لقاء مدبر في بهو فندق حول أميرة ألمانية إلى ملكة لبريطانيا
في أحد أيام صيف عام 1818، دخلت أميرة ألمانية شابة إلى أحد أشهر الفنادق في لندن في ذلك الوقت، لتلتقي برجل عمره ضعف عمرها، من أجل التعارف بهدف الزواج، الأميرة الألمانية التي نتحدث عنها هي أديلايد من ساكس مينينجن Adelaide of Saxe-Meiningen أما زوجها المستقبلي، فكان يعرف في ذلك الوقت بويليام، دوق كلارنس قبل أن يصبح لاحقا ملكا للمملكة المتحدة، ويعرف باسم الملك وليام الرابع William IV، المثير للاهتمام أن أديلايد ووليام، لم يفكرا قبل عام واحد من لقائهما الشهير في الفندق، بأن يتقابلا بهدف الزواج، ولكن أسباب عديدة ساهمت في إقدامهما على ذلك القرار، من بينها ضرورة تأمين خط وراثة العرش البريطاني.
رحلة البحث عن زوجة لتأمين خط خلافة العرش البريطاني
لقاء ويليام وأديلايد الرسمي الأول، جاء في فندق جريلون Grillon's Hotel والذي يقع في شارع Albermarle قبالة شارع بوند في لندن، وتم اللقاء في وجود عدة مرافقين للعروس المستقبلية، وخلال ذلك اللقاء تحدث الاثنان بشكل جدي وللمرة الأولى، عن فكرة زواجهما، وهو زواج كان ضروري للغاية بالنسبة لويليام، في ذلك الوقت، حيث كانت العائلة المالكة البريطانية، تواجه أزمة خلافة في وراثة العرش، كان لا بد من حلها في أسرع وقت ممكن، فقبل تسعة أشهر فقط، من لقاء ويليام وأديلايد في فندق جريلون، توفيت وريثة العرش المستقبلية، الأميرة تشارلوت Princess Charlotte، وهي الابنة الوحيدة لشقيقه الأكبر جورج الرابع George IV، والذي كان وقتها وليا لعهد بريطانيا ويشغل منصب الأمير الوصي على عرش والدهما الملك جورج الثالث George III.
وفاة الأميرة تشارلوت، والتي توفيت شابة أثناء ولادتها لطفلها الأول والذي ولد ميتا، في نوفمبر 1817، لم تكن مأساة شخصية للعائلة المالكة البريطانية فحسب، وإنما صنعت أزمة حقيقية في خط ولاية العرش، ففي حين أن الملك المسن والمريض، جورج الثالث، أنجب خمسة عشر طفل، لم يكن لديه أحفاد شرعيين لوراثة عرشه، بخلاف الأميرة تشارلوت والتي توفيت بشكل مأساوي قبل أن تصبح ولية لعرش بريطانيا وأميرة لويلز، كما كان يأمل الكثيرون.
لذلك، وبعد فترة مناسبة من الحداد، بدأ العديد من أبناء جورج الثالث غير المتزوجين وزوجته الملكة شارلوت Queen Charlotte، للبحث عن زوجات لأبناء الملك جورج، للحصول على أحفاد شرعيين للملك، لتأمين خط وراثة العرش، وكان من بين أبناء جورج الثالث الذين بدئوا في البحث عن زوجة، لتأمين خط خلافة العرش، ويليام، وهو الابن الثالث للملك جورج الثالث والملكة تشارلوت، ويليام لم يكن أمير بريطاني نموذجي ففي حين أنه اشتهر بمسيرته المهنية الطويلة، كضابط في البحرية الملكية (والتي أكسبته لقب البحار بيلي) إلا أنه قضى معظم سنوات حياته 52، كشاب أعزب، كما كانت تربطه علاقة طويلة بممثلة تدعى دوروثيا جوردان Dorothea Jordan، والتي أنجب منها عشرة أطفال غير شرعيين قبل أن تنتهي علاقتهما بالانفصال.
لقاء أول وزواج متسرع
رشح لويليام، العديد من الزوجات المحتملات من بنات أسر وعائلات أوروبية نبيلة، ولكنه اختار مقابلة أميرة ألمانية شابة تدعى أديلايد، والسبب هو أنها الوحيدة من الشابات النبيلات اللاتي رشحن ليكن زوجاته، التي أبدت اهتماما واضحا بأطفاله، وبدا وكأنها تعطي أهمية كبيرة لدورها كزوجة أب محتملة لأبنائه، وتعتبره جزء من مسئولياتها، ويقال إن ويليام، عندما عقد العزم على الزواج من أديلايد، علق على ذلك قائلا: "إنها مسكينة، تلك الشابة البريئة التي ستكون زوجتي".
لكن لاحقا، تبين أن ويليام، لم يكن عليه القلق حيال "الأميرة المسكينة" التي أصبحت زوجته، لأن أديلايد، كانت تتمتع بشخصية قوية للغاية، إلى جانب حس قوي بالمسئولية والواجب، وهذا ليس بالغريب، لأن أديلايد، أعدت منذ الصغر وحتى أصبحت في الثامنة من عمرها، لتكون وريثة لوالدها، جورج الأول، دوق ساكسونيا مينينجن Georg I, Duke of Saxe-Meiningen، كما أنها نشأت في قلب بلاط ملكي ليبرالي ومستنير، لذلك لم تبدي انزعاج أو تحفظا على فكرة أن يكون أبناء زوجها غير الشرعيين، جزء من حياتها أو عائلتها الجديدة، على العكس من العديد من السيدات النبيلات في ذلك الوقت.
