تعرف على النهاية المأساوية لأميرة بريطانية كان يتوقع أن تصبح ملكة
الجميع تقريبا-أو على الأقل جميع المهتمين بالشأن الملكي البريطاني-سمع عن الأميرة تشارلوت Princess Charlotte، وهي ابنة الأمير وليام ولي عهد بريطانيا وأمير ويلز William, Prince of Wales وحفيدة الملك تشارلز الثالث King Charles III ملك بريطانيا الحالي، ففي حين أنها لم تكمل عامها العاشرة من عمرها بعد إلا أنها تعد واحدة من أشهر أميرات العائلات المالكة البريطانية، وهذا ليس بالغريب بسبب موقعها المميز كفرد رئيسي في العائلة المالكة البريطانية، وترتيبها المتقدم في خلافة العرش البريطاني، وبفضل ذلك، وإلى جانب الهوس الإعلامي الكبير بالأمير وليام وأفراد أسرته، أصبحت الأميرة تشارلوت، واحدة من أشهر الأميرات اللاتي حملن اسم الأميرة تشارلوت، إن لم تكن أكثرهن شهرة على الإطلاقة، ولكن "الأميرة تشارلوت" التي سنتحدث عنها اليوم، ليست الأميرة تشارلوت ابنة أمير ويلز الحالي، والتي تعرف رسميا بالأميرة تشارلوت من ويلز، وإنما أميرة بريطانية أخرى كانت تحمل اسم تشارلوت، وكانت أيضا حفيدة ملك، وولدت أيضا لأمير بريطاني كان وريث للعرش البريطاني، ويحمل لقب أمير ويلز، بل وكان من المتوقع أيضا أن تصبح ملكة بريطانية حاكمة في يوم ما، ووفقا للمؤرخين، فإن الكثير من البريطانيين وقتها، يتطلعون لليوم التي تصبح فيه ملكة، ولكنها توفيت أثناء ولادتها لطفلها، وعمرها لا يتجاوز 21 عام، وحزن عليها الجمهور البريطاني بشدة، نظرا لشعبيتها الكاسحة في ذلك الوقت، والتي تجاوزت شعبية والدها.
من هي الأميرة تشارلوت التي كادت أن تصبح ملكة؟
الأميرة تشارلوت التي نتحدث عنها، والتي كانت تحمل أيضا وحتى وفاتها لقب الأميرة تشارلوت من ويلز، الأميرة تشارلوت هي حفيدة الملك جورج الثالث King George III وابنة الملك جورج الرابع King George IV من زوجته كارولين برونزويك Caroline of Brunswick والتي انفصل عنها جورج الرابع لاحقا، وولدت شارلوت عام 1796، أي بعد تسعة أشهر تقريبا من زواج والديها، والذي كان زواج تسعا منذ بدايته، وأصبح أكثر سوء بمرور الوقت، خاصة أن جورج الرابع لم يخفي رغبته في إنهاء زواجه من زوجته كارولين في كل فرصة تتاح له للقيام بذلك، حتى أن جميع من في إنجلترا في ذلك كانوا على علم برغبة جورج الرابع في إنهاء زواجه من زوجته كارولين، وأن العائق الأكبر أمامه لتحقيق ذلك هو والده جورج الثالث والذي رفض تنفيذ رغبة جورج الرابع في تطليق زوجته رفضا قاطع، وشاركه ذلك الرفض غالبية النبلاء في البلاط الملكي في ذلك الوقت، واللذين استمروا في رفض فكرة طلاق جورج الرابع من كارولين، حتى بعد أن أصبح جورج الرابع يحتل منصب الأمير الوصي على العرش، ويتولى كافة صلاحيات الملك، نيابة عن والده، بسبب مرض الأخير، لذلك لم يعد أمام الأخير خيار سوى انتظار وصوله إلى العرش، وإعلانه ملكا لإنجلترا ليحصل على السلطة والنفوذ الكافيين لتطليق زوجته والزواج من أخرى (وهو ما قام به بالفعل بعد فترة وجيزة من تتويجه).
