ما قصة الحريق الغامض الذي أجبر عائلة ملكية على الهرب ليلا؟
في كلمتها السنوية بمناسبة أعياد الميلاد في عام 1992، وصفت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية Queen Elizabeth II، عام 1992، بالعام المروع، بسبب سلسلة من الأحداث السيئة والمحزنة بشكل خاص للملكة إليزابيث الثانية والتي شهدها ذلك العالم، والتي لم تقتصر فقط على الإعلان رسميا عن انتهاء ثلاث زيجات من زيجات أبنائها الأربعة، وإنما تضمنت أيضا اندلاع حريق ضخم في واحد من أكثر من المنازل الملكية المفضلة لدى إليزابيث الثانية وهي قلعة وندسور (مقر عطلات نهاية الأسبوع للملكة إليزابيث الثانية خلال سنوات حكمها لبريطانيا، ومقر إقامتها الرسمي في السنوات الأخيرة من حكمها)، ووقع حريق قلعة وندسور في يوم 20 نوفمبر 1992، بسبب ماس كهربائي، في غرفة كنيسة الملكة فيكتوريا، والذي لم يتسبب فقط في احتراق تلك الغرفة، وإنما امتد إلى جميع أنحاء القلعة حتى وصل إلى قاعة سانت جورج المجاورة وبرج برونزويك والأجنحة الملكية المجاورة، وفي الوقت الذي كانت قلعتها المحبوبة في تحترق، كانت الملكة إليزابيث الثانية تتابع مهام عملها كالمعتاد في قصر باكنغهام.
حريق قلعة وندسور كان ضخما للغاية لدرجة أنه رجال الإطفاء استغرقوا أكثر من 15 ساعة، دون توقف، للسيطرة على الحريق، قبل أن ينجحوا أخيرا في إخماد الحريق في صباح يوم 21 نوفمبر 1992، بعد أن دمر الحريق 115 غرفة في القلعة، وبعد مرور 5 سنوات على اندلاع الحريق، تم الانتهاء رسميا من ترميم قلعة وندسور، في 20 نوفمبر 1997 بتكلفة قدرت بحوالي 60 مليون دولار.
قلعة تري كرونور
حريق قلعة وندسور قد يكون أكثر الحرائق ملكية شهرة، ولكنه ليس الحريق المدمر الوحيد الذي تسبب في تدمير منزل ملكي رئيسي، ففي القرون الوسطى، منذ أكثر من 320 عام، اندلع حريق هائل في القصر الملكي القديم في ستوكهولم، والذي كان يعرف وقتها بقلعة تري كرونور Tre Kronor، أو قلعة التيجان الثلاثة، قبل أن يبنى على أنقاضها، لاحقا القصر الملكي الحالي في ستوكهولم، ولكن لماذا بالضبط احترقت القلعة وتحولت إلى رماد بهذه الطريقة الغامضة والمفاجئة؟
قبل أن نستعرض قصة حريق تري كرونور، دعونا نستعرض نبذة عن تاريخ هذه القلعة الملكية السويدية التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، بنيت قلعة تري كرونور والتي استخدمت كمقر إقامة ملكي رئيسي في السويد، بتكليف من إيرل بيرجر Earl Birger في منتصف القرن الثالث عشر، أما اسم القلعة، تري كرونور، فلقد أصبح رسميا اسم القلعة، في منتصف القرن الرابع عشر، عندما أطلقه عليها الملك ماغنوس السابع King Magnus VII، أصبحت قلعة تري كرونور لاحقا مقر إقامة ملكي، عندما انفصل الملك غوستاف فاسا King Gustav Vasa عن اتحاد كالمار Kalmar Union وحصلت السويد على استقلالها، وكان ذلك في عام 1521، منذ ذلك الحين أصبحت قلعة تري كرونور، المقر الملكي الأكثر شهرة في البلاد، وظلت كذلك حتى احترقت في حريق هائل.
حريق هائل وجهود إخماد الحريق والإنقاذ
في يوم 7 مايو 1697، بدأ مبنى قلعة تري كرونور يحترق، بعد أن اندلع الحريق في العلية المقابلة للقاعة الوطنية في الجزء الجنوبي من القلعة عند الساعة الثانية بعد الظهر، كانت زوجة رجل الإطفاء تصادف وجودها في موقع القلعة في ذلك الوقت، هي أول من اكتشف الدخان، ونبهت الآخرين بوجود الحريق، وعلى رأسهم رجل الإطفاء أندرس أندرسون Anders Andersson والذي أسرع ليركض إلى القلعة للتحقق مما يحدث، وعندما وصل إلى العلية اكتشف أنها مشتعلة، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى معدات إطفاء الحريق في المبنى لأن الحريق أغلق طريق الوصول إليها.