أديلايد كانت تبلغ من العمر 25 عام، عندما تم عرض الزواج من ويليام والذي كان على وشك أن يبلغ 53 عام ولديه 10 أطفال غير شرعيين، ولكنهما قررا اللقاء للتعارف بهدف الزواج، واختارا اللقاء في الرابع من يوليو عام 1818 في فندق جريلون، وهو فندق في وسط لندن، وكان خيار مفضلا لدى الملوك والنبلاء في ذلك الوقت، ومن بينهم لويس الثامن عشر ملك فرنسا، والذي أقام فيه في عام 1814، كما اشتهر الفندق أيضا بأنه مكان مفضل لاجتماع أعضاء مجلس النواب والنبلاء البريطانيين.
لقاء ويليام وأديلايد، سار بشكل جيد للغاية، لدرجة أنهما، وبعد أسبوع واحد فقط من لقائهما، وتحديدا في يوم 11 يوليو 1818، تزوجا في احتفال زفاف ملكي، إلى جانب زوجين ملكيين آخرين في قصر كيو حيث شهد الاحتفال أيضا زواج شقيقه الأصغر الأمير إدوارد، دوق كينت وستراثيرن Prince Edward, Duke of Kent and Strathearn، من الأميرة فيكتوريا من ساكس-كوبرج-سالفلد Princess Victoria of Saxe-Coburg-Saalfeld.
زواج سعيد ومستقر دون ورثة للعرش
زواج ويليام وأديلايد، كان أكثر استقرار وسعادة من توقعات الجميع، بما في ذلك ويليام، فبعد زواجهما، سافر ويليام وأديلايد إلى هانوفر حيث عاشا في الجزء الأول من زواجهما هناك، وسرعان ما لاحظ المقربين من ويليام، أنه تحول إلى رجل أكثر صحة وسعادة، وأن الفضل في ذلك يعود إلى زوجته أديلايد، كما بدا من الواضح أيضا أن كلا الزوجين يحمل الكثير من مشاعر الود والاحترام والتقدير للآخر، ومع ذلك، فإن فرحة واحدة ستراوغ الزوجين، ففي حين أنهما قد أنجبا خلال زواجهما، خمسة أطفال على الأقل، إلا أنهم جميعا إما ولدوا ميتين أو ماتوا وهم صغار، وبحلول الوقت الذي استقر فيه الزوجان إلى الأبد في إنجلترا، كان من الواضح أن ويليام وأديلايد لن يتمكنا من إنجاب ورثة للعرش أو ينجبا طفلا لهما، ولذلك أغدق كلاهما المودة على الطفلة الصغيرة التي ولدت من الزوجين الملكيين اللذين شاركا ويليام وأديلايد يوم زفافهما، وهي فيكتوريا، ابنة الأمير إدوارد، دوق كينت وستراثيرن والأميرة فيكتوريا من ساكس-كوبرج-سالفلد، والتي أصبحت لاحقا وريثة لعرش ويليام، بعد وفاة والدها، ووصول عمها ويليام إلى العرش في عام 1830، قبل أن تخلفه في ولاية العرش، ويعرفها العالم لاحقا باسم الملكة فيكتوريا Queen Victoria.
الزواج الملكي المدبر الذي أصبح واحدا من أكثر الزيجات الملكية شعبية في المملكة المتحدة
زواج الملك ويليام الرابع والملكة أديلايد كان زواج ملكي مدبر وليس زواج جاء بعد قصة حب أسطورية، ولكنه كان واحد من أكثر الزيجات الملكية شعبية في المملكة المتحدة في ذلك الوقت، لأنه الزواج الذي حول ويليام الرابع، من أمير بريطاني مثير للجدل إلى رجل عائلة وملك يحظى باحترام شعبه، والفضل في ذلك يعود إلى حد كبير إلى زوجته الملكة أديلايد، والتي كانت تتمتع بشعبية كبيرة في المملكة المتحدة والأقاليم البريطانية في ذلك الوقت، بفضل تفانيها في العمل الخيري، ووفقا للمؤرخين، فإن أديلايد كانت محبوبة للغاية، لدرجة أنه تم تسمية مدينة جديدة أقيمت في جنوب أستراليا على اسمها.
الملك ويليام والملكة أديلايد ظلا مخلصين لبعضهما البعض حتى نهاية زواجها والذي انتهى بوفاة ويليام بعد صراع مع المرض، وعندما تدهورت صحة ويليام، وأصبح الموت أمرا لا مفر منه، بقيت أديلايد بجانبه لعدة أيام، حتى وفاته.
أما فندق جريلون الذي التقى فيه الزوجان ويليام وأديلايد للمرة الأولى، قبل مائتي عام تقريبا من الآن، لم يعد قائما، لكنه يحتفظ بمكانة مهمة في التاريخ الملكي البريطاني، باعتباره كان المكان الذي شهد اتخاذ ويليام وأديلايد قرارهما بالزواج، ذلك الزواج الذي لم يكن من أشهر القصص الرومانسية الملكية أو حتى أكثرها شهرة، ولكنه ساهم بشكل كبير في تأمين النظام الملكي البريطاني، والمساعدة على استقراره، حتى وإن لم يثمر عن ورثة للعرش، كما كان يهدف ذلك الزواج منذ بدايته.