نشأة الأميرة تشارلوت في عزلة وشعبيتها الكاسحة لدى عموم
لذلك السبب عاش جورج الرابع وزوجته كارولين، حياتين منفصلتين، وفي صراع علني، ونشأت الأميرة تشارلوت بسبب ذلك في عزلة، بعيدا عن والديها، فعندما كانت طفلة لم تعيش مع أي منهما، بل كان لديها منزلها الخاص، والذي عاشت فيه تحت رعاية المربيات والخدم فقط، خلال تلك الفترة سمح لشارلوت بالحد الأدنى من الاتصال بوالدتها، ولم يكن والدها يزورها إلا نادرا.
مع تقدمها في السن، أصبحت تشارلوت تتوق لحضور تجمعات البلاط الملكي والتجمعات المجتمعية الأخرى، لكن والدها غالبا ما كان يمنعها من القيام بذلك أيضا، مما أدى إلى تقليل ظهورها العلني إلى الحد الأدنى، وربما يرجع السبب وراء ذلك لأنه في المناسبات العلنية القليلة التي ظهرت فيها تشارلوت، كانت دائما ما تقابل بهتاف حماسي من قبل الحشود الكبيرة، على العكس من والدها جورج الرابع، والذي لم يحظى بشعبية مماثلة لدى عموم الشعب البريطاني لأسباب عديدة أهمها، إلحاحه للحصول على الطلاق من زوجته، وخيانته لها.
كيف تحررت الأميرة تشارلوت من قيود والدها وتزوجت من رجل من اختيارها
في عام 1813، رتب جورج الرابع، زواج ابنته شارلوت من ولي عهد هولندا، وأمير أورانج في ذلك الوقت، ووافقت شارلوت على ذلك في البداية على مضض، معتبرة ذلك فرصة للحصول على مزيد من الحرية والتحرر من قيود والدها، ولكنها أعادت النظر في ذلك بعدها بفترة وجيزة، بعد أن أدركت أن زواجها من ولي العهد البريطاني، سيجعلها تضطر لقضاء الجزء الأكبر من وقتها في هولندا، بعد الزواج، بعيدا عن موطنها الأم الذي يفترض أن تحكمه في يوم ما، ولذلك، وبتشجيع من جدتها الملكة (والتي كانت تحمل هي الأخرى اسم تشارلوت Queen Charlotte)، فسخت خطوبتها، وفي مايو 1816 تزوجت من رجل من اختيارها، وهو الأمير الوسيم ليوبولد أمير ساكس-كوبرج-سالفيلد Prince Leopold of Saxe-Coburg-Saalfield.
ابتهج الجمهور البريطاني عندما حصلت شارلوت على الحرية والسعادة أخيراـ فعلى عكس والدها، كانت الأميرة الشابة تحظى بشعبية كبيرة، ونالت معاناتها منذ الصغر بسبب والديها، تعاطف عموم الشعب وقتها، وكانت سبب في حصولها على ولاء الشعب ودعمه، إضافة إلى ذلك، هناك حقيقة أن الأميرة تشارلوت هي الحفيد الشرعي الوحيد للملك جورج الثالث، لذلك فقد حملت كل آمال عموم الشعب البريطاني في مستقبل النظام الملكي البريطاني.
وفاة تشارلوت المأساوية أثناء ولادتها لطفلها
بعد زفافهما، عاشت شارلوت وليوبولد بهدوء في منزل كليرمونت في إيشر، في مقاطعة سري البريطانية، وقضيا أيامهما بالكامل تقريبا بصحبة بعضهما البعض، وبدا من الواضح أنهما يتمتعان بزواج سعيد ومستقر، وهو الأمر الذي لم يحظى به والدها وأعمامها في ذلك الوقت، وهو ما ساهم في اكتساب تشارلوت المزيد من حب واحترام وولاء عموم الشعب البريطاني، وعندما أُعلن عن حمل شارلوت في أبريل 1817، استقبل الجمهور هذه الأنباء بسعادة كبيرة وتابعتها الصحافة عن كثب، وفي ذلك الوقت تطلع الكثيرون لمولد الطفل الملكي الجديد واحتفالات ميلاد الطفل، دون أن يتوقع أي منهم، النهاية المأساوية لأميرتهم المحبوبة.
