من هو الأمير الذي وصل إلى حكم إمارة موناكو بطريقة معقدة قبل أن يصبح أشهر أمراء العالم؟
الأمير الذي سنتحدث عنه اليوم، ليس أميرا عاديا، وإنما أمير أصبح خلال حياته أمير حاكم لإمارة أوروبية ثرية، بطريقة غير تقليدية، وانتهى به الأمر بأن يصبح واحد من أشهر أمراء العائلة الحاكمة لإمارة موناكو، وأحد أشهر أفراد العائلات الملكية في القرن العشرين، من نتحدث عنه هو أمير موناكو الراحل، الأمير رينيه الثالث Prince Rainier III of Monaco، والذي تحول إلى نجم عالمي بعد زواجه من نجمة هوليوود الحائزة على الأوسكار، جريس كيلي Grace Kelly، قبل أن يضعا معا، خلال زواجهما، حجر الأساس لسلالة ملكية حديثة.
مولد ونشأة الأمير رينيه الثالث
ولد الأمير رينيه الثالث في يوم 31 مايو 1923 في قصر الأمير في موناكو، وكان الابن الأصغر والابن الوحيد للأميرة شارلوت، دوقة فالنتينوا، وولية عهد إمارة موناكو في ذلك الوقت Monégasque Hereditary Princess Charlotte, Duchess of Valentinois، والأمير بيير دي بوليجناك Prince Pierre de Polignac، الأمير رينيه كان أول ولي عهد لإمارة موناكو، يولد على أرض إمارة موناكو، منذ الأمير أونوريه الرابع Honore IV في منتصف القرن الثامن عشر.
الأمير رينيه الثالث كان لديه وقت ميلاده، شقيقة تكبره سنا، وهي الأميرة أنطوانيت، بارونة ماسي Princess Antoinette, Baroness of Massy، ولكنها لم تصبح ولية لعهد إمارة موناكو بالرغم من أنها تكبره سنا، لأن قوانين وراثة العرش في إمارة موناكو كانت ولا تزال، تعطي أولوية خلافة عرش إمارة موناكو، لورثة العرش الذكور.
السبب الذي جعل طريق وصول رينيه الثالث لعرش موناكو غير تقليدي
في حين أن رينيه الثالث أصبح وليا لعهد إمارة موناكو، منذ لحظة مولده، إلا أن طريقه للوصول إلى العرش لم يكن تقليديا على الإطلاق، أو على الأقل الأحداث التي مهدت الطريق أمامه للوصول للعرش، والسبب هو حقيقة أن والدة الأمير رينيه، وهي الطفلة الوحيدة للأمير لويس الثاني Prince Louis II of Monaco، ولدت كطفلة غير شرعية لوالدها من حبيبته ماري جولييت لوفيت Marie Juliette Louvet، ولأنها كانت الطفل الوحيد لوالدها، قرر والدها أن يضفي الشرعية عليها، بتبنيها رسميا في العائلة الحاكمة لإمارة موناكو في عام 1919، قبل أن يقوم بإعلانها وريثة للعرش.
تعليم مكثف في أشهر المؤسسات التعليمية الأوروبية
تلقى الأمير رينيه تعليمه الأساسي، في المملكة المتحدة، في مدارس عامة مرموقة في سمرفيلدز في سانت ليوناردز أون سي ومدرسة ستو، وبعد انتهائه من دراسته في المملكة المتحدة، التحق رينيه بمعهد لو روزي في سويسرا في عام 1939، ولاحقا التحق بجامعة مونبلييه وحصل منها على بكالوريوس الآداب في عام 1943، الأمير رينيه درس أيضا في فرنسا في معهد الدراسات السياسية في باريس.
عندما أصبح وريثا لعرش موناكو بدلا من والدته
عندما أصبح الأمير رينيه الثالث في سن الحادية والعشرين، تخلت والدته رسميا عن حقها في وراثة عرش موناكو، مما جعل رينيه الوريث المباشر لعرش إمارة موناكو، خلفا لجده لوالدته، الأمير لويس، وكان ذلك في عام 1944، ولكن بعدها بفترة وجيزة، انشغل الأمير رينيه عن منصبه الجديد كوريث للعرش بالقتال في الحرب العالمية، فعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، قرر رينييه الانضمام إلى الجيش الفرنسي الحر، في سبتمبر من عام 1944، وخدم الأمير تحت قيادة الجنرال دو مونسابت General de Monsabet، كملازم ثاني، وبفضل خدماته لصالح الجيش الفرنسي في الحرب، حصل الأمير رينيه على وسام صليب الحرب Croix de Guerre الفرنسي بنجمة برونزية، كما منح رتبة نقيب في الجيش الفرنسي بعد تقاعده عن الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، في أبريل 1949 وفي ديسمبر 1954، تمت ترقيته إلى رتبة عقيد.