أثناء الحريق، حاول الخدم داخل القلعة، إنقاذ أكبر قدر ممكن من ممتلكات العائلة المالكة السويدية التي كانت مقيمة في القلعة في ذلك الوقت، لكن الحريق سرعان ما امتد إلى جميع أنحاء القلعة، ففي حين أن القلعة بنيت من الحجر، إلا أن سقفها كان من النحاس، مما أدى إلى ارتفاع الحرارة بشكل كبير، وهو ما تسبب في اشتعال النيران في عوارض الخشب في القلعة.
وفقا للمؤرخين، فلقد ساعد المئات من الجنود والمواطنين العاديين من ستوكهولم، بالإضافة إلى أفراد من العائلة المالكة السويدية في ذلك الوقت، في جهود إخماد الحريق، ومع ذلك لم تكن جهودهم مثمرة، فبعد بضع ساعات من اندلاع الحريق في القلعة، تحولت إلى جحيم كامل وكان لا بد من التخلي عن العمل لإنقاذ القلعة، ولم يتبقى أمام العائلة المالكة السويدية سوى الوقوف أمام القلعة لبقية المساء لمشاهدة القلعة والتي كانت منزلهم في ذلك الوقت، تحترق وتحولت إلى رماد، والأسوأ من ذلك بالنسبة لهم أن جثمان الملك كارل الحادي عشر King Karl XI والذي توفي في 5 أبريل، كان لا يزال داخل القلعة أثناء الحريق، وعندما اضطرت العائلة المالكة والبلاط إلى مغادرة القلعة، تم إخراج رفات الملك بعناية من القصر ونقلها إلى كنيسة قريبة، بعد صعوبة كبيرة.
تداعيات حريق قلعة تري كرونور
تسبب حريق قلعة تري كرونور في خسائر فادحة للعائلة المالكة السويدية والسويد في ذلك الوقت حيث تسبب في تدمير أجزاء كبيرة من الأرشيف الوطني القديم والذي كان جزء من القلعة وقتها إلى جانب 24500 عمل مطبوع وحوالي 1400 مخطوطة بمكتبة القلعة،
ولم يتم اكتشاف سبب الحريق قط، كل ما هو معروف هو أن الحريق بدأ في العلية، وتم إجراء سلسلة من المحاكمات لمعرفة ما إذا كان أي شخص قد أشعل النار عمدا في القلعة، ولكنها لم تتوصل إلى شيء، ومع ذلك، فلقد أدين ثلاثة أشخاص بالإهمال، اثنين منهم، من المسؤولون عن إدارة الإطفاء في القلعة في ذلك اليوم وهم أندرس أندرسون وماتياس هانسون Mattias Hansson، إلى جانب رئيس رجال الإطفاء سفين ليندبرج Sven Lindberg حيث أثبتت التحقيقات أن أندرسون ترك موقعه في القلعة وقت الحريق، للقيام ببعض الأعمال الصغيرة في مدينة ستوكهولم، بينما ترك هانسون مركز حراسة الحرائق في القلعة، للذهاب للبحث عن طعام، أما ليندبرج، فأدين بالفساد لأنه تلقى أموالا لتوظيف أندرسون وهانسون، وحكم على ليندبرج وهانسون بالإعدام، بينما حكم على أندرسون بالسجن لبعض سنوات مع الأشغال الشاقة، لاحقا، تم تخفيف أحكام الإعدام بعد أن أصدر، الملك كارل الثاني عشر King Karl XII، مرسوم ملكي بخصوص ذلك الشأن، وحكم على المتهمين الثلاثة بالسجن ست سنوات مع الأشغال الشاقة في قلعة كارلستن، ليندبرج، توفي أثناء قضائه عقوبة السجن، لأنه كان رجل مسن، ولم يتحمل العمل الشاق، أثناء فترة السجن، إلى جانب العقوبات البدنية التي كانت تفرض على المسجونين وقتها، بما في ذلك قيام المسجونين بالركض بين صفين من الجنود الذين يقومون بضربهم ومهاجمتهم.
لفترة طويلة، تساءل الناس عما إذا كان قد تم إحراق القلعة عمدا، وظهرت العديد من النظريات والتكهنات حول الأشخاص الذين يعتقد أنهم قاموا بإحراق القلعة عمدا إلا أن العديد من المؤرخين يرجحون أن سبب الحريق على الأرجح هو حريق في أحد أنابيب مطبخ القلعة.
تم نقل العائلة المالكة السويدية بعد الحريق إلى قصر رانجيلسكا Wrangelska palace حيث عاشوا لمدة 50 عام حتى عام 1754، والذي بني فيه قلعة ستوكهولم الجديدة في نفس المكان الذي أحرقت فيه تري كرونور، وأصبحت لاحقا تعرف بالقصر الملكي السويدي.