خاص "هي"- مهرجان البحر الأحمر 2023: فيلم "ناقة".. موعد غرامي يتحول إلى مأساة!
يصنف فيلم "ناقة" أول شريط روائي طويل لمشعل الجاسر ضمن الأفلام التي لا تحرقها الملخصات المكتوبة ولا حتى المحكية التي قد يرويها لك من شاهد الفيلم قبلك، فهو ينتمي لسينما تعمل على جذب المتفرج للتعايش مع منذ اللقطة الأولى حتى الأخيرة كاتمًا الأنفاس ليتابع مصير البطلة، التي تعيش سلسلة متشابكة من الكذبات بسبب حصار اجتماعي يقوده الأب منذ الدقيقة الأولى لولادتها. "ناقة" فيلم غير تقليدي يحتاج إلى متفرج قادر على استعياب كل المفاجأت والتحولات التي ستواجهها الفتاة "سارة" في رحلة عصيبة مدتها 9 ساعات!
فيلم "ناقة" انطلق من تورنتو وصولًا للبحر الأحمر
التوقعات المسبقة دائمًا ما تكون سلاحًا ذي حدين، كثيرون أشادوا بالفيلم ودعوا للحضور، والعرض بسينما ريتز كارلتون رفع شعار "كامل العدد" مقدما، لكن المخرج مشعل الجاسر أكد أن الترويج المسبق لم يكن من باب المجاملات أو المبالغات، مقدمًا قصة سينمائية تبدو غارقة في المحلية، حيث تشارك "ناقة غاضبة" في تحريك الأحداث لكنها في الوقت نفسه قصة يمكن أن تناسب الجمهور من مختلف الثقافات.
سارة.. فتاة تبحث عن الحرية فيحاصرها الجميع
ملخص فيلم "ناقة" المكتوب يقول إننا مع فتاة تغافل والدها وأسرتها من أجل الخروج في موعد غرامي، وبالفعل تلتقي "سارة "و"يزيد" على أمل اختلاس 6 ساعات من حرية الحركة والكلام والانطلاق، بشرط أن تعود لوالدها في نقطة محددة الساعة 9:59 مساء، والدها الذي يبدأ الفيلم بتصرف جنوني قام به لحظة ولادة سارة يجعل المتفرج يتوقع منه أي شيء إذا لم تعد الفتاة في الموعد المحدد، وهو ما حدث، عادت بعده لكنها نجحت بعد رحلة طويلة مريرة مأساوية في إقناعه بأنها لم تفعل شيئا يغضبه بل هي ضحية. خلال الرحلة تتعرض سارة ومعها يزيد لأهوال لا تُصدق، أبرزها على الإطلاق الهروب من "ناقة" صدم الحبيبان صغيرها وقتلاه دون قصد، وفي رحلة العودة تهرب سارة من شاعر شعبي مزيف، وشباب منفلت، وقوة من الشرطة تلقي القبض على حبيبها، تجري وتهرول وتقود "دبابة - بيتش باجي" وتكمل في سيارة آيس كريم، حتى تصل إلى أبيها، وبعدما تستعيد عافيتها تبدأ رحلة انتقام عكسية.
قراءة لفيلم "ناقة" على عدة مستويات
فيلم يمكن قراءته على أكثر من مستوى؛ أولها مقاربة بين حقد البعير وحقد الإنسان، فالفتاة التي تعاني من الحصار الاجتماعي المستمر لم تصدق أن موعدًا غراميا لساعتين أو ثلاثة قد تلاقي فيه كل هذه الأهوال، فقررت الانتقام ممن طالتهم يديها حتى شقيقها، تمامًا كما فعلت الناقة التي كادت أن تقتل "سارة" لولا ذكاء الفتاة وتشبثها بالنجاة؛ النجاة من الناقة والآخرين أولًا ومن عقاب الأب المنتظر ثانيًا.
المستوى الثاني الذي يمكن قراءة الفيلم من خلاله هو الوقت وكيف يمكنه أن يتحكم فينا ويقلب حياتنا رأسا على عقب بينما يمر هو للأمام غير مكثرت بما يترك خلفه، وقد أجاد المخرج وضع المتفرج في حالة من التوتر الدائم، ليس فقط بالكشف عن الساعة كل عدة لقطات ولكن باستخدام أسلوب التقديم والتأخير، حيث قفز من السادسة مساء لما بعد الثامنة مساء لنتفاجأ بـ"سارة" وحدها في مواجهة الناقة، قبل أن يعود ويحكي ماذا جرى لنصل لهذه النقطة.
مستوى ثالث يمكن تأويله بعد مشاهدة "ناقة" يكمن في كشف الفيلم لحالة الزيف المتمكنة في المجتمعات العربية خصوصا من الرجال تجاه النساء، فالأب يعشق شاعرًا شعبيًا تلتقيه صدفة الابنة في رحلة الهرب، لتكتشف أنه شاعر مزيف ولديه "كاتب ظل" يساعده في كتابة الأشعار وحفظها، في إشارة إلى النظر دائمًا إلى ما يظهر على السطح، ما يهم الأب هو أن تلتزم ابنته بالقواعد، ترتدي النقاب، لا تتحرك بدون إذن، يجبرها على الاستماع لأبيات الشاعر المزيف، يجعلها تعيش في ضغط مستمر، دون النظر إلى ما بعد ذلك وما يحدث فعلا، فهمت الابنة اللغة التي يريدها الأب ورفضت نصيحة صديقتها بالاعتراف فنجت بل حظيت بمعاملة أفضل، ما أتاح لها الانتقام من الشاعر بطريقة لم تخطر على بال أحد.
أضواء بدر.. نجمة صاعدة بقوة
بشكل عام يعلن فيلم "ناقة" عن إمكانات مخرج سعودي صاعد ولديه فكره الخاص، لا يغازل شباك التذاكر وفي نفس الوقت لا يقدم فيلمًا فنيًا خاليًا من الجاذبية، ويحسب استخدام أسلوب تصوير يضع المتفرج داخل المشهد، وكادرات قريبة تم التقاطها بعناية، بجانب الموسيقى التي وإن مالت للطابع الغربي لكنها جاءت مناسبة للفيلم، ثم فريق التمثيل الذي أجاد لدرجة كبيرة؛ جبران الجبران وأمل الحربي ويزيد المجيول. أما سارة أو "أضواء بدر" فنجحت من خلال الفيلم على وضع اسمها في مكانة بارزة ضمن نجمات السينما السعودية في المرحلة الحالية، كونها تجمع بين الكاريزما والموهبة والأهم الأداء السلس أمام الكاميرا دون تصنع أو مباشرة.
الصور من حساب مهرجان البحر الأحمر على انستجرام.