خاص "هي"- مهرجان البحر الأحمر 2023: حوجن .."أنسنة" الجن على شاشة السينما
حوجن ميحال، طبيب شاب، عمره 92 عاما فقط، لأنه ببساطة من الجن، والدته من النفريين ووالده الراحل من الفيحيين، القبيلة الأولى تؤمن بالله وترفض إيذاء البشر، الثانية ترى أن الإنس خسروا فرصتهم في إدارة العالم وعليهم أن يتحولوا لمحكومين من الجن، لكن والد "حوجن" يرفض العهد ويهرب مع زوجته وابنه الطفل ووالد زوجته إلى منفى اختياري في جدة، قبل أن يلق حتفه بسبب تحديه للملك هياف أقوى ملوك الجن والمتربص بأبناء آدم .
ما سبق هو ملخص الحكاية التي ينطلق منها "حوجن" فيلم افتتاح الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة والتي انطلقت مساء الخميس وتستمر حتى التاسع من الشهر الجاري، غير أن قصة الفيلم بدأ قبل نحو خمس سنوات أكثر، عندما قرر المخرج ياسر الياسري تحويل رواية "حوجن" لإبراهيم عباس إلى شريط سينمائي، الرواية تعد من الأعمال الأكثر مبيعا في سوق الكتاب السعودي وترجمها للإنجليزية ياسر بهجت، وجميعهم الياسري وبهجت وعباس عقدوا مؤتمرا صحفيا في الدورة الثانية للمهرجان قبل عام كامل للكشف عن تفاصيل الفيلم الذي يعد الأول من نوعه في السينما السعودية، فيلم فانتازي رومانسي يدور في إطار غير معتاد حتى بالنسبة للسينما العربية التي قدمت هذه التيمة الدرامية، علاقة الإنس بالجن، إما في إطار أفلام كوميدية أو أفلام رعب ومن الأخيرة انطلق المشهد الأول حيث نرى "حوجن" في قاعة سينما تعرض فيلم رعب بطله من الجن ويكاد هو ينطق ويقول أن تلك الأفلام تشوه صورة الجن لأنهم ليسوا جميعا أشرار.
أسرة "عبد الرحيم" تتقاسم المنزل مع عائلة "حوجن"
بعدما نتعرف سريعا على الشخصيات الرئيسية من عالم الجن، تبدأ الحبكة في التصاعد بوصول أسرة "عبد الرحيم" المكونة من رجل وزوجته وابنته طالبة الطب وشقيقها الصبي للسكن في منزل تحت الإنشاء يقرروا شراءه لأنه في منطقة هادئة وتحويله لمنزل الأسرة الجديد ليضطر سكانه غير المرئيين للصعود إلى السطح والإقامة بعيدا عن الجيران الجدد، تشدد الأم ومعها الجد على "حوجن "بعدم الإقتراب من الإنسيين، لأن "طريق الإنس كله معاصي" على حد قول الأم، فهناك تركيز طوال الوقت على أن عائلة حوجن من النفريين هم من الجن الطيب المؤمن بالله غير المؤذي للإنسان، حتى أن الجد ينطق الشهادتين وهو يموت وفي جنازته يرتدي الجميع اللون الأبيض، لكن الفضول الذي هو داء بشري بإمتياز يصيب "حوجن" المعجب بعقلية الفتاة وثباتها الإنفعالية وتبدأ بينهما علاقة غير مباشرة عندما تحس بوجوده، ويشعر هو بالغيرة لأنها تحب زميلها في الجامعة، قبل أن يكتشف ابن عمه الشرير مكان وجوده وتبدأ معركة اقناعه بالعودة للمملكة والزواج من ابنة العم من أجل تحقيق رغبة الملك "هياف" في أن يستخدم القوى غير المحدودة لنسل "ميحال" والمقابل انقاذ "سوسن" الفتاة البشرية من "ورم في المخ".
