاتي أصيبن بها وهم يعانين من ألم شديد وغالبا ما يصبن أيضا بالهذيان مع تفاقم المرض، وحتى الوفاة.

ملكات انتهت حياتهن بسبب الولادة

الملكة جين لم تكن أول ملكة بريطانية تموت بسبب الولادة، ولم تكن الأخيرة أيضا حيث توفيت والدة هنري الثامن، إليزابيث يورك Elizabeth of York، بسبب حمى النفاس عام 1503 بعد عشرة أيام من ولادة طفلة صغيرة ماتت قبلها مباشرة.، كما توفيت آخر زوجات هنري الثامن، وهي الملكة كاثرين بار Catherine Parr، في سبتمبر 1548 بعد أيام قليلة من ولادة طفلتها الوحيدة، وهي ابنتها من زوجها الرابع، توماس سيمور Thomas Seymour، شقيق الملكة جين، والذي تزوجته كاثرين بار بعد 6 أشهر من وفاة زوجها هنري الثامن، وحتى في أوائل القرن التاسع عشر، كانت الوفاة أثناء الولادة سببا في مأساة حقيقية للعائلة المالكة البريطانية حيث توفيت الابنة الوحيدة للملك جورج الرابع George IV، وهي الأميرة شارلوت Princess Charlotte، بعد ساعات قليلة من ولادتها لطفل ميت.

وفاة الملكة جين

وفاة الملكة جين
وفاة الملكة جين

توفيت الملكة جين في يوم 24 أكتوبر 1537 ودفنت في قلعة وندسور، وكانت الوحيدة من بين زوجات هنري الست أقيمت لها جنازة رسمية كملكة، هنري الثامن حزن كثيرا على وفاتها، ويقال إنها كانت زوجته المفضلة، وبفضل ذلك وإلى جانب حقيقة أنها عائلة وريث العرش، احتفظت عائلة جين بالكثير من النفوذ حتى بعد وفاتها، وبعد زواج هنري الثامن للمرة للرابعة، والذي جاء بعد ثلاث سنوات تقريبا من وفاة الملكة جين.