بدأ المخاض الذي طال انتظاره أخيرا في الرابع من نوفمبر من نفس العام، وكان مخاض طويل ومعقد، وبعد 50 ساعة، أنجبت شارلوت طفل ميتا، وهو ما أحزن الكثيرين، إلا أنهم شعروا بالارتياح لأن تشارلوت بدت في حالة صحية مستقرة وقتها، وبدا وكأنها نجت من هذه المحنة، ولكنها مرضت فجأة، بعد فترة وجيزة من ولادتها لطفل ميت، لينتهي الأمر بوفاتها عن عمر يناهز 21 عام، لتضع بذلك كلمة النهاية للمستقبل المشرق الذي توقعه الكثيرون لها.
أدى خبر وفاة الأميرة تشارلوت، وطفلها إلى حالة من الحزن الشديد التي عمت جميع أنحاء بريطانيا وقتها، وكتب أحد المعاصرين لهذه الفترة لاحقا، وواصفا إياها: "لقد كان الأمر حقا كما لو أن كل بيت في كل انحاء بريطانيا العظمى قد فقد طفلا مفضلا لديه"، مظاهر الحزن والحداد على الأميرة تشارلوت تضمنت أيضا إقامة كل كنيسة في البلاد تقريبا مراسم تأبين لشارلوت، وأُغلقت المتاجر، وظلت كذلك لمدة تصل إلى أسبوعين، كما تمت تغطية المباني العامة باللون الأسود، وسرعان ما تم إنشاء صندوق لجمع الأموال من الجمهور لبناء نصب تذكاري من الرخام تكريما لأميرتهم الراحلة، ووضع التمثال في نهاية المطاف في كنيسة القديس جورج في وندسور، حيث لا يزال قائما حتى اليوم. وهو دليل على المودة التي كانت تحملها شارلوت.
ومع ذلك، كان لحزن الأمة نتيجة أخرى أكثر مأساوية حيث تحول الحزن إلى غضب يبحث عن شخص يلقى عليه اللوم على وفاة تشارلوت، وتركز الكثير من هذا الغضب على طبيب شارلوت، سير ريتشارد كروفت Sir Richard Croft، وتم اتهامه بالإهمال وعدم الكفاءة، إلا أنه سرعان ما تم تبرئته، بعد أن أكد كل من زوج تشارلوت، ووالدها جورج الرابع (والذي كان لا يزال أمير وصي على العرش في ذلك الوقت)، بأنه قام بكل ما في وسعه، للعناية بتشارلوت وإنقاذ حياتها، ولكن سير ريتشارد أصيب بالاكتئاب، وانتهى به الأمر بالانتحار بإطلاق النار على نفسه، بعد وفاة تشارلوت بثلاث أشهر فقط.
ماذا حدث بعد وفاة تشارلوت
وفي غضون عام، من وفاة تشارلوت تزوج أعمام تشارلوت، وبحلول عام 1814، كان قد ولد أربعة أطفال ملكيين، كان من بينهم أميرة بريطانية، أصبحت لاحقا واحدة من أشهر ملكات بريطانيا الحاكمات وهي الملكة فيكتوريا Queen Victoria، أما أرمل شارلوت، ليوبولد، فلقد طلب منه أن يصبح ملكا على البلجيكيين، وأدى قبوله لذلك الطلب إلى تشكيل نظام ملكي جديد لبلجيكا، وعائلة مالكة بلجيكية جديدة، لا تزال تحكم بلجيكا حتى يومنا هذا.
بالرغم من مأساة وفاة الأميرة تشارلوت إلا أنه بدون شك، غيرت التاريخ، فبدون وفاة شارلوت، كان من غير المرجح أن يقبل زوجها أن يصبح ملكا لبلجيكا أو أن تصبح ابنة عمها، واحدة من أشهر ملكات بريطانيا الحاكمات لاحقا، وربما كان تاريخ بريطانيا وبلجيكا ليبدو مختلفا تماما عما أصبح عليه الآن.