الفيلم مناسب لكل الأعمار .. ولكن ماذا عن الإيرادات؟
يتصاعد الصراع بين الجن الطيب والشرير، ويصبح مصير الإنسان مرتبط بانتصار الخير وهو ما يحدث في النهاية، دون مشاهد مرعبة أو مؤذية للعين بشكل يجعل الفيلم مناسبا لجميع الأعمار، حيث أعلنت الشركات المنتجة للفيلم طرحه في شباك التذاكر السعودي في الرابع من يناير المقبل، لكن هل يحقق الفيلم نفس نجاح الرواية ويجمع إيرادات كبيرة في الصالات السعودية؟
هذا السؤال لن نجد إجابة شافية عليه إلا بعد طرح الفيلم، لكن ما يمكن قوله بعد المشاهدة الأولى أن العمل بالأساس موجه لليافعين والشباب المعجبين بكتابات دار "يتخيلون" الصادر عنها رواية "حوجن" ، فهذه النوعية من الدراما تحتاج إلى جمهور يريد أن يتعرف على هذا العالم بشكل مبسط وجذاب في الوقت نفسه وهو ما يحققه الفيلم ويفسر الانتشار الكبير للرواية، في الوقت نفسه فإن المطلعين على هذا العالم بشكل واسع أو المقتنعين بأن الجن كله شرير قد يشعرون بأن الشريط أقرب للفيلم الكارتوني البسيط حيث المعارك والصراعات التي نعرف من البداية أن الخير سينتصر في أخرها و يغيب التشويق بشكل كبير عن أحداث الفيلم بجانب عدم اعتياد مشاهدة طرق التواصل التي اعتمدها الأبطال، انطلاقا من أن "حوجن" لم يكن يدرك قواه الخارقة، فبينما كان المتوقع أن يتكلم دون أن تراه "سوسن" نراه يكتب لها على "الآي باد "باستخدام يديها هي، إذن لديه قدرة تحريك يد بشرية والكتابة بها، فلماذا انتظر لفترة حتى يتعلم هو الكتابة مباشرة، كما نراه يقفز من الشارع إلى السطح مباشرة، لكنه احتاج إلى كسر زجاج منزل إياد حبيب سوسن حتى يدخل إليه ثم يتلبسه، كل هذه التناقضات ربما لن يتوقف عندها الجمهور صغير السن وهو المستهدف من الفيلم لكن بالتأكيد ستكون مثار تساؤلات الأجيال الأكبر من الجمهور.
تميز في الديكور والإضاءة والتصوير
التنفيذ الفني للفيلم جاء على مستوى مميز، خصوصا الديكور والإضاءة والتصوير، حيث عندما سكن البشريين منزل "حوجن" اعتمد المخرج ياسر الياسري على جعل ألوان الديكور ومستوى الإضاءة مناسبة لما كان عليه المسكن قبل تصاعد الأحداث بحيث يشعر المتفرج بعدم الراحة طول الوقت وأن المنزل غير طبيعي "مسكون"، أيضا تنفيذ الأقنعة والمكياج خصوصا للعفاريت لم يتم التعامل معه باستسهال، وكان واضحا أن المكياج لاعب أساسي للتفريق بين الجن الطيب والشرير .
على مستوى التمثيل، أكد الفيلم الإمكانات الفنية والجسدية التي يتمتع بها براء عالم وأن اختياره للدور جاء مناسبا للغاية وهو مؤهل لأن يكون نجما سينمائيا يجمع بين الوسامة والإجادة إذا وجد القصص المناسبة، كذلك نايف الظفيري ومحسن منصور في شخصيتي ابن العم الشرير والحبيب الطيب لسوسن كانا على التجربة، ونجح الظفيري في الافلات من الأداء الكاريكاتوري المتكرر لشخصية الجني الشرير وإن لم تغب اللمحة الكوميدية البسيطة للغاية بشكل يخفف من الأجواء العامة للفيلم الذي اعتمد على الصراع المستمر بين الطرفين، الخير والشر وليس الإنس والجن لأن الأخير نفسه كان منقسما، الممثل منصور آش قدم أداء مميزا في شخصية الجني "غرمان" صديق "حوجن" فيما سنحتاج لمشاهدة "نور الخضراء" في أعمال أخرى مقبلة للتأكد من أنها لن تنحصر في شخصية الفتاة الطيبة الهادئة، بينما أجادت كل من "العنود سعود" في شخصية ابن عم "حوجن" والأم "شيماء الطيب" تتمتع بقبول واضح على الشاشة.
الصور من شركة الانتاج