وصول الأمير رينيه إلى عرش موناكو
وصل الأمير رينيه إلى عرش موناكو في 9 مايو 1949 خلفا لجده الأمير لويس الثاني، وبحلول ذلك الوقت كانت موناكو تواجه خطر الإفلاس، وبدأت تفقد الكثير من بريقها وجمالها، وازداد الأمر سوء في بدايات حكم الأمير رينيه لإمارة موناكو، بسبب سمعته كأمير مدلل مستهتر، يهوى النساء والسيارات السريعة (وهي سمعة ارتبطت بعدد لا بأس به من أمراء موناكو، قبلة وبعده)
لذلك لم يتوقع الكثيرون وقتها أن رينيه سيتمكن من النهوض بإمارة موناكو في الوقت الذي تعاني فيه موناكو من أزمات اقتصادية طاحنة، إلا أن الأمير رينيه أثبت خطأ منتقديه عندما شرع في تحديث البلاد، ونجح في ذلك بعد أن تلقى بعض المساعدة من قطب الشحن اليوناني أرسطو أوناسيس Aristotle Onassis.
بعد ذلك، قرر رينيه أن أفضل طريقة لإعادة موناكو إلى مجدها القديم هو الترويج لموناكو كملاذ ضريبي وموقع جذب سياحي عالمي، وفي تلك الأثناء استطاع أيضا إحياء سباق الجائزة الكبرى في موناكو، والذي كان أحد أرقى سباقات السيارات في العالم، وبحلول عام 1964، كان الأمير رينيه قد نجح في استعادة السيطرة على المعاملات التجارية للإمارة وأعاد إحياء أسواقها التجارية والعقارية، وبحلول منتصف الستينيات أيضا، كانت الشراكة بينه وبين أوناسيس قد وصلت إلى نهايتها.
قصة الحب الطويلة التي انتهت بالانفصال بعد عقد من الزمان
شهدت فترتي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي قصة حب طويلة للأمير رينيه، جمعته لمدة عشر سنوات، مع الممثلة السينمائية الفرنسية جيزيل باسكال Gisèle Pascal والتي التقى بها عندما كان طالبا في جامعة مونبلييه، خلال السنوات التالية عاش راينيه وجيزيل باسكال في سان جان كاب فيرات، وفي حين أن الكثيرين توقعوا أن تكلل علاقتهما بالزواج إلا أنها انتهت بالانفصال بعد أن نشرت الأميرة أنطوانيت Princess Antoinette شائعات مفادها أن جيزيل كانت عقيمة، بالإضافة إلى وجهات النظر المتعجرفة حيال عائلة جيزيل بسبب انتمائها لطبقة متوسطة.
قصة حب رينيه الثالث وزوجته والتي انتهت نهاية مأساوية
في ربيع عام 1955، قادت الممثلة الأمريكية جريس كيلي الوفد الأمريكي لمهرجان كان السينمائي وتمت دعوتها إلى قصر الأمير في موناكو لالتقاط الصور مع الأمير رينيه، بعد هذا اللقاء، قرر الاثنان تبادل المراسلات مع بعضهما البعض لعدة أشهر، بعدها سافر الأمير رينيه إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 1955 كجزء من جولة رسمية، وخلال تلك الفترة، التقى بعائلة جريس وكانت عائلة أمريكية ميسورة الحال، وتقدم بطلب الزواج منها في منزل طفولتها في فيلادلفيا.
تزوج الاثنان مدنيا في 18 أبريل 1956 وتزوجا دينيا في اليوم التالي في كاتدرائية القديس نيكولاس، وأنجبا خلال زواجهما، الأميرة كارولين Princess Caroline (مواليد 1957)، والأمير ألبرت Prince Albert (مواليد 1958)، والأميرة ستيفاني Princess Stéphanie (مواليد 1965)، وبعد زواج استمر لما يزيد عن ربع قرن، توفيت الأميرة جريس متأثرة بجراحها التي أصيبت بها في حادث سيارة مأساوي ناجم عن إصابتها بسكتة دماغية أثناء قيادتها لسيارتها في طريق العودة إلى موناكو، من عطلة عائلية في فرنسا، وشوهد زوجها رينيه الثالث وهو يبكي حزنا على فراق زوجته الراحلة في جنازتها.
السنوات الأخيرة من حياة
الأمير رينيه كان مدخنا شرها يدخن ما يصل إلى 60 سيجارة يوميا، وفي السنوات الأخيرة من حياته بدأت صحته في التدهور بشكل ملحوظ، وخضع لعمليات جراحية في أواخر عامي 1999 و2000، ودخل المستشفى عدة مرات في وقت لاحق، كان آخرها، في أوائل مارس 2005 وهناك وضع على جهاز التنفس الصناعي في يوم 23 مارس بعد دخوله العناية المركزة في اليوم السابق.
توفي الأمير رينيه في الصباح الباكر من يوم 6 أبريل 2005 في مركز أمراض القلب والصدر في موناكو عن عمر يناهز 81 عام، وتولى خلافة عرش إمارة موناكو، ابنه الوحيد الأمير ألبرت، والذي كان قد عين وصيا للعرش في يوم 31 مارس 2005، بسبب تدهور الحالة الصحية لوالده. في يوم 15 أبريل 2005، دفن الأمير رينيه بجانب زوجته الأميرة جريس في كاتدرائية القديس نيكولاس.